شفق نيوز/ دعا السفير الاميركي الاخير لدى سوريا روبرت فورد الادارة الاميركية الى "الواقعية" في التعامل مع الملف السوري في المرحلة المقبلة، وذلك في مقال في مجلة "فورين آفيرز" الاميركية، خلص فيه الى ان على واشنطن الاعتراف بفشل سياستها السورية والاقرار بانه لا يمكنها "بناء دولة" هناك.
وقال فورد في مقاله الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، انه خلال اربعة اعوام على وجوده في الحكم، فان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وعد مرارا باخراج الولايات المتحدة من سياسات "بناء الدول"، مشيرا الى ان الجهود الاميركية الطويلة الامد في هذا المضمار لاعادة بناء وتحقيق الاستقرار في مجتمعات ما بعد الحرب، لم تنجح.
وبحسب فورد، فان ترامب التزم بشكل كبير بموقفه هذا من خلال تخفيض عدد الجنود الاميركيين في العراق وافغانستان وقلص بدرجة كبيرة التمويل المخصص لتشجيع الديمقراطية بنحو مليار دولار.
ومع ذلك، فان ادارة ترامب ومع ابتعادها عن سياسة بناء الدول، فانها قامت بمحاولة مغايرة في سوريا، حيث حاولت استخدام القوة العسكرية والضغوط المالية من اجل اجبار الرئيس السوري بشار الاسد على القبول بالاصلاحات الدستورية ومنطقة الحكم الذاتي للكورد، مشيرا الى ان هذه المنطقة الكوردية تحت اشراف الولايات المتحدة، تطورت الى "شبه دولة" بجيشها الخاص المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية، وبيروقراطية سلطة تسيطر عليها وحدات حماية الشعب وذراعها السياسي المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي.
والان، بحسب السفير الاميركي السابق، وبعد انفاق 2.6 مليار دولار من الدعم الاميركي، فان "شبه الدولة هذه، هي طفل اميركا، تربت تحت الحماية العسكرية للولايات المتحدة التي حمتها من الجيران العدائيين". واضاف انه من دون قدرتها على دعم نفسها، فان منطقة الحكم الذاتي ستظل معتمدة على الموارد الاميركي في المستقبل المنظور.
واشار فورد الى ان "الالتزام المفتوح هذا ليس ما تحتاجه الولايات المتحدة". لكن سوريا لم تكن ابدا قضية اساسية في الامن القومي الاميركي، والمصالح الاميركية هناك كانت دوما تقتصر على منع النزاع من تهديد اهتمامات واشنطن الاكثر اهمية في اماكن اخرى.
وتابع ان واشنطن لم تحقق ايضا الاصلاحات السياسية في دمشق، ولم تستعيد الاستقرار في هذا البلد. ودعا فورد الرئيس جو بايدن الى استبدال خطة سحب مئات الجنود الاميركيين الموجودين في سوريا والاعتماد على سوريا وروسيا وتركيا في احتواء داعش.
ومع استمرار داعش في شن هجمات في سوريا والعراق، قال فورد ان الدعم الاميركي لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، يفترض ان يساعد هذه الجماعات على احتواء داعش، بالحد الادنى من الاسناد الخارجي ومن دون الحاجة الى درجة عالية من الانتشار العسكري الاميركي.
وبعدما اشار الى الجاذبية السياسية المتوفرة لمثل هذه الاستراتيجية، الا انها تظل غير مثالية، بالنظر الى استياء المكونات العربية في المنطقة من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وسياساتها بما فيها السيطرة على موارد النفط، وهو ما يثير توترات عرقية وعشائرية تعززها الهجمات الكوردية التي تستهدف قرى عربية تحت سيطرة القوات التركية.
ولهذا اعتبر فورد ان ان الولايات المتحدة ستواجه دوما هذه المشكلة طالما ان سياساتها ظلت منحازة الى "شبه الدولة بسيطرة كوردية" في الشرق السوري. اما المشكلة الاخرى فتتمثل بان داعش لم يتم احتواءه حتى الان في المناطق الخاضعة للسيطرة الاميركية وقوات سوريا الديمقراطية، وايضا له تواجد في مناطق هشة تحت سيطرة الجيش السوري وحلفائه الروس والايرانيين وتمتد على مسافة 200 ميل الى الغرب من الفرات.
ورأى فورد انه اذا كان الهدف منع داعش من اعادة جمع نفسها لاستخدام الاراضي السورية كمنطلق لهجمات في اماكن اخرى، فان التخفيف من الوجود العسكري الاميركي في الشرق السوري، لا يوفر حلا للمشكلة. كما ان الحل لن يتوفر بمعاقبة حكومة الاسد، باعتبار ان فرض العقوبات سيترك قوات الحكومة السورية بموارد اقل في حربها مع الجماعات المتطرفة.
وكتب فورد ان المقاربة الاميركية الحالية تفتقر ايضا الى نهاية قابلة للاكتمال، موضحا انه من دون الغطاء الدبلوماسي والعسكري الاميركي، فان قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب قد تواجهه جبهتين او ثلاثة جبهات حربية مع تركيا والحكومة السورية ما سيخرج مقاتليها بعيدا عن المعركة مع داعش. ومن اجل تجنب هذه النتيجة، ومع استمرار دعمها للقوات الكوردية، فان على الولايات المتحدة ان تستمر بوجودها في شرقي سوريا الى الابد.
وفي حال اختارت روسيا وتركيا وقوات الحكومة السورية زيادة ضغوطها على القوات الاميركية او "شبه الدولة" الكوردية، فستضطر واشنطن الى جلب المزيد من الموارد لمواجهة المشكلة، مشيرا الى ان مشكلة كهذه وقعت في صيف العام 2020 عندما تحرشت وقات روسية بدوريات اميركية، وقامت القيادة المركزية الاميركية بارسال وحدات مدرعة لتحقيق الردع. ان هذه الديناميكية، بحسب فورد، من المرجح ان تسوء اكثر في السنوات المقبلة.
وبالنظر الى هذه الثغرات التي ميزت السياسة الاميركية في عهد ترامب، فان الادارة الاميركية الجديدة تحتاج الى سياسة جديدة، تكون قادرة على احتواء داعش من دون التزام الجيش الاميركي بحرب جديدة الى الابد. وبدلا من الاستمرار بالسياسة الاميركية الحالية، فان فريق بايدن، من خلال تركيزه على الدبلوماسية، عليه ان يعتمد اكثر على روسيا وتركيا. وحتى لو كان الاقتراح لا يبعث على السرور، فان الاعتراف بمصالح هذين البلدين في سوريا، قد يؤدي الى نتائج افضل.
ودعا فورد ادارة بايدن الى ابرام صفقة تفوض موسكو بموجبها مواجهة داعش على ضفتي الفرات، وهو ما سوف يتطلب زيادة الوجود العسكري الروسي في شرقي سوريا، ومفاوضات لترتيب الانسحاب الاميركي التدريجي بجدول زمني للانتقال من السيطرة الاميركية الى السيطرة الروسية.
ولان ذلك وحده لا يكفي بحسب السفير الاميركي السابق، فان على واشنطن ان تقنع انقرة بتأمين حدودها الجنوبية، وهي لديها مثل روسيا دوافع كثيرة للتعاون، خاصة ان داعش نفذ هجمات ارهابية داخل تركيا ايضا. لكن الاغلاق الكامل لحدود طولها 600 ميل سيكون امرا صعبا، ولهذا فان على واشنطن مساعدة تركيا بالمعدات التكنولوجية واجهزة المراقبة لمراقبة الحركة الارهابية، وهو جهد سيستدعي تعاونا وثيقا، مشيرا الى ان التعاون الاميركي مع الاتراك سيكون اسهل هذه المرة ما ان تتوقف واشنطن عن دعم القوات الكوردية بشكل مباشر، خاصة ان الهدف الاساسي للاتراك منع هذه الجماعات الكوردية من اقامة كيان مستقل في سوريا.
الا ان فورد دعا بادين الى تجنب مفاجئة الشركاء الكورد بالاستراتيجية الجديدة، وعليها اطلاعهم مبكرا بالخطوات الاميركية المرتقبة، مشيرا الى ان قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، كانوا شركاء جيدين في القتال ضد داعش، وسيكون من الحكمة بالنسبة الى الروس ان يستمروا في العمل معهما وفق الترتيبات الجديدة.
وبالتعاون مع الحكومة السورية، فان بامكان روسيا تشكيل "الفيلق السادس" المؤلف من قوات سوريا الديمقراطية تحت القيادة الروسية مثلما فعلت مع "الفيلق الخامس" بقيادة روسية والمؤلف من مقاتلين موالين لدمشق يقومون بمهمات عسكرية في انحاء البلاد.
وسيكون على قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب التفاوض مع دمشق حول الوضع السياسي للمناطق التي يسيطرون عليها والحقوق الكوردية كالجنسية وحقوق الملكية، وهو ما سيكون افضل بكثير مما كان عليها في المرحلة ما قبل الحرب.
واعتبر فورد انه برغم الدعم الحيوي للمقاتلين الكورد في الحرب ضد داعش، فان الولايات المتحدة لا تدين لهم بمظلة عسكرية دائمة ونفقات تمول من دافعي الضرائب الاميركيين. واضاف "المصلحة القومية للولايات المتحدة تتمثل في احتواء التهديدات الارهابية، وليس ضمان شكل الحكومة في شرقي سوريا".
وفي الخلاصة، دعا فورد ادارة بايدن الى ان "تكون عقلانية حول قدرة الولايات المتحدة على انتزاع تنازلات سياسية في سوريا، مضيفا ان المسؤولين الاميركيين بمن فيهم انا شخصيا، حاولنا طويلا تجعل نظام الاسد يقوم باصلاحات، وانما بنجاح محدود".
ورأى ان بايدن بامكانه الحفاظ على استراتيجية ترامب، لكن القيام بذلك يعني انفاق مليارات الدولارات ومفاقمة التوترات الطائفية والفشل في احتواء داعش.