شفق نيوز / شيئا فشيئا وبحزن واضح، تطوي مدينة كربلاء حيث ضريحي الامام الحسين واخيه العباس، ملامح الزيارة الاربعينية لهذا العام، والتي كانت استثنائية من حيث عدد الزائرين والاستعدادات الامنية والتجهيزات اللوجستية، وكذلك بحوادث السير التي شهدتها الطرق المؤدية إلى الزيارة.

ما قبل الزيارة

مع نهاية شهر محرم بالتقويم الهجرى للمسلمين وصولا الى العشرين من شهر صفر يبدأ العد العكسي للزيارة عبر بدء النقطة الأكثر ابتعادا عن كربلاء، وهي أهل البصرة، الذين يبدأون، في العادة، موسم الاستعداد للزيارة سيرا قبل غيرهم من المحافظات لبعد المسافة، لتكون نقطة انطلاقهم شروعا لغيرها من زائري المحافظات للبدء بالسير وصولا الى كربلاء في العشرين من الشهر الهجري حيث موعد اربعينية الامام الحسين واخيه العباس وأهل بيت النبي محمد الذين سقطوا في معركة الطف.

مواكب العزاء : خفوت "تفضل يزاير"

كأنها في الرياضيات عملية "نسبة وتناسب"، فمع انطلاق جموع الزائرين المتوجهين الى كربلاء، تبدأ مواكب خدمية في الانتشار على الطرق تراصف بعضها بعضاً استعدادا للقادمين، وهنا الحديث عن مبادرات من السكان الذي يجمعون ما بينهم (اقارب أو اصدقاء) ويقومون بخدمة الزائرين المتوجهين الى كربلاء حيث يوفرون الطعام والشراب والمبيت، وحتى عمليات التدليك و"المساج" للزائرين المتعبين.

ووصلت "الخدمات" التي تقدمها هذه المواكب، الى مديات بعيدة عن توفير المستلزمات العادية المذكورة اعلاه، فأصبحت "الابتكارات" تقوم على قدم وساق، ولا تقتصر تقديم الخدمات على شخص بعينه، فمن الأطفال وحتى الشيوخ والنساء، فان الجميع يمكن أن يسهموا في هذه المواكب، كل حسب اختصاصه وكيفية تقديمه للخدمة، وأبرز كلمات السر في استدعاء الزائرين لخيم المواكب هي " تفضل يزاير"، وكذلك "هلا بزوار ابو علي" في إشارة للإمام الحسين.

هذه المواكب التي يبدأ بريقها يخف تدريجيا، ويبدأ غروبها، مع انقطاع جموع الزائرين ووصولهم الى مدينة كربلاء، لتنتهي الصيحات والدعوات ومحاولات اصحاب المواكب اجتذاب من يستطيعون الى هذه الخيمة او تلك، ليبدأوا بعدها بـ"تفكيك "خيامهم، والانتقال أما الى كربلاء للزيارة أو ربما العودة الى مناطقهم بعد انتهاء المهمة، في تفاصيل "عاطفية" توردها مقاطع فيديو لحزن هؤلاء على نهاية موسم "الخدمة" والانتظار حتى العام المقبل لتنظيم الموكب مجددا.

كربلاء التي لا تنام 

"هي فعلا مدينة لا تنام"، كربلاء التي تضم ضريحي الإمامين الحسين والعباس هي مقصد الزائرين منذ اليوم الأول من شهر محرم وحتى بلوغ الذروة التي تصل في يوم الأربعين، إذ تشهد المدينة توافدا مليونياً كبيرا كل عام لإحياء المراسم الأكثر قدسية لدى المسلمين الشيعة.

وتستنفر المدينة بأكملها جهودها بدءا من العتبات المقدسة والحكومة المحلية ومواطني المدينة، إذ تعتبر بحق "مدينة متحركة بكل شيء" مع اقتراب يوم الاربعينية ، وتنتشر مواكب العزاء على طول الطريق وكذلك ترتيب دخول المواكب وإخراجها، ومبيت الزائرين الوافدين وتنظيم عمل وسائل الإعلام التي تنتشر، لا صوت يعلو فوق صوت "الرواديد وقصائد اللطم" وحزن الزائرين بين الحرمين، وهي المسافة الممتدة بين ضريحي الإمامين الحسين والعباس.

تتلون كربلاء بلونين لا ثالث لهما الأحمر وهو لون الضوء الصادر من ضريحي الامامين ومابينهما ، والاسود وهو المحيط بهما من "هول" الجموع البشرية الزائرة التي تحيط بمرقد الامام الحسين والتي تتجه لزيارة اخيه العباس، في هذه الزيارة الراجلة، إذ يبدو المشهد وكأنه "لا محط فيه لموطئ قدم جديدة" من كثرة عدد الزائرين.

ومع انتهاء اليوم تبدأ "الفراغات البشرية" مع توجه الزائرين الذين انتهوا من مراسم الزيارة الى اماكنهم ومناطقهم ودولهم، إذ أن ابرز ما يميز كربلاء، وسط الحالة الامنية غير المستقرة بشكل كامل في العراق، وجود  زائرين من دول مختلفة وبلهجات ولغات متعددة، فمن هنا مواطن خليجي واخر لبناني ومعهم مواطن ايراني أو من دول اخرى عربية او اجنبية، وكلهم يقصدون مكانا واحدا ومدينة واحدة وضريحا واحدا وهو ضريح الحسين بن علي سبط النبي الذي قتل على يد يزيد بن معاوية بزمن حكم الأمويين عام 63 للهجرة.

صعوبات العودة

وفيما يبدأ الزائرون المحليون بالعودة تتكشف "صعوبات" اخرى تحيط بعودتهم منها قلة عدد العجلات التي ممكن ان تقلهم لمناطقهم، فيما تسّخر الدولة جهودها كافة لنقل الزائرين الا ان ذلك لا يعد كافيا، فمشاكل العودة يشكو منها الزائرين بشكل دائم، فيما يكشف مسؤولون ان العجلات او تحضيرات العودة لا يمكن لها ان تغطي الاعداد الكبيرة التي تزور كربلاء مهما كان عددها وتنظيمها، وهذا "الجدل" سيبقى دائما في ظل هذه الزيارة الكبيرة، واضيف لها هذا العام مشاكل مرورية إذ سجلت محافظات العراق، على خط الزيارة، حوادث وفاة لزائرين عراقيين واجانب اغلبهم إيرانيين بسبب حوادث سير ومشاكل أخرى تعرضوا لها.

الا ان ذلك لم يغير من الحدث الأكبر وهو التوجه نحو الزيارة الاربعينية، مع أعداد مليونية من داخل وخارج العراق مع إعلان العتبة العباسية اليوم في بيان ورد لوكالة شفق نيوز إن "عدد زائري اربعينية الامام الحسين واخيه العباس في كربلاء بلغ ( 21.198.640) مليون زائر".

الجهود الخدمية على مدار الساعة

ومع انتشار الجهود الخدمية للمواكب، وحملات التنظيف المستمرة، الا الجهود الخدمية البلدية تبقى مستمرة وخصوصا في كربلاء بعد انتهاء الزيارة، إذ تبدأ مديرية البلدية بالعمل المستمر على رفع النفايات مع "زخم" اعداد الزائرين

وفي آخر إحصائية كشفتها مديرية بلدية كربلاء، في 13 أيلول 2022، اي قبل أربعة أيام من يوم الاربعينية عن رفع 24 طناً من النفايات منذ اليوم الأول لشهر صفر ولغاية ذلك اليوم، مبينة أنها قامت بتشغيل نحو 2800 عامل تنظيف، بثلاث وجبات عمل، (صباحية، ومسائية، وليلية)، كما تم نشر ما يقرب من 1250 حاوية نفايات بلاستيكية، سعة 1100 لتر، داخل مركز المدينة، ومشاركة الجهد الآلي لمديرية بلدية كربلاء بحدود 360 آلية تخصصية في الزيارة، فضلا عن وصول جهد مساند من قبل بلديات المحافظات بحدود 150 آلية، لمساندة بلدية كربلاء طيلة فترة الزيارة".

القوات الامنية أول من يبدأ وآخر من يغادر

وبما أن الزيارة تستحق جهدا امنيا، فان القوات الامنية أول من يستعد وآخر من يغادر، مع استعدادات برية وجوية ونهرية أيضا، لتأمين الزيارة.

فمن الخدمات التوعوية ونشر الملصقات ومتابعة الزائرين على الطرق وتأمينهم عسكريا، وصولا الى نصب موكب خدمة داخل كربلاء للقوات الامنية لتقديم خدمة للزائرين، على غرار مواكب العزاء، ليبقى العنصر الامني والعسكري منتظرا اخر زائر يغادر من كربلاء لينتهي واجبه.

وبهذا يقول الناطق باسم العمليات المشتركة اللواء طيار تحسين الخفاجي لوكالة شفق نيوز إن "قيادة العمليات المشتركة ومن خلال وجودها في كربلاء ووزير الداخلية رئيس اللجنة الامنية المشرفة على تفويج العكسي والزيارة الاربعينية أعلنوا بان الزيارة مستمرة والقوات الامنية في الأماكن ذاتها والاشراف على الخطة الخاصة بالتفويج العكسي الى حين خروج اخر زائر من كربلاء".

كما ان هذا ما أعلنته أيضا خلية الاعلام الامني في بيان ورد لوكالة شفق نيوز إذ قالت إن "القوات الأمنية المكلفة بتأمين زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، واصلت وعلى مدار الايام الماضية واجباتها المكلف بها خلال هذه المناسبة المهمة"، مبينة أنه "نظرا لكثافة الزائرين واستمرار تدفقهم، وبهدف تفويج الزائرين بشكل عكسي من مدينة كربلاء المقدسة الى مناطق سكناهم الأصلية أيضاً، وجه وزير الداخلية رئيس اللجنة العليا لتأمين زيارة الأربعين عثمان الغانمي، و نائب قائد العمليات المشتركة ببقاء القوات الأمنية وجميع القطعات الساندة لها في الواجبات المكلفين بها ويشمل هذا التوجيه القطعات الامنية في المحافظات المجاورة لمحافظة كربلاء، لغاية الانتهاء من مراسيم الزيارة وتنفيذ الخطط المرسومة لها بالشكل الأمثل".