شفق نيوز/ يقف سوق مولوي في السليمانية شامخًا بتاريخه العريق، حيث شهد تطور الحياة التجارية منذ أوائل القرن العشرين وحتى يومنا هذا، ويُعرف السوق بمنتجاته التقليدية وحرفه اليدوية التي تميز المنطقة، لكن مع تسارع عجلة التطور الحضري والتجاري، تتعرض الأسواق التقليدية، لضغوط وتحديات كبيرة، بما في ذلك سوق مولوي، الذي ظل حائراً بين وضعه الحالي غير المستقر ومستقبله المجهول.

تسميته

ووفقا للوثائق التاريخية التي اطلعت عليها وكالة شفق نيوز فان تسمية السوق تعود إلى الشاعر المعروف "مولوي"، وهو عبد الرحيم بن الملا سعيد المعروف بلقب "مولوي" المولود عام 1806 في قرية "سه رشاتة" الجبلية الواقعة ضمن الحدود الإدارية لقضاء حلبجة في محافظة السليمانية.

وقد كان دارسا لعلوم النحو والصرف والعلوم الدينية، وجاب العديد من المدن بحثا عن المزيد من المعارف، وانتقل تباعا لمختلف المدن إلى أن استقر به المقام في مدينة السليمانية ومركزها، وتحديدا جامعها الكبير ثم انتقل إلى جروستانة التي عمل فيها مدرسا.

أما لقبه "مولوي" فقد حصل عليه على الأرجح من زوجته عنبر خاتون، وهي سيدة أفغانية الأصل، وكان هذا لقبا يطلقه قومها على السادات والشيوخ والمتصوفين.

حكايات سوق مولوي -التي تتجاوز في سنواتها المئة عام- هي حكايات مدينة وشخوص، قصص عاصرت فيها شوارعه مختلف الأحداث، ستجدها حاضرة في وجوه الباعة، بين محال الأقمشة ودكاكين الصناعات اليدوية، محال السجاد والأنتيكات، الملابس والأجهزة الكهربائية.

ماضٍ مليء بالأصالة 

منذ بدايات القرن العشرين، يُعتبر سوق مولوي واحداً من أقدم الأسواق في السليمانية، و كان السوق مركزًا تجاريًا رئيسيًا حيث يقصده التجار من كل أنحاء المنطقة لعرض بضائعهم، من الملابس التقليدية إلى المنتجات اليدوية التي تعكس ثقافة المنطقة.

الحاج احمد حسين، صاحب متجر يعمل في السوق منذ أكثر من 40 عامًا، يقول لمراسل وكالة شفق نيوز بفخر: "كان السوق في الماضي مركزًا للحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة، ولم يكن مجرد مكان للبيع والشراء، بل كان مكانًا للقاءات والحوارات بين الناس. في هذا السوق، كل شيء له قصة".

ويروي الحاج احمد كيف كانت السوق تقدم منتجات ذات جودة عالية وحرفية متقنة، حيث كانت كل قطعة تُصنع يدويًا، ما يعطيها قيمة مضافة تفوق البضائع المستوردة.

ويشير إلى أن "السوق كان يعج بالحركة، وكانت المتاجر مزدحمة طوال الوقت، سواء بالزوار المحليين أو الزوار من خارج المدينة".

تراجع الإقبال والمنافسة الحديثة 

على الرغم من التاريخ العريق، فإن الوضع الحالي لسوق مولوي يختلف كثيراً عن الماضي، ويواجه السوق انخفاضاً واضحاً في عدد الزبائن مع ظهور مراكز التسوق الحديثة التي اجتذبت فئة كبيرة من المستهلكين بفضل العروض الكبيرة والأسعار المخفضة.

نجم كريم، صاحب متجر للملابس التقليدية، يعلق في حديثه لمراسل وكالة شفق نيوز قائلاً: "لقد تغيرت طبيعة التسوق، والناس يبحثون الآن عن الراحة والتنوع الذي تقدمه المولات، لكن نحن هنا نقدم منتجات أصيلة لا تجدها في أي مكان آخر، إلا أن الإقبال تراجع بشكل ملحوظ".

كما يشير كريم إلى أن "العديد من التجار باتوا يواجهون صعوبة في دفع إيجارات المحلات وتغطية التكاليف اليومية، مما اضطر بعضهم إلى إغلاق متاجرهم. وعلى الرغم من استمرار بعض الزبائن التقليديين في التسوق من سوق مولوي، فإن هذا لا يكفي لإنعاش الحركة التجارية كما كانت في السابق".

المنافسة الاقتصادية وتراجع الزبائن 

التحديات التي يواجهها سوق مولوي لا تقتصر فقط على ظهور المولات الحديثة، بل تتعلق أيضًا بتغير طبيعة التسوق والتوجهات الاقتصادية العامة، الخبير الاقتصادي ارسلان محمد ، يوضح لمراسل وكالة شفق نيوز : "أسواق مثل سوق مولوي تتعرض لضغوط هائلة من المراكز التجارية الحديثة التي تجذب الناس بفضل تنوع المنتجات والخدمات المرافقة مثل المطاعم والسينما، والسوق التقليدية تحتاج إلى تحسين أساليبها والبحث عن مزايا تنافسية تجذب الناس مجددًا."

ومن ناحية أخرى، يعاني السوق من ارتفاع التكاليف وانخفاض القوة الشرائية للمستهلكين نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة. يقول صالح دلشاد، صاحب متجر في السوق في حديثه لشفق نيوز : "الأسعار في ازدياد، لكن الناس يشترون أقل من ذي قبل، الزبائن يبحثون عن أرخص الأسعار، وهذا يجعلنا في موقف صعب، حيث لا نستطيع المنافسة مع التخفيضات الكبيرة التي تقدمها المولات".

 الحفاظ على الهوية

رغم الصعوبات، لا يزال هناك أمل في إعادة إحياء سوق مولوي وجعله وجهة تجارية متميزة. ويرى البعض أن التركيز على الجوانب الثقافية والتراثية للسوق قد يكون الحل لجذب الزبائن مجددًا.

نزار خورشيد، تاجر قديم في السوق، يقول لمراسل الوكالة: "نحن نحاول أن نحافظ على هويتنا من خلال بيع المنتجات المحلية والحرف اليدوية، و هذه الأشياء تعكس تراثنا وتاريخنا، ولا يمكنك أن تجدها في المولات الحديثة، لكن نحتاج إلى دعم أكبر من المجتمع والحكومة لنستمر".

في هذا السياق، يقترح ارسلان محمد الخبير الاقتصادي ، أن يتم تطوير السوق كموقع تراثي وسياحي إلى جانب كونه سوقًا تجاريًا، و يقول: "يمكن للسوق أن يجذب الزوار من خلال الترويج له كجزء من التراث الثقافي للمدينة، إضافة إلى ذلك، يمكن دعم الفعاليات الثقافية والفنية في السوق لزيادة الحركة والاهتمام".

الآفاق المستقبلية

في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال الأكبر حول مستقبل سوق مولوي، وهل يمكن أن يعود إلى دوره المحوري في حياة السليمانية؟

الحاج احمد حسين ينهي حديثه لمراسل شفق نيوز بنبرة متفائلة رغم الظروف: "نحن لا نفقد الأمل، فالسوق مر بتحديات كثيرة عبر التاريخ، وهذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها صعوبات، وإذا تمكنا من إيجاد حلول مبتكرة ونجحنا في إعادة إحياء السوق، فأنا واثق من أنه سيظل مكانًا مهمًا في السليمانية".

ويرى البعض أن التعاون بين أصحاب المحلات والجهات المحلية قد يكون مفتاح النجاح حيث تحتاج الأسواق التقليدية إلى تكامل بين التراث والتجارة الحديثة، وإذا تمكن من تقديم تجربة مميزة، سواء للزبائن المحليين أو السياح، فإن السوق يمكن أن يعود إلى ازدهاره.

ويظل سوق مولوي رمزًا من رموز السليمانية، يجمع بين الماضي والحاضر، ويعكس تطور الحياة التجارية والثقافية في المدينة، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها، فإن هناك إرادة قوية من أصحاب المحلات والمجتمع المحلي للحفاظ على هذا الإرث وإيجاد طرق لمواصلة دوره التجاري والثقافي.