ا . د . قاسم المندلاوي/ اهتم الكورد منذ قديم الزمان بالاعداد البدني و القتالي والعسكري و ذلك بسبب موقهم الجغرافي و طبيعة بلادهم حيث الجبال الشاهقة و الوديان العميقة والظروف المناخية و البيئية و الحياتية و جميع تلك العوامل كانت مهمة و قوية لبناء لياقة بدنية عالية تستطيع تحمل الصعاب و قساوة الحياة و القدرة على المبارزة و الشجاعة في القتال 7 وتدل الاثباتات التاريخية بان الكورد الميديين الذين كانوا يحكمون معظم مناطق ايران فضلا عن المنطقة الشمالية الشرقية من العراق حتى بحيرة "فان" و جبال " زاكروس " نجحوا في تكوين امبراطورية واسعة الارجاء و تحكموا في العناصر الكيشية و الفارسية كما دلت الاثار الخالدة التي ترجع الى هذه الفترة كآثار "لورستان الكوردية" في ايران و كانت الدولة الميدية تنافس الدولة الاشورية في الاعداد العسكري و القتالي و كانت التدريبات البدنية العنيفة عنصرا هاما في نظام حياة الجندي الميدي و قد شمل برامج الاعداد تدريبات خاصة و شاقة لاجل اكتساب قدرة التحمل على المشي و الزحف و تسلق جبال وعرة و لارتفاعات شاهقة و الركض لقطع مسافات طويلة بين التضاريس الطبيعية و المناخية المختلفة فضلا عن تعلم و اتقان فنون الفروسية و الرماية و المبارزة و القتال و التي تحتاج الى لياقة بدنية خاصة 5 لقد استعملت العربات الحربية من قبل الميديين و كانت هي بمثابة احدى علامات تقدمهم لان العربات الحربية لم توجد بشكل متوفر في هذا الزمان و كانت هذه العربات الحربية تقتصر على الملوك و القادة و بعض الفرق القوية و عادة كانت القوميات الهندواوربية يستعملونها وقد وجد صورا لهذه العربات في تلالات تيرعستان في جبل بيستون مكتوبا ب ,, هيرودوت ,, يرجع الى زمن ,, دار يونس الاول2
لقد استخدم الميديين في تدريباتهم البدنية و العسكرية السهام خلال الهجوم على الاشوريين للحصول على الحصن للاستفادة منه في التدريب و اعداد الجيش و في الحروب و السيطرة على قلاع العدو و يذكر البرفيسور,, جويف كليما 1 بان الميديين استخدمو نظاما خاصا في اعداد شبابهم للحياة و العمل و الدفاع عن البلاد و قد ادت تلك العوامل وخلقت لديهم طبيعة جسمانية و قتالية و حربية قوية على مر الزمن و كنتيجة لتجاربهم و صراعهم المستمر مع الاقوام المجاورة . و لقد انعكست هذه الطبيعة العسكرية في النواحي الفنية ايضا حيث عثر على الكثير من المؤشرات الحضارية من النحت المستدين و النحت على الحائط للملوك و الحكام و يؤكد دياكونوف م نفس المصدر السابق ,, بان الميديين كانوا يتقنون فن رمي الرماح و السهام و الفروسية وقد استخدمو ذلك في الحروب مما يدل على ان الميديين كان لهم جيش منظم و كان الاعداد البدني من الجوانب الاساسية لخلق لياقة بدنية عالية لدى الجندي الميدي فضلا عن التدريب والممارسة على الاسلحة المهمة في تلك الزمان . لقد اهتم القائد الميدي " سيكرز" الذي تولى السلطة بعد والده "ديوكيس"على تنظيم جبش نظامي على غرار الجيش الاشوري وجهز جنوده بالسيوف و السهام و اهتم بتدريبهم على تلك الاسلحة تدريبا خاصا بحيث تمكن من اعداد مجموعات خاصة من حاملي السيف و مجموعات خاصة من الذين يستعملون السهام و بذلك تمكن من اعداد جيشا قويا و بطراز خاص . كذلك اعتنى هذا القائد بالفروسية وقد اعد لهم مكان خاص للتمرين واصبح فرسانه يشبهون" البارثيين" فيما بعد وعلى ذلك الاساس يظهر أن الاعداد البدني و العسكري في تلك الحقبة من الزمن كان شيئا مهما و متميزا ,, لويس ماسينيون 3 ,, وباتحاد الميديين مع البابليين ضد الاشوريين تمكنوا أخيرا من اسقاط الامبراطورية الاشورية بقيادة"كياكسار" ودخول العاصمة الاشورية نينوى عام 612 ق . م وجدير بالذكر ان القائد كياكسار وهو اول من وضع قوانين الحرب و قرر تقسيم الجيش الى اقسام و كل قسم يختص بنوع خاص من الاسلحة فلمشاة من حملة الارماح و المشاة من حملة السهام و الفروسية و الحقيقة ان هذا التنظيم الذي احدثه القائد الميدي كياكسار في صفوف جيش ميديا بالاضافة الى تدريب قواته على استعمال انواع و اشكال مختلفة من الاسلحة كان له دور كبير في تحقيق الانتصارات اللاحقة لدولة ميديا 2 و يذكر" هيرودوت" بان اليونانيين كانوا وحتى مائة عام بعد سقوط الحكم الميدي و عندما كانوا يحاربون القوات الهخامنشيه يصورون بانهم يقاتلون القوات الميدية وذلك لان الدولة الهخامنشيه حافظت على بنية و تشكيلات و قيادات القوات الميدية كما كانت ابان حكم استياك ,, والدوي أ 6 " لقد تعاظم شأن النبلاء الميديين و نفوذهم و كان ,, نابوليد ,, حاكم بابلون يدعو ممثلي النبلاء الميديين ملوكا و من جانب آخرحاول الفرس منذ حوالي 700 ق . م و تحت زعامة ,, اكمين ,, تاسيس دولة فارسية و كانت "عيلام" التي كانت لها مكانتها في هذه المنطقة قد ضعفت في ذلك الوقت مما ساعد على تحكم الفرس في اقليم عيلام الكوردية و قد انتهت الدولة الميدية عندما اصطدم "كورش الثاني الفارسي" بملك الميديين "استياجيس" ويذكر محمد امين زكي 4 " أن سقوط الدولة الميدية كانت بسبب الانقسامات الداخلية ... و رغم خضوع الامبراطورية الميدية لحكم الفرس سنة 550 ق م الا ان الكورد لم يتخلو ا ابدا عن استقلالهم في جبالهم المنيعة ."
المصادر و الماراجع : 1- جوزيف كليما ,, المجتمع و الثقافة في وادي الرافدين ,, براغ 1963 2- دياكونوف م ,, ميديا ,, ترجمة برهان قانع من الفارسية ,, بيروت 1978 3- لويس ماسينيون ,, الاكراد ,, بيروت 1958 4- محمد امين زكي ,, تاريخ الكورد و كوردستان بغداد 1961 5- فرانتيشك كراتكي ,, تاريخ التربية البدنية في المجتمعات براغ 1962 6 – والدوي . آ ,, الارض البابلية المدهشة لايبزغ 1963 7- قاسم المندلاوي ,, الثقافة الرياضية والاعداد العسكري في بلاد الرافدين مجلة العلم و الحياة براغ 1971