منصور ناجي/ الفيليون مجموعة دينية وعرقية مضطهدة في تاريخ العراق المليء بالحروب والويلات. صراع الهوية والحرب الطائفية الدموية في العراق طحنت مناطق سكن هذه المجموعة المحددة من الكورد. الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن المنصرم فتحت الابواب مشرعة على تصفية الحسابات التي كانت مخبأة في ثنايا الأيديولوجيا البعثية. هذا التطهير الذي شمل الاعراق غير العربية وبشكل وحشي وواضح ضد مجموعة معينة من الشعب الكوردي الا وهم الكورد الفيليون. 

في العاشر من نيسان من عام 1980 اصدرت الحكومة العراقية القرار (666) الذي شدد على ان (اي شخص لايحمل الجنسية العراقية يجب تسفيره الى ايران) وكان هذا القرار قد منح الشرعية لابادة الكورد الفيليين. فاصبح مجرد كون الانسان فيليا يعد جريمة، اولا لكونه كورديا وثانيا لانه من الناحية المذهبية تابعا لايران، اي انهم من الشيعة. وفيما بدأت حملات الانفال التي شنت ضد الكورد كان الفيليون يتعرضون للاعدام والتهجير والقتل. وكانت الفاشية الصدامية بمثابة دبابة تقوم بطحن اجساد الاشخاص خارج النظام السياسي القومي العروبي. وخطورة الفاشية الصدامية كانت تكمن في كونها اعطت الشرعية الكاملة لهذا التطهير والابادة ، وشعارات الوحدة العربية وسيف العرب على حساب اغتيال هذه الاقلية القومية والدينية وليس على حساب الحرب ضد امريكا واسرائيل.

واستمد صدام في شنه حملات الانفال والتطهير العرقي شرعيته من ايديولوجيته البعثية، وكان يطلق على كل من كانوا خارج مشروعه العروبي صفات الطابور الخامس التابع لايران او المخربون، الذين يجب ان تتم تصفيتهم.

هذه الحرب لم تكن تشمل الجانب المادي الجسدي، بل انها كانت حربا ثقافية ومحو اللغة بشكل مكثف، كان ينظر الى الدراسة والتحدث بغير اللغة العربية وكأنها تهديد بقتل اللغة العربية. ومن جانب اخر كانت هذه الحرب لها بعد تكتيكي وهو تعميق تجزئة وتمزيق وحدة الكورد الذين يتمذهبون بمذاهب مختلفة، والروح القومية العروبية كانت ترى سيادتها في القضاء على غيرها من الشعوب سواء بارهابها نفسيا او باغتيال هوياتها.  

الفاشية الصدامية بنيت على اساس قتل اللغة والهوية غير العربية، وكانت تتجلى في العمل على محق اي عدو يمكن ان يشكل ثلمة في هيكل الايديولوجيا البعثية. النازية والبعثية كانتا في اعماقهما ينبعان من جذر واحد ونظام واحد من ناحية ديناميكية العمل بهما، ولكن صدام كان مختلفا عن هتلر بشكل اكبر من حيث انه اوجد نوعين من الافران لصهر الفيليين، الاول لحرق اجسادهم والثاني لحرق تاريخهم وذكرياتهم.  وكان التأثير كبيرا لدرجة أنه حتى بعد عملية تحرير العراق، لم تتمكن هذه المجموعة من ممارسة ثقافتها ولغتها بشكل كامل.

وقد ألقى الكاتب الكوردي (بختيار علي) نظرة جدية على هذين النوعين من محرقة الفيليين في رواية.  بندر الفيلي طفل يولد داخل السجون ويتحرر بعد حفنة من السنين ليشكل نموذجا جليا لتاريخ الفيليين تكشف كل أبعاد فاشية صدام التي طبقت على الجسد المثالي للفيليين.

ولادة بندر في السجن هي كناية عن حقيقة أن (الفيليين يعيشون في السجن أساساً)، وتنظر الرواية إلى بعدي الهولوكوست بالقول إن جريمة بندر الوحيدة في السجن هي كونه فيلياً. 

إن مشكلة الأقليات مشكلة خطيرة في جميع أنحاء العالم، ولكن ما حدث لهذه المجموعة الدينية والعرقية في العراق لم يسبق له مثيل. لقد كانت فاشية صدام تنظر دائما إلى الكورد، وخاصة الفيليين، باعتبارهم تهديدا أبديا. 

تعامل صدام دائما مع الفيليين كأبناء (ساتورن)، الذي يأكل كل أبنائه حتى لا يصبحوا في يوم من الأيام تهديدا لنظامه الإلهي المغلق. كل نظام بحاجة دوما إلى خلق أعداء من أجل الاستمرار في البقاء. 

 شعرت النازية في أعماقها بهاوية تاريخية. ومن أجل ان تتحمل هذه العقدة من الناحية النفسية، ألقت باللوم على اليهود في حصول الفجوة، أي أنها ارادت ان تقول بان اليهود هم العائق أمام كمالها.

 وفقا لإريك فروم، فان جوهر الدكتاتورية هو الجبن. بمعنى آخر، الخوف من الفجوات يجعلنا نبحث عن عدو نتحمل من خلاله عيوبنا الداخلية ونلقي اللوم على العدو. وكان صدام ونظامه يبحثان عن عدو مجهول بنفس الشكل حتى تمكن عن طريق الفيليين الوصول الى هذا الطريق المسدود. فيدعي "لست أنا العربي سبب هذا النقص، بل الكورد أو الفيليون هم السبب".

 لم يستطع الفيليون الوصول الى فضاء ديمقراطي وحر حتى بعد عملية التحرير، فهم لحد الان يعيشون كاقلية مخنوقة ذات مستقبل مجهول. ومن الواضح ان هذا الموضوع بنطبق على الايزيديين والاقليات الاخرى بنفس الدرجة. فديمقراطية ما بعد صدام هي تطبيق من نوع اخر للفاشية بادوات اقل خشونة. فالذي تمخض بعد 2003 لا يمثل الا دكتاتورية جديدة، ولكن يتم تعيين الدكتاتور عن طريق الانتخابات. فمازالت عقلية الشوفينية وتفوق العنصر العروبي لم تغادر ديار السياسة العراقية، ولحد الان يتعامل الفيليون مع المجهول، الفيليون معاقبون كونهم لايعرفون مالذي سيحصل غدا.

 لمارك فلوربايي جملة لافتة في كتابه (الديمقراطية ام الرأسمالية) يشكك فيها بمجمل النظام الديمقراطي في العالم الثالث، فيقول "الديمقراطية ليست ما يؤمن برلمانا وسلطة قضائية، بل هي ما يتوجب ان تؤمن مستقبلا للمواطنين". وهذا يعني أن إبقاء المواطنين في احتمالية متى سنموت هو شكل شديد جدا من أشكال الديكتاتورية. إن التهديد بفقدان الغد هو تهديد خطير يواجه الفيليين في عالم ما بعد صدام.

 في الختام نستطيع القول بان صدام ليس حدثا واحدا ضد الفيليين بل حدثان ومرحلتان، زمن صدام وزمن ما بعد صدام. الفاشية الصدامية بدأت بنوع من التطهير العرقي للكورد من المستحيل ان تعالج اكاذيب الديمقراطية جروحها.

الفيليون كانوا أيقونات فضح الفاشية في عراق صدام حسين. ومن أجل تحليل هذا التاريخ، نحتاج إلى المزيد من أشكال العمل على مستوياتنا السياسية والثقافية والتاريخية.

المصادر

1- بختيار علي، بندر فيلي، 2023.

2- فاتح عبد الله شواني، الابادة الصامتة للكورد الفيليين، (چاوی كورد) 8 / 2 / 2023، https://chawykurd.com/

3- احمد كركوكي، الكورد الفيليون هوية امة مهضومة الحقوق، ، ANF News,،  23/3/2020 ، https://anfsorani.com

4- دکتور ناجح گوڵپی، الابادة الجماعية للكورد الفيليين، kurdpa ، 15/خاکەلێوە/2716، https://kurdpa.net/so/new

 ترجمة: ماجد سوره ميري