شفق نيوز/ قبل سنوات ليست بالقليلة، كانت رائحة الدم تنبعث من هذا المكان، وباتت "مقبرة لضحايا المعارك الطائفية" كما يشاع خلال السنوات الخمس الأولى بعد العام 2003، لكن، هذا المكان "المخيف" تحول الآن إلى طريق إستراتيجي يربط مدينة الصدر شرقي بغداد بمناطق شمال العاصمة ما ينقذ الأهالي من اختناقات مرورية يقضي فيها السائق ساعة أو أكثر.
إنها "السدة"، ساتر ترابي يرتفع لنحو 10 إلى 15 متراً وبطول 5 كم وعرض 400 متر، تقع في نهاية حدود مدينة الصدر الشرقية وتفصل المدينة عن أحياء طارق، والدسيم، والحميدية.
تاريخ السدة
تم تشييد السدة في العام 1963 وكانت تسمى السدة الشرقية، والهدف منها حماية بغداد من الفيضانات التي اعتاد عليها أهالي العاصمة في فصل الربيع من كل عام وكانت بعضها فيضانات شديدة تسببت بوفيات وخسائر مادية، وبقيت السدة قائمة حتى الآن رغم أن الجفاف بات سمة واضحة للعراق ولا خوف من فيضانات نهر دجلة.
مقبرة الرضع
حتى ثمانينيات القرن الماضي كانت السدة أو تحديداً منطقة ما خلف السدة مقبرة غير رسمية للأطفال الذين يولدون متوفين أم يفارقون الحياة بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، لكن هذه الحالة تلاشت تدريجياً.
وكحال مدينة الصدر شهدت السدة تحولات هي الأخرى في وظيفتها، حيث بعد أن زالت وظيفتها في حماية بغداد من الفيضانات، أصبحت مقبرة للرضع، ثم وفي تسعينيات القرن الماضي بعد فرض مجلس الأمن الدولي حصاراً اقتصادياً على العراق وبات الوضع الاقتصادي لغالبية العراقيين مزرياً، أصبحت السدة ملاذاً لمختلف المهن وأبرزها وأكثرها انتشاراً محال السكراب التي تبيع مواد البناء المعدنية المستخدمة مثل جسور البناء الفولاذية (الشيلمان) وأبواب وشبابيك المنازل والمحال وأشياء أخرى تدخل في بناء المنازل وتتوفر بأسعار مناسبة في حينها.
مكب للنفايات
ووفقاً لطبيعة الأعمال التي باتت السدة مركزاً لها، تحولت إلى مكب للنفايات المعدنية وغير المعدنية وكذلك أنواع النفايات الأخرى، وكانت تتحول المنطقة وشارعها الرئيسي في فصل الشتاء والأمطار إلى بركات من الوحل يصعب السير فيها حتى بالسيارات ما دفع العديد من العوائل الساكنة قبالة السدة إلى بيع منازلها والانتقال لأماكن أخرى.
ضحايا الطائفية والجثث مجهولة الهوية
بعد عام 2003 لم يتغير حال السدة كثيراً واستمرت على نشاطها الاقتصادي، غير أنها بالإضافة إلى ذلك أصبحت ملاذاً أخيراً لجثث ضحايا عمليات القتل الطائفي التي امتدت من العام 2004 وحتى أواخر العام 2010، إلى جانب ضحايا مجهولي الهوية لا يُعرف ما إذا كانوا قضوا ضمن تصفيات طائفية أم غير ذلك.
وكر لتجارة المخدرات
وانتهت حقبة القتل الطائفي بعد ظهور تنظيم داعش حيث توحدت الجهود لتحرير العراق من التنظيم الإرهابي، ومن قبل ذلك باتت المخدرات تشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة وانتشرت بشكل واسع وفتن تجار ومروجي المخدرات في إيجاد ملاذات لهم، أصبحت السدة مكاناً مناسباً لهم للتخفي وللبيع ولغيرهم من الخارجين عن القانون.
مشروع السدة
القيادي في التيار الصدري والنائب الأول السابق لرئيس مجلس النواب، "المستقيل" حاكم الزاملي، رأى أن يتوجه نحو هذه السدة والمنطقة التي خلفها لتحويلها إلى طريق استراتيجي يربط مدينة الصدر بمناطق شمالي بغداد بعيداً عن زحامات العاصمة واختصار وقت طويل يضيع في الاختناقات المرورية.
ووفقاً لمراسل وكالة شفق نيوز، فإن أعمال المشروع تضمنت رفع التجاوزات الحاصلة على السدة وأوكار الخارجين عن القانون بالتعاون مع أمانة بغداد ودوائر بلديتيّ الصدر الأولى والثانية، وتقسيم منطقة السدة ووضع حجر الأساس للمشروع وإنشاء منتزهات ومركز صحي ومدارس.
كذلك تم إنشاء كورنيش الحميدية أو ما يسمى كورنيش مدينة الصدر الذي يطل على بحيرة اصطناعية تتغذى من رافد لنهر دجلة، تم رصف الكورنيش بالأحجار وزراعة الأشجار للتحول المنطقة من مقبرة للأطفال ومجهوليّ الهوية والسكراب والنفايات إلى مساحة خضراء ترتادها العوائل للترفيه.