شفق نيوز/ قبل عامين، كانت رائحة الموت تفوح من جدران الأبنية الأثرية بمنطقة أسواق باب السراي في الموصل القديمة والتي تشتهر بالخانات التراثية.
تبدل هذا الحال بعد أن نفض أحصاب الخانات غبار الحرب وأعادوا ترميمها وبناءها بأجمل حلة وبذات الطراز المعماري للحفاظ على هويتها وهوية المدينة القديمة.
بعد أن كان الخان قديماً، مقصد الرحالة والقوافل التجارية، تحول في الوقت الحالي إلى مطعم ومقهى للمشروبات الساخنة في آن واحد.
وأعاد أصحابها بناءها وسط سوق باب السراي بالموصل القديمة بعد أن شهدت قبل سنوات قليلة أعنف معارك التاريخ الحديث التي دارت بين القوات العراقية وتنظيم داعش.
يقول عبد الحيالي وهو ابن صاحب الخان لمراسل وكالة شفق نيوز، "لقد حاولنا ان نحافظ على هوية السوق التراثية والاثرية بهذا الخان وبهذه التصاميم وحاولنا ايضا جمع كل التفاصيل التي تشير الى هويتنا التاريخية التي كادت ان تمحى بسبب الحرب والظروف التي مرت بها الموصل".
ويضيف، "لو تجولت في عموم الخانات التراثية الاخرى مثل خان الكمرك وخان المفتي وخان قاسم اغا لوجدت ان اصحاب المحال والخانات أعادوا بناء الخانات بطرق رائعة واعادوا ترميم هويتنا بشكل مميز".
ويشير الحيالي إلى أن "الاسواق التراثية عادت الى احسن مما كانت عليه قبل عام 2014، حيث أجريت تحسينات إضافية جعلت من باب السراي زاهياً أكثر عما كان عليه سابقاً".
ويردف بالقول، "يحاول اصحاب المحال التجارية اعادة البناء بذات الطراز العمراني القديم من الأقواس والقبب بالاضافة الى الاطار العام للتصاميم، لذلك فقد تمكنوا من جذب الكثير من زبائن هذه الاسواق القديمة مرة أخرى".
ومنذ اعادة افتتاح الاسواق والخانات القديمة، استقطبت زبائنها مجددا من أبناء المحافظة، وبدأ المركز التجاري ينبض بالحياةً وبالذكريات تارةً اخرى.
وقد عرفت الموصل منذ نشأتها بأنها مدينة تجارية مهمة تقع على تقاطع الطرق التجارية المارة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وعليه فقد كثرت الخانات التجارية لإيواء التجار وقوافلهم، وتركّز وجود معظم هذه الخانات في القسم الجنوبي من المدينة القديمة قرب الجسر العثماني.
وكانت معظم الخانات تتألف من مدخل حجري واسع وبابين خشبيين كبيرين في أحدهما باب صغير لدخول الأشخاص بعد غلق البابين الكبيرين ليلاً، وفسحة مفتوحة في الوسط (حوش) يحيطه بناء من طابقين، الأول فيه مرابط ومعالف للحيوانات ومخازن للبضائع، والثاني فيه غرف لنوم المسافرين ومكاتب بسيطة للتجار والباعة.
واتخذ عدد من الخانات حرفاً خاصة مثل: الصقالين والنعالين والدباغين، وهدم عدد من الخانات عند فتح شارع الكورنيش، وجدد بناء عدد منها بطراز يختلف عن السابق، وتم تحوير البعض الآخر إلى دكاكين تجارية.
ومن الخانات المهمة التي زالت في الوقت الحاضر الخان الذي يتوسط منطقة سكنية في المحلة التي سمّيت باسمه (حوش الخان) والذي كان مخصصاً لإيواء جمال القوافل ويعود لأسرة الديوه جي، وخان الغزل في السرجخانة الذي كانت تباع فيه الغزول والقطن، وكان موطن لتجمّع النساء اللواتي يحملن غزولهن ليسلمنها إلى الخان يومياً، ومن الطبيعي أن يكون الضجيج من طابع هذا المكان الذي يزدحم بالنساء الكثيرات الكلام.
وهدم خان القلاوين (القليون) الذي كانت تصنع فيه القلاوين للمدخنين المكونة من أنبوب قصبي خشبي كبير في مقدمته جفنة، وبني مكانه خان الشبخون للأقمشة. وهدم خان الصقالين الذي يجري فيه صقل الجلود وتنعيمها بعد دباغتها وبنيت مكانه دكاكين حديثة قرب القهوجية.
وشقّ طريق وسط خان التمر والدبس ليسمّى (خان المقصوص) في سوق الملاحين بعد أن قسمه الطريق إلى نصفين. وهدم خان السلي جنوب المدينة الذي كان يعمل فيه جمع من اليهود في إذابة شحوم الأغنام والأبقار ونخاع العظام في قدور كبيرة وبيعها بوصفها دهن(سمن) من النوع الجيد، والسلي هي المادة التي تتخلّف من بعد تصفية السمن.
ومن الخانات التي هدمت جنوب المدينة خانين لتنعيل الخيول والدواب وصنع الحديد لذلك، يسمّى أحدهما بـخان النعل الكبير والثاني خان النعل الصغير، وخانان متشابهان آخران سمّي الصغير منهما بـ(التك) أي المفرد، وسمّي الكبير بـ(الجفت) أي الزوج بالتركية، وكانت تباع فيهما المواد التموينية.
وهدم خان الكمرك الصغير في مدخل الجسر العثماني والذي يقابله خان الشط (الخواجة حنا) اللذان يباع فيهما المواد التموينية والفواكه.
ويسمّى الخانان المقابلان لمسجد باب الطوب واللذان هدما مؤخراً خان عبّو التتنجي وخان الحجيات نسبة إلى مالكتيه من الحجيات، يقابلهما جنوب المسجد خاني الجلود وفتحي بن رمانة، وكانت تستعمل هذه الخانات الأربعة لغسل وتنظيف ودبغ الجلود وتجفيفها قبل إنشاء مدبغة الموصل. وهدم في الآونة الأخيرة خان أيوب بك المسمّى (خان الطمغة) في سوق الفحامين، وبنيت محله قيصريات ودكاكين لبيع المواد البلاستيكية والنايلون.
وسمّي الخان بهذا الاسم نسبة إلى ختم (الطمغة) التي كان موظف الضرائب يختم بها البضائع بعد تسلّم الضريبة، وكانت عملية هدم هذا الخان اعتداء صارخ على الآثار التاريخية الموصلية أثار استياء الكثير من المهتمين بالتراث.