شفق نيوز/ ما أن تدخل السوق الكبير أسفل قلعة كركوك التاريخية حتى تطالعك عشرات المحال التجارية حيث تعرض بضائعها المتنوعة للمتبضعين، وهناك مجموعة قليلة من صانعي الأدوات اليدوية المهرة الذين يعرضون منتجاتهم التراثية التي صنعوها بأيديهم، ومن بينها مهد الأطفال الرضع المسمى شعبياً في العراق بـ"الكاروك"، الذي اقتناه أحد الجنود الأمريكيين وأخذه معه إلى بلاده لكنه وضع وزارة الدفاع "البنتاغون" في حالة "إنذار".
ويقول صاحب معمل نجارة في سوق كركوك الكبير، عباس الخشاب (65 عاماً)، لوكالة شفق نيوز، إن "صناعة المهد (الكاروك) تعتبر واحدة من المهن التي حافظت على بقائها وما زالت تلقى رواجاً من قبل أهالي كركوك حيث يعتبر جزء من موروث العائلة في المحافظة".
ويضيف أن "(الكاروك) مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتربية الأطفال وهو موروث تاريخي قديم موغل يعود إلى الحضارة السومرية والحضارات الأخرى وما زال يحافظ على أهميته بعد آلاف السنين، وتتم صناعته من الخشب وتختل أحجامه وأشكاله وهناك من يتم صناعتها حسب الطلب".
ويوضح الخشاب "يتكون (الكاروك) من خشبة مدورة يبلغ طولها نصف متر تكون في الأعلى أشبه بالجسر الرابط بين طرفيّ (الكاروك) لتكون ارتكازاً لبقية الأجزاء التي يتألف منها المهد، كما ترتكز خشبتان في مقدمة الخشبة الطويلة وتكونان مقوستان وعند ربطهما ببعض نقوم بربطها بالأسفل على خشبتين تكون عريضة وتثبت بالمسامير وعند تثبيتها يكون الهيكل مكتملا".
ويشير إلى أن "عملية تثبيت الهيكل يتبعه تثبيت قطع من الخشب على شكل مستطيل مجوف وهو المكان الذي يوضع الطفل فيه ويربط بقماش ورباط مصنوع بصورة خصيصة لـ(الكاروك)".
ويبين أن "الأسعار تتراوح بين 15 ألفاً إلى نحو 30 ديناراً عراقياً (10 - 20 دولاراً) وأحياناً يصل إلى بين 45 إلى 50 ألف دينار (نحو 30 دولاراً) عندما يكون التصميم حسب الطلب".
أزمة في "البنتاغون"
ويروي الخشاب قصة حدثت إبان وجود الجيش الأمريكي في كركوك، "حيث اشترى ضابط أمريكي مواداً من متجرنا ومنها (الكاروك) وعند عودته إلى بلده ومراجعة البنتاغون بعمل رسمي أخذ معه (الكاروك) ليقدمه كهدية لأحد المسؤولين في الوزارة، ووضعه في أحد الأماكن داخل الوزارة ليقضي عمله لاحظ الموجودين المهد فظنوا أنه طرد مفخخ ودخلت القوة المكلفة بأمن الوزارة حالة إنذار، بحسب ما أبلغنا المترجم في حينها".
بدوره يوضح مؤيد شاكر، صاحب محل لبيع المهود، لوكالة شفق نيوز، أن "صناعة (الكاروك) تعتبر واحدة من الصناعات الموروثة والتي تتميز بها كركوك حيث فيها ثلاثة معامل تكاد تكون الوحيدة التي ما زالت تصنع المهد بعد أن كان هناك 25 معملاً للصناعات الخشبية، جميعها أغلقت أبوابها ولم يتبقى منها سوى ثلاثة فقط تقاوم الحداثة لكنها تقف عاجزة أمام الاستيراد".
تهويدة الآلهة السومرية
وتقول المختصة بالشأن التاريخي في كركوك، أسماء حسين لوكالة شفق نيوز، إن "المهد (الكاروك) قديماً وحديثاً هو جزء من العائلة حيث تقوم الأم بتربية الأطفال فيه ما يقارب عام حتى يشتد عوده ويستطيع المشي ودائماً ما تنشد الأم العراقية تهويدة (دللول يا ابني دللول، عدوك عليل، وساكن الچول) – نام يا ابني نام، عدوك عليل وساكن في البراري-".
وتشير إلى أن "كلمة (دللول) سومرية الأصل وهي اختصاراً لكلمة (ديلي للول) وتعني عزيزي الوحيد، أما عن سبب تعمد الأم العراقية أداء التهويدة بصوت حزين فيرجح أن يكون مرتبطاً بقصة الطوفان حيث كان الاعتقاد السائد بأن سبب الطوفان الذي حدث في العراق القديم هو غضب الآلهة على الناس لأنهم لم يكونوا يستطيعون النوم بسبب أصوات الأطفال الذين كانوا يبكون كثيراً في الليل".
وتؤكد أن "المهد هو جزء مهم من حياة أي طفل عراقي سواء كان خشبياً أو من مواد أخرى، ومكونات كركوك جميعها تفضل المهد الخشبي في تربية الأطفال".