شفق نيوز- الانبار
في مشهد بات معتاداً، تتزايد أعداد المتسولين في محافظة
الأنبار بشكل ملحوظ، ما يثير قلق الأهالي ويدفع السلطات الأمنية إلى التحرّك،
ولاسيما أن الظاهرة التي بدأت تخرج عن نطاق الحاجة الفردية - وفق ما يرى متخصصون -
أصبحت تشكّل عبئًا اجتماعيًا وأمنيًا يتطلب معالجات عاجلة ومتكاملة.
وبهذا الصدد يرى الباحث الاجتماعي عدنان العيساوي، أن
"التسوّل في الأنبار لم يعد ناتجًا فقط عن الفقر، بل تحوّل في بعض الأحيان
إلى أسلوب منظم يمارسه أفراد أو شبكات، مستغلين تعاطف الناس".
ويوضح الباحث لوكالة شفق نيوز: "نحن أمام ظاهرة
مركّبة، بعض المتسولين بالفعل بحاجة ماسة، لكن هناك من يمارس التسوّل كمهنة، وهو
ما يفاقم المشكلة ويشوّه صورة المدن".
من جانبه، يؤكد الناشط المدني محمد القيسي للوكالة، أن
"استمرار التسوّل بهذه الوتيرة يعكس غيابًا في التنسيق بين الجهات المسؤولة
عن الرعاية الاجتماعية، مطالبًا بتحديث بيانات الأسر الفقيرة وتقديم دعم فعلي يقلل
الحاجة للنزول إلى الشارع"، لافتا الى أن "الحلول الأمنية وحدها لا
تكفي، وهناك حاجة لمعالجات اقتصادية وإنسانية شاملة".
واستجابة لهذا التفاقم، أطلقت شرطة الأنبار حملة أمنية
واسعة في جميع مدن المحافظة، شملت الرمادي، الفلوجة، هيت، وحديثة، تستهدف الحد من
التسوّل وملاحقة من يمارسونه دون وجه حق.
وخلال الحملة، قامت مفارز الشرطة بإلقاء القبض على عدد من
المتسولين، بعضهم يحمل وثائق رسمية، فيما تبيّن أن البعض الآخر لا يمتلك أي مستند
رسمي.
بدورها شددت قيادة شرطة الأنبار على أن "الظاهرة
تسيء إلى المنظر العام وتؤثر على راحة السكان، ما استدعى إصدار تعليمات واضحة إلى
كل المفارز الأمنية لرصد الحالات بشكل يومي واتخاذ إجراءات فورية بحق من يثبت
تجاوزه".
ودعت القيادة الأمنية الأهالي إلى "التعاون من خلال
الإبلاغ عن أي حالات تسوّل، وأعلنت تخصيص أرقام هواتف خاصة لتلقّي الشكاوى
والملاحظات، مؤكدة أن الحملة لن تتوقف حتى يتم القضاء على الظاهرة بشكل
جذري"، كما وجهت الشرطة رسالة مباشرة إلى "المتسولين، طالبة منهم مراجعة
دوائر الرعاية الاجتماعية للحصول على الدعم اللازم عبر القنوات الرسمية، بدلًا من
البقاء في الطرقات والتعرض للمساءلة القانونية".
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن
خطة جديدة تهدف إلى الحد من ظاهرة التسول المنتشرة في مختلف المدن، وتتضمن تخصيص
رواتب شهرية للمتسولين المقبوض عليهم، مقابل توقيعهم على تعهد قانوني بعدم العودة
إلى التسول، وذلك ضمن حملة حكومية واسعة انطلقت مؤخرًا لمعالجة الظاهرة.
ومؤخراً عد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، أن ظاهرة
التسول في العراق لم تعد مجرد سلوك فردي أو حالة اجتماعية معزولة، بل تحولت إلى
تجارة منظمة تقودها "عصابات إجرامية" تستغل الفئات الضعيفة والهشة من
النساء والأطفال، وتستخدم أساليب متعددة للتغلغل داخل المجتمع.
وقال رئيس المركز فاضل الغراوي في تقرير له، إن هذه
العصابات بدأت تستورد المتسولين من الخارج تحت غطاء العمالة المؤقتة أو السياحة
الدينية أو حتى صفة اللجوء، موضحًا أن جنسيات المتسولين الأجانب تنتمي في الغالب
إلى دول آسيوية مثل بنغلادش، فيما تأتي سوريا في مقدمة الجنسيات العربية التي
تمتهن التسول داخل العراق.
وأضاف أن وزارة الداخلية قامت خلال عامي 2023 و2024 و
2025 بإبعاد أكثر من 40 ألف متسول أجنبي، إلا أن آلافًا آخرين ما زالوا يمارسون
هذه المهنة .
وشدد الغراوي على أن هناك أنماطًا حديثة من التسول بدأت
تظهر في العراق، من بينها التسول الإلكتروني، والتسول الصحي، إضافة إلى التستر خلف
واجهات إنسانية واجتماعية مزيفة، في إطار عمل ممنهج تقوده شبكات إجرامية تمارس
الاتجار بالبشر.
كما أشار رئيس المركز، إلى أن استغلال الظروف الاقتصادية
والقانونية والأمنية أسهم في تفشي هذه الظاهرة بشكل خطير، مطالبًا الحكومة
العراقية بإطلاق حملة وطنية شاملة لمكافحة التسول، وإعادة جميع المتسولين الأجانب
إلى بلدانهم، وملاحقة العصابات المتورطة بتجارة التسول، وإصدار تعديلات قانونية
تجرم وتغلّظ العقوبات على كل من يشارك أو يسهم في هذه الجريمة.
وختم الغراوي دعوته بتأكيده على أهمية إعلان عام 2025
عامًا خاليًا من التسول في العراق، عبر إجراءات قانونية ومجتمعية واقتصادية شاملة
تعيد الاعتبار لكرامة الإنسان وتضمن حماية الفئات الضعيفة.