شفق نيوز/ روى شاب عراقي هاجر إلى أوروبا تفاصيل مروعة عن رحلة الهرب وما تعرض له من مخاطر واحتيال من قبل المهربين، حتى وصل إلى هولندا أخيراً.
يقول الشاب محمد في حديثه لموقع قناة The black box على يوتيوب "تعرفت في تركيا على مهرب بشر عن طريق بعض الأصدقاء، واتفقت معه على إيصالي إلى إيطاليا مقابل 8000 يورو عبر باخرة نقل كبيرة".
ويضيف "توجهت مع المهرب نحو البحر لأجد هناك يختاً صغيراً وليس باخرة كبيرة كما وعدني المهرب، وعندما اعترضت على ذلك هددني المهرب بالقول: اصعدْ إلى المركب لن أسمح لك بتخريب هذه الرحلة إما أن تصعد، أو سيكون ثمنك رصاصة واحدة".
وتُظهر هذه المحادثة درجة استخفاف مهربي البشر بأرواح المهاجرين، واستعدادهم للتضحية بهم مقابل إنجاح تجارتهم، وملء جيوبهم.
وقرر محمد ترك العراق لسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية فيه، والبحث عن حياة أفضل في دولة أوروبية، تمنى أن تكون بريطانيا، لكن القدر لم يبتسم له كثيراً، ورتب له موعداً مع رحلة شقاء طويلة استغرقت أكثر من سنة.
بين موتين
سافر محمد من الموصل إلى أربيل ومنها إلى تركيا، وقضى هناك نحو 15 يوماَ بحثاَ عن مهرب يقله إلى أوروبا بأقل خسائر ممكنة.
وأوضح محمد "وصلت إلى الساحل التركي، وعندما أتى المهرب، اكتشفت أننا سنصعد الى يخت صغير، وليس باخرة كبيرة، صرخت في وجهه، وسألته: لماذا خدعتني؟، فما كان منه إلا التهجم عليَّ وتهديدي بالقتل إذا لم أصعد".
وأضاف "سواء صعدت أو لم أصعد أنا بحكم الميت، كنت أعلم أن هذا اليخت لن يوصلنا إلى أوروبا، لأن البحر كان عاصفاً في ذلك الوقت، ولكنني إذا بقيت على الشاطئ سأموت الآن".
واختار محمد ركوب البحر، رغم ما يشوبه من مخاطر، معتبراً هذا القرار أفضل من الموت برصاص المهرب الجشع.
وأردف محمد "صعدنا إلى قارب صغير، ومنه انتقلنا إلى اليخت، كنا نحو 37 شخصاً بيننا أطفال ونساء، واستغرقت الرحلة حوالي 7 أيام ونصف اليوم".
أكثر من 7 أيام في عرض البحر، لم يرَ فيها محمد ومجموعته يابسة أو قارباً، ولا حتى مركب حرس حدود، نتيجة العواصف المحتملة التي تضرب البحر في هذا الوقت من العام.
وتابع محمد "واصلنا الإبحار نصارع أمواج البحر العاتية والرياح القوية والتي قطعت الشراع مرتين، وفي المرة الثانية جعلتنا نقف ليوم كامل في عرض البحر دون حركة، بسبب تمزق الشراع، وعطل المحرك".
حاول بعض من هم على متن المركب إصلاحه، والبعض الآخر قضى هذا اليوم ينتظر مصيره، وتمكنت المجموعة من إصلاح المحرك، ومواصلة الإبحار حتى وصلت إلى إيطاليا.
وعن الوصول قال محمد "اعترضتنا باخرة كبيرة، واكتشفنا أنها لأفراد خفر السواحل الإيطالي وسحبونا إلى الشاطئ، وقاموا بإجراء فحوصات طبية لنا، أما المهرب ومساعده فقاموا باعتقالهما".
أبواب روما مغلقة
انتقل محمد وأصدقاؤه إلى مخيمٍ للاجئين على الجزيرة، وبعد أيام أجبروه على البصم في الجزيرة الإيطالية، ثم حصل على رفض لطلب اللجوء، وبالتالي توجب عليه مغادرة إيطاليا خلال 7 أيام.
وتوجه محمد إلى ميلانو، ثم بدأت سلسلة محاولات للسفر إلى فرنسا بالقطار، لكنها جميعًا باءت بالفشل نتيجة ضبطه من قبل مراقبي التذاكر في القطار.
واتفق محمد مع شخص لكي يعبر به من ميلانو بواسطة سيارة أجرة، واعدًا إياه ملاقاته عند نقطة لقاء قريبة من ميلانو.
وهنا قال محمد "وصلت إلى النقطة، فوجدت أكثر من 100 شخص بانتظار السيارة نفسها، وصعدنا نحو 25 شخصًا في سيارة كبيرة، ولم يبقَ فيها متسع حتى لحقيبة صغيرة".
وعبرت السيارة الحدود، وألقت بالمهاجرين قرب سكة حديدية ليبدأوا بالركض نحو محطة القطار، وهناك ضبطت الشرطة الفرنسة معظمهم واعادتهم إلى نقطة البداية في ميلانو.
والمحاولة التالية لمحمد كانت عبر شاحنة تهريب ستوصله إلى مدينة نيس الفرنسية بشكل مباشر دون السير على الأقدام.
وعنها قال محمد "صعدنا 4 أشخاص إلى الشاحنة نحو يوم كامل، ووصلت إلى نيس ومن ثم إلى العاصمة باريس".
عام من العوز والتشرد
لم تكن باريس محطة محمد الأخيرة، لأنه بصم في إيطاليا، وبالتالي سيتعذر عليه تقديم اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، ما جعل خياره الوحيد لتقديم اللجوء هو بريطانيا.
محاولات الوصول إلى بريطانيا استغرقت نحو سنة، قضاها محمد في فرنسا يبحث عن طريقة تهريب ثم يجربها ثم يفشل، وذلك إما عبر بحر المانش، أو عبر شاحنات.
وعن هذه المدة تحدث محمد "لن أعيش لأرى سنة أصعب من تلك السنة، اختبرت فيها أشد أنواع الحاجة، وأقسى درجات البرد والتشرد، وفي بعض الأيام كنت أتسول كي أسدّ رمقي، وأحيانًا كنت أجد عملًا في السوق السوداء، وعندما لا أجده أنام في الشارع مع الحيوانات الشاردة".
وأضاف "تعرضت لمواقف عنصرية كثيرة في فرنسا، وكثيرًا ما كنت أُطرد من مراكز التسوق بسبب ملابسي المهترئة وملامحي العربية، وأحيانًا تضبطنا الشرطة فتقوم بضربنا وإجبارنا على خلع ملابسنا، وتجعلنا نعترف عنوة بأننا مهربون لنسجن".
نجاة ونصيحة
مكث محمد 4 أيام في السجن، قضاها بين المجرمين ومتعاطي المخدرات والمهربين، وبعدها قرر مغادرة فرنسا إلى هولندا، وصرف النظر عن الوصول إلى بريطانيا.
وصل محمد إلى هولندا، وكان هناك ابن عمه بانتظاره، ثم وكّل محاميًا من أجل نزع البصمة الإيطالية، وهو الآن ينتظر إجراءات قبول اللجوء.