محسن رناني/ خلال السبعين سنة الماضية، يتم إجبار أطفال ما يقرب من نصف سكان البلاد (ايران)، أي المجموعات العرقية غير الناطقة بالفارسية في البلاد، على تعلم اللغة الفارسية منذ السنة الأولى من المدرسة الابتدائية والدراسة باللغة الفارسية.
تتشكل المرحلة الصفرية من التطور في أي بلد أثناء مرحلة الطفولة، في المدرسة الابتدائية ومرحلة ما قبل المدرسة. فكل ما نريده لمستقبل بلادنا يجب أن نزرع بذوره في هذه السنين.
ومن خلال فرض تعليم اللغة الفارسية على الأطفال الذين لغتهم الأم ليست الفارسية، فإننا نواجههم بتوقف لعدة سنوات في أكثر سنوات حياتهم حساسية في عملية التنشئة الاجتماعية.
وفي الحقيقة أن 67% من طلاب المدارس الابتدائية الذين يفشلون في الصفين الأول والثاني ينتمون إلى المحافظات التسع ثنائية اللغة في البلاد هي دليل على هذه المشكلة. الأطفال الإيرانيون غير الناطقين بالفارسية، عندما يتأقلمون أخيرا مع اللغة الفارسية ويتعلمونها، يكونون قد فقدوا سنوات طفولتهم. وهي الفترة الأكثر حسما لتعلم وممارسة الخصائص التي يحتاجها لاحقا للحضور الفعال والمستمر في عملية الخلق والتنمية.
ولم نلاحظ أن اللغة الأم ليست لغة الكلام فقط، بل هي لغة العاطفة، ولغة المشاعر، ولغة حياة الإنسان. اللغة الأم هي اللغة الذاتية او الداخلية للإنسان وعملية التفكير تتم أولا في اللغة النفسية لكل إنسان ومن ثم تترجم إلى لغته المنطوقة.
أظهرت الدراسات أنه في المجموعات الديموغرافية ثنائية اللغة، إذا تعلموا لغتهم الأم جيدا، فإن أدمغتهم تكون أكثر قدرة على معالجة المعلومات العاطفية ومجال الإدراك الدلالي.
في الواقع، من خلال عدم تعليم اللغة الأم وفرض اللغة الفارسية على الأطفال الذين لغتهم الأم ليست الفارسية، فإننا نوقف تطور لغتهم الداخلية ولغة التفكير لديهم في نفس عمر الطفولة، ويتحملون الكثير من الضغوط النفسية والعاطفية ومع تأخير لعدة سنوات، يمكنهم أخيرا التفكير والتحدث باللغة المفروضة الجديدة. لكن ما ينقصهم في هذه الأثناء هو فرص التطوير بأبعادهم التعليمية والوجودية التي تشكل قدراتهم التواصلية وتطورهم الإبداعي.
النقطة المهمة هي أن اللغة ظاهرة أو نظام كاثوليكي. أي أنها ظاهرة خلقت وتطورت بشكل طبيعي ودون تدخل إنساني واعي ووصلت إلى أمر ذاتي. وفي الظواهر الكاثوليكية، نتعلم أولا استخدامها وتطبيقها، ثم نقوم بتحليلها والتعرف على مكوناتها. إذا كانت اللغة ظاهرة كاثوليكية، فيجب علينا أولا استخدامها وتعظيم القدرة على استخدامها، ومن ثم الانتقال إلى تعلمها وتحليلها. عندما نخرج الطفل من بيئة اللغة الأم وندخله في التعليم الإلزامي للغة الفارسية، فإنه لم يصل بعد إلى نقطة الازدهار في عملية التعلم الكاثوليكية للغة الأم، أي أقصى نقطة في قوة الكلام والإدراك، أي ذلك الجزء من المشاعر والعواطف الذي يجب تطويره بالكامل بمساعدة اللغة الأم، فهو لم يتشكل بشكل كامل وبالتالي تتم عملية تنمية قوة التحدث باللغة الأم عند الطفل تتوقف في مكان ما، وبالتالي لا تصل لغة الطفل الداخلية، وهي أيضا لغة تفكيره، إلى طاقتها القصوى.
ومن ثم، يجب على هذا الطفل المظلوم أن يتعلم اللغة الفارسية أولا ثم يقوي قدرته على التفكير باللغة الفارسية. وهذا هو نفس القمع الذي نمارسه على أطفال المجموعات العرقية الإيرانية غير الناطقة بالفارسية منذ سبعين عاما، ونضعهم في وضع غير متكافئ في التنافس على الفرص الاجتماعية والاقتصادية مع الناطقين بالفارسية.
في الواقع، من خلال فرض تعليم اللغة الفارسية، فإننا نبطئ أو نوقف عملية التطور العقلي والشخصي لما يقرب من نصف سكان بلادنا لبضع سنوات وندمر الفرص المتاحة لهم لصالح الأطفال الناطقين باللغة الفارسية. وبهذه الطريقة، نقوم بتقليل الفرص العامة للمشاركة في عملية التنمية في المحافظات التي لا يتحدث سكانها اللغة الفارسية. ولعل جزءا من الفجوة وعدم التوازن التنموي الموجود بين المحافظات الوسطى والمحافظات الحدودية في البلاد هو بسبب هذه القضية. أي أنه على الرغم من تخصيص ميزانيات مناسبة لتنمية بعض المحافظات المحرومة في الماضي، إلا أن تلك المحافظات لا تزال محرومة.
في الواقع، من الممكن أنه من خلال فرض اللغة الفارسية على أطفال المحافظات ثنائية اللغة، سنخلق فجوة لعدة سنوات في عملية تكوين شخصية وقدرة أطفال هذه المناطق، وستكون هذه بداية التوزيع غير العادل للفرص بين الموارد.
بالإضافة إلى جميع المظالم السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى، فإن هذا الشكل من الظلم التعليمي هو أيضا ظلم مدمر فرضناه بصمت على الشعوب الإيرانية غير الناطقة بالفارسية على مدار السبعين عاما الماضية.
ترجمة وكالة شفق نيوز