شفق نيوز/ داخل مخيم يعجّ بالنازحين قرب مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، ولدت بيريفان قبل خمسة أشهر، من دون أن تحظى كشقيقتيها بدفء منزلهم في مدينة سري كانيه "رأس العين"، التي فرّت عائلتها منها قبل عام جراء هجوم تركي واسع على المنطقة.
وقالت والدتها وضحة شيرموخ (29 عاماً) من خيمتهم في مخيم واشو كاني، الذي يضم نازحين كورداً وعرباً من منطقة رأس العين، "وُلدت ابنتي بيريفان قبل أشهر في المخيم، لم تر منزلاً، بل خيمة".
وتسأل بتعجب "كيف يمكن أن تكون الحياة بالنسبة إلى طفلة ولدت ونشأت في خيمة؟"، وفق تقرير لفرانس برس.
وعائلة شرموخ واحدة من عشرات الآلاف ممن فروا من منازلهم، على وقع هجوم واسع شنته تركيا مع فصائل سورية موالية لها في أكتوبر، وانتهى الهجوم بعد أسابيع، بوساطة أميركية واتفاق مع روسيا، بعد سيطرة تركيا على منطقة حدودية بطول 120 كيلومتراً تمتد بين رأس العين (شمال الحسكة) وتل أبيض (شمال الرقة).
ويتهم نازحون كورد من المنطقة ومنظمات حقوقية المقاتلين الموالين لأنقرة بارتكاب أعمال نهب وسرقة ومصادرة منازل وتنفيذ إعدامات، على غرار ما حصل في منطقة عفرين الكوردية عام 2018 إثر سيطرتهم عليها.
ورغم كونها عربية، إلا أن عائلة وضحة تشعر بالقلق من العودة إلى رأس العين، خشية من اتهام زوجها بـ"التعامل مع الكورد" خلال سنوات من سيطرتهم على المنطقة الحدودية، عدا عن دمار منزلهم.
وتقول "أحاول أن أنسى، لكن كيف يُمكن للمرء أن ينسى منزله وجهد عمره؟".
أشبه بقبر
ولعلّ أصعب ما تمر به وضحة هو رؤية بناتها الثلاث، وبينهنّ روسلين التي تعاني من شلل في ساقيها، يكبرنّ في خيمة، جهدت قدر المستطاع لجعلها أشبه بمنزل، فوضعت في إحدى الزوايا أدوات المطبخ وجعلت من زاوية ثانية مكاناً للجلوس وثالثة للنوم.
وأضافت شرموخ "يبدو المستقبل أسود (...) أفكر دائماً بمستقبل بناتي إذا بقي الوضع على حاله، وبماذا سيشعرن إذا خرجوا من هنا ورأوا كيف تعيش الناس في الخارج".
ويعتريها القلق خصوصاً إزاء مستقبل روسلين التي تجلس على كرسيها المتحرك. وتحرص يومياً على اصطحابها إلى المدرسة، خشية من ألا تتعلم بناتها "كبنات جيلهن".
في خيمة مجاورة، تقول السيدة الكوردية شمسة عبد القادر (40 عاماً)، وهي أم لسبعة أطفال، إنها لا تتخيل نفسها تعيش بقية عمرها في المخيم.
وتابعت: "نفكر ليلاً ونهاراً بالعودة إلى منازلنا في رأس العين، أفضّل أن أموت في بلدتي على العيش في هذا المخيم... إنه أشبه بقبر"، لكنها في الوقت ذاته، تخشى العودة للعيش تحت سيطرة القوات التركية والفصائل التابعة لها، واصفة اياهم بـ"المرتزقة".
وقالت "إنهم أعداؤنا، يقتلون الناس ويخطفون النساء ويسرقون بيوتنا ولا أحد يمنعهم".
مفتاح المنزل
وحذرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الشهر الماضي، من تزايد مستوى العنف والجريمة في مناطق سيطرة القوات التركية، ومن احتمال ارتكاب الفصائل الموالية لأنقرة "جرائم حرب".
وأكدت أنها وثقت "نمطاً مقلقاً من الانتهاكات الجسيمة" مع تزايد عمليات القتل والخطف ومصادرة الممتلكات والإخلاء القسري، ولفتت إلى أنّ الفصائل استولت على منازل وأراض وممتلكات ونهبتها دون أي ضرورة عسكرية ظاهرة.
وطالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المدعوم من أنقرة والذي يعد أبرز مكونات المعارضة، باطلاعه على "القضايا المزعومة" في منطقتي عفرين ورأس العين لإحالتها إلى القضاء، معتبراً أنها قد "تكون مجرد أفعال فردية وغير منهجية".
وتخلّت سليمة محمّد (42 عاماً) عن فكرة العودة إلى رأس العين، حيث تدمر منزلها، وبدأت بتجهيزات لبناء مطبخ منفصل عن خيمتها المكتظة بـ14 فرداً من عائلتها.
وتقول "قريتنا احترقت... حتى وإن كان لدينا أمل بالعودة، إلى أين سنذهب؟ لم يعد هناك بيوت أو جدران أو حتى أبواب ونوافذ"، وتسأل بحرقة "ماذا يعني المستقبل ما لم نكن موجودين بين أهلنا وعلى أرضنا؟"، إلا أن الأنباء عن عمليات خطف وتجاوزات تحول دون العودة.
وتشاركها قمرة (65 عاماً)، النازحة من ريف رأس العين، المخاوف ذاتها، وفي الخيمة حيث يحيط بها أحفادها، تُخرج قمرة مفتاحاً من حقيبة صغيرة، وتقول "أحضرت مفتاح منزلي".
وأضافت "إذا متّ قبل أن أعود، أريد أن يدفنوا معي هذا المفتاح".