شفق نيوز / على باب داره ما تزال عبارة (مفخخ)، مكتوبة بخط واضح، وكأنها علامة تعريفية تذكر الشاب (الحسن علي)، بما جرى له عندما عاد إلى منزلهم بعد تحرير الجانب الايمن من الموصل، لأخذ كتبه وملازمه الدراسية لينتهي به المطاف بين الحياة والموت، بعد انفجار عبوة ناسفة كانت موضوعة خلف باب غرفته.
ويبدو أن هذه المرحلة المؤسفة كانت لاحقة من معاناة بدأت في حياة هذا الشاب بعد فقدانه أبيه بهجوم مسلح وهو خطيب جامع محمد النوري في حي النجار في الجانب الأيمن من الموصل عام 2013، عقب انتهاء صلاة الجمعة، لكن هذه الظروف لم تمنع الشاب العشريني الذي التقاه مراسل وكالة شفق نيوز في الموصل، ليسرد قصته التي تقلبت من يتيم بسبب الإرهاب إلى معاق كان يريد الانتحار، ثم شاب طموح اقترب من تحقيق حلمه بأن يكون طبيباً.
المرحلة السوداء يتم و(داعش) وساق مبتورة
بابتسامة وفرحة مقبلة على الحياة مجدداً يروي الحسن تفاصيل حياته وكيف تقلبت أمورها من حال الى حال"، ويقول الشاب العشريني "بعد ان فجعنا بخبر استشهاد والدي وهو خطيب احد الجوامع في مدينة الموصل، تغيّر كل شيء وأخوتي كانوا جميعهم صغاراً في السن وأصبحت أمام مسؤولية كبيرة ولم اعد اهتم بدراستي بسبب ما حدث وتحمل المسؤولية مبكراً".
ولم يكن الأحلك قد جاء بعد وفق الحسن، إذ يبين أنه "وبعد احتلال (داعش) للموصل انتظرت لسنوات حتى تحررت وعند عودتي الى المنزل لآخذ كتبي وملازمي من أجل إكمال دراستي وتحقيق حلم والدي الذي كان يشجعني عليه دائماً، لم اكن اعلم ان المنزل مفخخ، وبمجرد دخولي إليه انفجرت عبوة ناسفة اصابتني بكم هائل من الشظايا وتضررت ساقي اليمين وتقريبا تهشمت من الشظايا".
ويضيف الحسن أن "حياتي بعد هذه الحادثة تغيرت، بل أن كل شيء من حولي قد تغير وبدأت مرحلة الصراع من اجل البقاء".
20 عملية جراحية وقرار مؤلم
ويبدو الحسن راضيا بالقدر، وملامحه تعكس شخصية رجل نجح باتخاذ القرار المناسب والتكيف مع الواقع الجديد، وهو يتحدث عن المرحلة التالية من حياته، ويوضح الشاب العشريني قائلاً "أجريت 20 عملية جراحية على مدار عامين متواصلين للعلاج نتيجة ما أصابني، انهيتها باتخاذ قرار ببتر ساقي والخلاص من الألم".
ويضيف الحسن "لم أكن أعرف طعم الراحة أبداً وأعيش مع الألم والالتهابات والتقرحات ورقدت في الفراش تماماً لا أرى أحدا ولا أستطيع الحركة".
ويبين "عندما وصلت الى العملية رقم 20 كنت أمام خيارين إما أن أستمر بإجراء العمليات مع أمل بسيط في شفاء ساقي أو بترها نهائياً واتخذت القرار بالبتر لأني لم أعد أحتمل ما يحدث معي".
ويلفت الشاب الموصلي، إلى أن "الموضوع لم ينتهي عند هذا الحد، وإنما أجريت عملية جراحية أخرى بعد البتر، وأزالوا جزءً آخر من ساقي بسبب التقرحات لأنهي مسلسل عملياتي الجراحية".
التفكير بالانتحار..
الحسن من مواليد 1994، ولديه أربعة أخوة أصغر منه مع والدته، يروي شعوره بعد بتر ساقه، "مع فقدان والدي ووجود اخوتي الصغار وبتر ساقي، وصلت إلى مرحلة اردت فيها الانتحار، ولكن في لحظة ما قررت أن أصمد لأجل روح والدي وعائلتي وأن أعود إلى المجتمع".
الشمس تشرق مجدداً.. الحلم بالطبية
ورغم ما واجهه الحسن علي من مآسٍ قد لا تتناسب مع عمره، إلا أنه لا زال صاحب وجه بشوش ويبتسم أمام الجميع ويخفي خلف ابتسامة، رغم معاناته من أيام صعبة مر بها، الا انها ستكون مجرد ذكرى سيرويها لأولاده يوماً ما.
إذ يقول الحسن أن "بعد هذه الظروف عدت مجدداً وبقوة إلى الدراسة، ولكن عمري منعني من الدراسة المسائية، ولهذا اتجهت نحو الدراسة (الخارجي)، وحققت في العام الماضي معدل 95 ولكن، مع ذلك كانت لديّ مادة لم أوفق بها فتركت السنة".
ويبدو أن ما حدث دراسياً لم يوقف هذا الشاب "المتحدي"، إذ يقول "عدت في هذا العام وانتقلت إلى الدراسة الاحيائية من التطبيقية دون أن تعلم والدتي، وبدأت بالدراسة لمدة تصل الى 14 ساعة يومياً، ولم أعتمد على أي مدرس خصوصي بل كنت أعتمد على مدرسي اليوتيوب ولم أدفع ديناراً واحداً، حتى حصلت على معدل 97 بالمئة"
ويبدو أن سقف الطموحات المشروعة لدى هذا الشاب لا يقف عند حد، إذ "يطمح الحسن علي بدخول كلية الطب مستفيداً من معدله الحالي وكذلك من منحة الـ5 درجات الاضافية كونه من ذوي الشهداء وهذا موجود في القانون ليكون المعدل النهائي 102 درجة وهو معدل يؤهله لدخول كلية الطب"، حسب ما يروي.
وبينما يلملم أطراف الحديث، يوضح الحسن أن "قراري للخروج من الأزمة كان مصيرياً وتحولت من شاب يعيش كئيباً وحيداً بين أربعة جدران إلى شاب بات حلمه أن يكون طبيباً ويصنع له مكانة في المجتمع".
ويصف الشاب الطموح شعوره بعد هذا النجاح بالقول "أشعر بأنني أقوى من السابق حين كنت أرى أنني عاجز عندما كانت لدي ساقين ومتعافياً، أما اليوم فلا أرى انني عاجز أو معاق، وانما انا قوي وسأصنع الكثير لنفسي وللمدينة".