شفق نيوز- ديالى
شهدت بحيرة حمرين، الواقعة في ناحية العظيم
بمحافظة ديالى والمحاذية للحدود الإدارية لمحافظة صلاح الدين، انتعاشاً لافتاً
خلال الأسابيع الأخيرة بعد موجات السيول القادمة من المرتفعات الشرقية، والتي
أسهمت في رفع منسوب المياه داخل البحيرة وإعادة الحياة إلى مناطق واسعة جفّت خلال
السنوات الماضية.
وتُعد بحيرة حمرين مسطحاً مائياً إستراتيجياً
يعتمد عليه السكان في الزراعة وصيد الأسماك، إضافة إلى أهميتها البيئية كموطن
للطيور المهاجرة.
موقع إستراتيجي بين محافظتين
تقع البحيرة على مساحة تمتد من قضاء خانقين
وبلدروز في ديالى وصولاً إلى أطراف صلاح الدين، ما يجعلها نقطة التقاء بيئية
ومائية مهمة بين المحافظتين.
وقد تشكّلت البحيرة نتيجة إنشاء سد حمرين عام
1981 بهدف التحكم بالفيضانات وتخزين مياه الأمطار والسيول القادمة من الهضاب
الشرقية.
وتعرّضت البحيرة خلال السنوات الأخيرة لأسوء
حالات الانحسار بسبب تراجع الإيرادات المائية والجفاف، ما أثر على الثروة السمكية،
وتسبّبت بغياب أنواع عدة من الطيور التي كانت تعتمد عليها كموطن مؤقت في مواسم
الهجرة، غير أن السيول الأخيرة قلبت المشهد، وفق شهادات مختصين بيئيين.
السيول تعيد التوازن البيئي للبحيرة
يقول المختص البيئي عادل خالد، لوكالة شفق
نيوز، إن "السيول التي اجتاحت مناطق حوض ديالى أسهمت في رفع منسوب المياه في
بحيرة حمرين بما يزيد عن أمتار عدة، وهي زيادة كافية لإعادة إحياء المناطق التي
كانت جافة بالكامل".
ويضيف أن ارتفاع المياه "سيسهم في تنشيط
النباتات المائية وتحفيز نمو الغطاء النباتي حول البحيرة، ما يعيد التوازن البيئي
الذي تضرر بشدة خلال السنوات الماضية".
من جانبه، يوضح الباحث في الموارد المائية عبد
الجبار محمد، لوكالة شفق نيوز، أن السيول لم تكتفِ بملء أجزاء واسعة من البحيرة،
بل ساعدت أيضاً في تنقية المياه وتحسين جودتها.
ويقول إن "المياه التي دخلت أخيراً هي
مياه أمطار وسيول نظيفة نسبياً، وهذا ينعكس مباشرة على صحة النظام البيئي
للبحيرة".
عودة الطيور المهاجرة
وفي تطوّر لافت، يؤكد خبير الطيور المهاجرة
تحسين حسن أن الأيام الماضية شهدت عودة أنواع متعددة من الطيور التي هجرت البحيرة
لسنوات.
ويبين حسن لوكالة شفق نيوز، أنه تم رصد عودة
أسراب من النورس والبط الشتوي والبلشون الأبيض، إضافة إلى ظهور مجموعات من طيور
الفلامنغو، وهو "مؤشر مهم على أن البحيرة استعادت شروط الحياة
الطبيعية".
ويشير إلى أن الطيور المهاجرة تعتمد على
البحيرات الواسعة ووفرة الغذاء، ومع تحسّن مستوى المياه في حمرين "بدأت
الطيور تجد ما تحتاجه من مساحات آمنة وغذاء متوفر، ما دفعها للتوقّف مجدداً في
البحيرة بدل المرور السريع فوقها".
كما يؤكد أن البحيرة تحوّلت في هذه الفترة إلى
"نقطة جذب للمصورين والمهتمين بالحياة البرية"، مشيراً إلى أن
"التنوّع البيئي الذي تشهده البحيرة حالياً لم يُسجَّل منذ عام 2019".
انتعاش الصيد والزراعة
ولا تقتصر آثار ارتفاع منسوب بحيرة حمرين على
البيئة فقط، بل تمتد لتشمل السكان المحليين في العظيم ومناطق ديالى الشمالية.
ويقول أحد الصيادين، لوكالة شفق نيوز، إن
"عودة المياه ستعيد الثروة السمكية تدريجياً، ونتوقع موسماً أفضل خلال الربيع
المقبل".
ويضيف، أن البحيرة كانت شبه خالية من الأسماك
خلال العامين الماضيين، ما أثّر على عشرات العائلات التي تعتمد على الصيد.
كما يستفيد المزارعون القريبون من ضفاف البحيرة
من ارتفاع المخزون المائي، خصوصاً في ظل حاجة الأراضي الزراعية في ديالى لتأمين
مصادر بديلة بعد سنوات من الشح في الإطلاقات المائية.
وجهة سياحية بيئية محتملة
ويرى المختص البيئي عادل خالد، في تصريح لوكالة
شفق نيوز، أن تحسّن الأوضاع في البحيرة من الممكن أن يفتح الباب أمام فرص سياحية
بيئية جديدة، خصوصاً في ظل تزايد الاهتمام بنشاطات مثل مراقبة الطيور والتخييم
والتصوير الطبيعي.
ويشير إلى أن "حمرين من الممكن أن تكون
مقصداً سياحياً مهماً إذا تم استثمارها بشكل صحيح عبر توفير الخدمات الأساسية ومنع
التجاوزات على أراضي البحيرة".
الحفاظ على المكاسب البيئية ضرورة
ويحذر الباحث عبد الجبار محمد في تصريح لوكالة
شفق نيوز، من أن هذا الانتعاش قد يكون مؤقتاً ما لم يتم اتخاذ إجراءات لضمان
استدامته.
ويقول إن "المياه التي دخلت البحيرة الآن
فرصة ذهبية لإعادة بنائها بيئياً، لكن استمرار ذلك يعتمد على إدارة موارد المياه
ومنع التجاوزات وتحقيق تنسيق فعّال بين ديالى وصلاح الدين".
كما يدعو إلى تنفيذ مشاريع للحفاظ على الغطاء
النباتي، ومنع عمليات الصيد الجائر، ووضع خطط لرصد مستويات المياه والتغيرات
المناخية في المنطقة.
ويمثّل انتعاش بحيرة حمرين بعد السيول الأخيرة
نقطة تحوّل مهمة للمنطقة التي عانت لسنوات من الجفاف وفقدان التوازن البيئي.
ومع عودة الطيور المهاجرة وتحسّن جودة المياه
واستبشار السكان المحليين بعودة الصيد والزراعة، تقف البحيرة اليوم أمام فرصة
حقيقية لاستعادة موقعها كأحد أهم المسطحات المائية في العراق.
ويبقى الأمل قائماً بأن تتم إدارة هذه الفرصة
بحكمة لضمان استمرار الحياة في البحيرة بين ديالى وصلاح الدين لسنوات طويلة قادمة.