عبد الخالق الفلاح/ من المؤسف أن الآثار الثقافية والحضارية في الكثير من مناطق العراق تعرضت للهدم والتدمير في زمن الطاغية وكانت من الأسباب التي قادة الشّباب إلى طريق الانحراف، منها:
تنوعت اساليب القمع الصدامي ضد السجناء والمعتقلين السياسيين والضغط عليهم وهم يقبعون في زنازين وطوابير وظلم السجون العفلقية الظالمة والتي أنشأ عددا منها تحت سطح الأرض فلا يعرف الليل فيها من النهار ناهيك عن سوء التغذية التي تعمد ازلام النظام البعثي الدموي تقديمها الى المساجين بأوامر من اسيادهم.
وكانت سبب من اسباب الفقر: الذي يقودُ لحالةٍ من عدم الاستقرار الاجتماعيّ والحرمان الاقتصاديِّ والتي تقود لمجموعةٍ من المشاكل الاجتماعية التي تُهدّد الأسرة؛ ممّا تُسبّب ابتعاد الأبوين عن أبنائهم، وبالتالي يكونُ قد شكَّل عقبةً في وجه التنشئة والتربية المُثلى؛ ممّا يُنتجُ أفراداً ذوي سلوكاتٍ مُنحرفة. لقد كانت الممارسات التي قام بها النظام نتائج أهمها ،خلق جو من الخوف والرعب بين طبقات المختلفة للمجتمع العراقي و إذا فرغَ المرء ولم يجد ما يفعله، فسيكون وقوعه في الانحراف أسهل ممّن يشغل وقته بما يفيد،
وان تدمير هذه الآثار في الحقيقة كانت لها تداعيات خطيرة للغاية واهمها هدمت الهوية المذهبية والثقافية والفكرية للمجتمع، بدل معالجة الأسباب الواقعية التي تدفع الشباب إلى العنف وإدراك المسؤولية الكبيرة حيال هذه الجرائم ومعالجتها من قبل العاملين بوضع الحلول المناسبة للقضاء عليها قبل فوات الاون، أن المُجتمعات لا تقوم إلا بهِمم الشّباب وطاقاتهم، فهم عِمادُها وأسبابُ رِفعتها، وهُم صُنّاع كرامتها وعزّتها، فالشّباب بما يملكونه من عنفوانٍ وفُتوّة وقوّة قادرون على توجيه طاقاتهم وقُدراتهم لنفع الأمّة وخِدمتها، وقد سجّل الشّبابُ في مختلفِ الأزمنةِ مواقف مُشرِّفة في الذّود عن الأوطان وفي السعي لرفعته وبنائه،
لقد خرج حزب البعث العربي الاشتراكي من الحكم في العراق بعد 35 عاماً من وجوده وترك عبئ ثقيل نفسي مرعب على كاهل المواطن كانت ايامه مليئة بالخوف والانفراد التام بالحكم والاجبار على الانضمام للحزب ومحاربة الغير منتمين في متابعتهم والضغط عليهم وعلى عوائلهم. ويطلق على كل من لم ينتمي له بالمعادي للحزب وصدام وحصر العمل لاعضائه تحت شعارات ومبادئ براقة لكنها ظلت على الورق ولم تخرج من إطارها،وفشلت بسبب تمسكه بخطابه القديم الذي يعود لفترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي ، وعدم سعيه إلى تجديد وسائله في الاتصال والحشد الجماهيري حتى تساير التغيرات المتسارعة التي غيرت كثيرا في زوايا النظر للقضايا السياسية المختلفة
والمتابع للتاريخ يرى أن مؤسس الحزب نادى بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد لأنه كما يقول: (إن القدر الذي حمّلنا هذه الرسالة خولنا أيضاً حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة) لفرض تعليمات الحزب وفرض جو لا يوجد فيه للمواطن عراقي اي حقوق يتمتع بأبسطها أو قدر من الحرية الشخصية أو السياسية فكل شيء في دولة حزب البعث العراقي يخضع لرقابة بوليسية صارمة، تشكل دوائر المباحث والمخابرات والأمن قنوات الاتصالات الوحيدة بين المواطنين والنظام وتركزسياسة الحزب على قطع كافة الروابط بين الافراد والمساواة في نظرتها للأمور بين شريعة حمورابي وشعر الجاهلية وبين دين محمد عليه واله الصلاة والسلام وبين ثقافة المأمون وجعلها جميعاً تتساوى في بعث الأمة العربية وفي التعبير عن شعورها بالحياة كما كان ينادى ، وان الرابطة القومية عنده هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية حتى قال شاعرهم: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما لــه ثان، هذه الممارسات قد جعلت الكثير من الشباب ان لا يخضع لهذه السياسات رغم كل الضغوطات وتحمل المعاناة وهناك صورة شاهدنا في حياتنا في منطقة باب الشيخ على الرغم من غياب الامور الحياتية فقد ظل الشباب يرفض المحاولات غير السوية لحزب البعث بالانتماء لمشاريعها الهدامة للتطلعات الشبابية وتحمل المطاردات الامنية والضغوطات المعيشية وتكثيف الاستدعاءات لمقرات الحزب ومحاولة كسبهم بأي صورة من الصورة واعطائهم المغريات لكسبهم للعمل الحزبي.
كما حدث في بداية نجاح انقلابهم الأسود عام 1968 حيث اعطوا المغريات للشباب للانضمام الى الجيش والشرطة وخاصة الذي فشلوا في المراحل المتوسطة بمنحهم رتية نائب مفوض او الذين فشلوا في الدراسة الاعدادية للالتحاق بالكلية العسكرية ومنحهم رتبة نائب ضابط مرشح مما دفع بالكثير منهم للالتحاق بهذه القوات، وتناس حزب البعث من ان الحزب الشيوعي الذي كان عدد أعضائه ملايين من الاعضاء لم يستطع أن يفعل شيئا عندما اقترب الاتحاد السوفياتي من الانهيار وذلك لأنه كان مجرد تورم سرطاني مستنزف للدولة بالامتيازات والفساد.. ثم لو رجعنا الى الوراء بالضبط لما بعد ردة 18 تشرين عام 1963 التي قادها عبد السلام محمد عارف الذي لم يكن اقل اجراما من قيادات البعث الشباطيين حين خرجت الافواج من الحرس القومي عراة في الشوارع بعد رموا أسلحتهم و خلعوا لباس الخزي في محاولة لإخفاء سوءة العار والمذلة في المقرات خوفاً من غضب الجماهير واختفوا في الازقة، واتذكر كيف كانوا يهربون كالجرذان في الأراضي الواقعة بين بغداد الجديدة و المساحة الفارغة مع دور الضباط ( الغدير الحالية )وهم يتباكون ويتراجفون ويتوسلون بملابسهم الداخلية فقط وكيف احترقت ارجل احدهم في تنور الجيران بعد ان تسلق جدار الحائط ودخل البيت ليخفي نفسه داخل التنور وام البيت قد انتهت للتو من اكمال خبز اولادها...ان في تغيير المجتمع الحاجة إلى أدوات خاصة لذلك، وتأتي التربية على رأسها، والتي تحمل إمكانية بناء مجتمع جديد بمقومات أفضل من سابقه بالاعتماد على تغييرات تراكمية في الأجيال المتعاقبة، تهدف إلى بناء الإنسان السوي القادر على الخلق أو الإنتاج، بينما لا تعني التربية في ظل نظام حزب البعث شيئًا أكثر من أدلجة الفرد تحت مقولة امة عربية واحدة وهكذا نرى هذه الامة كيف أصابها الوهن والانشطار و التشرذم والإخفاقات المتتالية ،او وفق انتماء سطحي تحت يافطة هذا الحزب الفاشستي ذات رسالة خالدة وكيف دخلت قواته الأراضي الكويتية وهي تحمل رسالة الافساد في ألارض ، والتي لم تبقى من آثار وحدتها شيئ
كلنا يعرف كيف يكون الظلم حالة سلبية طاغية ولها تأثيرات عكسية وخسائر فادحة ،هذه الآفة النهمة البشعة التي أكلت الأخضر واليابس وضربت الحابل بالنابل وداست على كل شيء وهي تعبث وتخرب حياة الشعوب وتضج بعوالمها ، وتصخب بسكونها ، وقد أصبحت شارة ولغة وصفة متداولة في زماننا هذا وبلادنا الجريحة التي لا تستحق والله كل هذا الظلم والعناء والتخريب والانهيار الذي لازال يمزق اوصاله . لقد استبد البعث بالحكم المطلق والذي لم نعرف سواه،وعلى قلب الحقائق وتزوير مبادئ الاخوة والمساواة والكرامة، الرافضين للظلم والاستبداد. فلم يدرك ما تمارسه القيادة من جبروت على الشعب، بحكمها المطلق، فارتفعت الأصوات منددين ورافضين ممارساته ، ليلقوا نفس ما لقيه الشرفاء في بداية السبعينات، وزج بالمئات من الأبرياء في السجون بعد انفراط عقد الجبهة الوطنية ، ومات بعضهم تحت التعذيب، وصُوّرت أشرطة فيها بعضهم، يعترفون بنفس ما اعترف به السابقون، إلاّ أن المعترفين بالاكراه لم يشفع لهم اعترافهم للنجاة من القتل تحت التعذيب. إن الاستبداد داء؛ تُبتلي به بعض الشعوب في بعض مراحل التاريخ، وهو أسوأ أنواع السياسة و أكثرها فتكا بالإنسان و بغير الإنسان، في المجتمع المحكوم بالظلم و الطغيان؛ مما يؤدي إلى التراجع في كافة مرافق الحياة ووجوهها، و تعطيل الطاقات وهدرها، و سيادة النفاق والرياء بين مختلف فئات الشعب، حكاما و محكومين.
إن المستبد يحارب طلاب المجد، الساعين للحرية والتقدم، ويقرب المتملقين الذين لا يراعون أيا من قيم الأخلاق وقواعد المروءة والحمية، وإذا كان طلاب المجد يمتازون بالإقدام والتضحية من أجل ابناء شعبهم ، وشعارهم، أن الشرف لا يصان إلا بالدم، فإن المتملقين لا يرجى منهم الخير، بل هم المساعدون على جلب الويلات للأمة والشعب... والمتملقون للمستبد أعداء للحق والحرية، أنصار للظلم والاستبداد، ومن شروط الانتساب إلى هذا الحزب أن يكون طالب الانتساب خلوا من أية قيم ومبادئ دينية أو أخلاقية... وهذا ما يقصده المستبد من إيجادهم والإكثار منهم ليتمكن بواسطتهم من أن يغرر بالأمة على إضرار نفسها تحت منفعتها.لقد مارس البعث ابشع الجرائم لاذلال المواطن مهما كان مستوى الأخلاقي والقيمي ولا يفرق بين احد ان كان حسن السلوك او سلبي السلوك المهم ان يكون مطيع لما يريد وهو ينفذ ما يريده الحزب من سلوكيات في كثير من الأحيان مغاير للضوابط الاجتماعية والحريات الفردية .لقد كان الشباب الهدف الاول من اجل تنفيذ ما يطلبه الحزب و قَبِلَ الظلم دون أن يثور عليه؛ و بشره بأن عقابه لا يقل عمن مارس الطغيان؛ إذ الطاغية كالقنابل للطغيان، و الظالم من ارتضى الظلم؛ فالنار تلهم للاثنين معاً.
منطقة باب الشيخ كما اسلفنا سابقاً تضم اناس تختلف طبائعهم في العيش كأي منطقة اخرى من مناطق العراق وفيها اخلاقيات مختلفة ولقد سعى الحزب من اجل كسب اهالي المنطقة بشتى السبل والوسائل ومغريات وإلأ ان رغم الاخلاقيات المختلفة لكن الكثير كان يمتنع للخضوع لارادة النظام بعد ان اكتشف حقيقته، مما تعرض لانواع الملاحقات والتشرد واجبر على المواجهة وفقد حياته ،على سبيل المثال لا الحصر ستار عبد العزيز الملقب ( ستارحبسه) كان شاباً جميلاً فيه من المحاسن وفيه من السلبيات تحت سن المراهقة من عائلة تتكون من خمسة من الاخوة وثلاث اخوات ووالدهم يعمل حارساً ليلاً في الشرطة الليلية ومعروف باخلاصه في عمله وكلف بحراسة سوق الصدرية الذي كان من الاسواق المهمة في بغداد ولم تحدث في زمانه اي تجاوزعلى هذا السوق وكان دؤباً ويحمل البندقة الانكليزية وحذاء خفيف وحذرا طوال الليل حتى الصباح وكنا ونحن صغار نخاف من طلعته رغم انه كان متواضعاً ( ايروح بدربه ويجي بدربه ) بالعامية ومورد ثقة الجميع والوالدة كانت تعمل في بيوتات الشخصيات بمهنة ( الحفافة ) اي تصفيف الحواجب وتنظيف وجوه النساء وازالة الشعر ولها شهرتها ومعروفيتها في هذه المهنة ،اجبرت الوالدة من ان تطلب من مدير الشرطة العامة (1967-1968)، في ذلك الوقت وهو "اللواء طه محمد سلمان الشيخلي وهومن مواليد بغداد – منطقة باب الشيخ التسابيل عام 1924 عاش طفولته وشبابه في هذه المنطقة الشعبية، واكتسب فيها الصفات الشعبية الاصيلة والعادات البغدادية المعروفة وكان يتردد عليها حتى اخر ايام حياته وله علاقات صداقة مع الكثيرين من ابناء المنطقة " ، في ان يضمه كشرطي في سلك الشرطة قبل التحاقه في الخدمة العسكرية حيث كانت على الابواب ليخدم في مسلكها وفعلا قُبل هذا الشاب في مديرية الشرطة العامة وكان يتميز بالوسامة وصاحب ضحكة ، الان ان ما ان حل نظام البعث حتى بدأت مأساة هذا الشاب في التضيق عليه ومحاولة كسبه لعمل في مكانات لم يكن يقتنع بها فهرب من الخدمة وظل ملاحقاً وانقلب على ظلم النظام وقبل بالتشرد والمعاناة حتى اصبح شريراً رغم عدم قناعته ولكن ضد النظام واعوانه حيث كان يدخل الى المنطقة باب الشيخ ويدخل الى مقاهي خاصة متعمداً ويغلق الشارع مع مجموعة من اصحابه ثم يختفي وهكذا اصبح ديدونه ذلك وظل ملاحقاً حتى وصلت معلومة عنه من العملاء بانه يلتقي في مدينة الثورة وتم نصب كمين محكم له واصابته باطلاقات نارية في فخذه كانت اصابة قوية صعبت عليه الهروب فوقع في ايدي رجال الامن حيث حكم عليه بأحكام مختلفة قضى جزء منها في السجن الاحكام الخفيفة في ابي غريب وكان ينتظر احكام اخرى وعمل هناك في معمل النجارة التابع للسجن مقابل اجور قليلة بدل اثقال كاهل عائلته ولكن لم تتغير افكاره في الحقد على النظام عند لقائي به في السجن وشمله العفو العام بعد عدة سنوات إلا ان النظام ظل يلاحقة حتى تم تصفيته أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بعد اطلاق سراحه