شفق نيوز/ لكل مدينة مكان أو معلم يميزها عن غيرها حتى وان وجد مثيله في أخرى، لكن تبقى له نكهته وأجواءه التي تجعله علامة فارقة في هذه المدينة دون تلك، وفي مدينة السليمانية الكثير من هذه العلامات إلا أن أبرزها "صهولكه" الذي يعد مقصداً حيوياً لأهالي المدينة وزوارها.
في "صهولكه" تكاد الحياة والحركة أن لا تتوقف على مدار اليوم، إلا أن ذروتها نشاطها تبدأ مع غروب الشمس وتمتد لساعات متأخرة من الليل في الشتاء، أما في الصيف في النشاط يستمر أحياناً حتى ساعات الفجر الأولى ليمتاز صباحاً بحركة الكسبة والموظفين.
نكهات الأكلات الشعبية والأغاني الهادئة وأحاديث الثقافة والأدب والسياسة في أحيان كثيرة، مشهد يأخذك من يوم عمل طويل للاستجمام بأجواء لطيفة، والمكان أشبه ما يكون بمنتدى تمتزج فيه مختلف الطبقات الاجتماعية اقتصادياً وثقافياً ومن مختلف الشرائح الدينية والمذهبية والقومية.
منطقة الجليد
"صهولكه" باللغة العربية تعني (منطقة الجليد)، وهي مكان محدود المساحة يتوسط شارع سالم في قلب المدينة، من أشهر شوارع السليمانية، والذي ظل ينبض بالحب والجمال حتى قيل إذا زرت السليمانية ولم تشرب الشاي في "صهولكه" فإنك لم تزر المدينة.
كراسي منتشرة على أرصفة الشارع وباعة متجولون يبيعون الشاي والماء والقهوة وحب عباد الشمس والأكلات الشعبية السريعة، يجلس في هذا المكان الرجال والنساء سوية من دون أي حرج أو مضايقات.
اكلات شعبية
واحدة من طقوس المساء في "صهولكه" هي الأكلات الشعبية السريعة التي تجذب بنكهتها وطريقة تحضيرها المارة في هذا الشارع المكتظ، وخلال تجولنا في هذا الشارع وجدنا العديد من الأكلات الشعبية التي ابتعد المطبخ المنزلي عن تحضيرها.
يقول دلشاد، وهو صاحب عربة جوالة لتقديم الأكلات الشعبية، في حديثه لوكالة شفق نيوز، إنه يبدأ عصر كل يوم بتحضير الأكلات التي اعتاد عليها زبائنه وهي "العروق، والكبدة، واللحم، والدجاج" مع مأدبة المقبلات الشعبية مع الخبز الحار.
الشاي في "صهولكه"
يجمع سكان السليمانية على تفضيل الشاي على غيره من المشروبات الساخنة كما هم باقي سكان المحافظات العراقية، لكن لشاي "صهولكه" طعمه ومذاقه الخاص الذي يميزه عن باقي الأماكن، فترى أن هناك من يزور المكان فقط لشرب الشاي ثم يعود لمنزله.
باعة الشاي في "صهولكه" يعدونه بطريقة خاصة على الفحم وهو الطريقة المحببة لسكان العراق، وهنالك من توارثوا هذه المهنة عن آبائهم ولكن لرائحة شاي "صهولكة" نكهتها الخاصة التي تجذب المارة، رغم تعدد الأماكن السياحية والتجارية في هذه المدينة.
أحاديث "صهولكه" لا تفسد للود قضية
لا يغيب الحديث السياسي بين العراقيين على مختلف قومياتهم وانتماءاتهم، وبهذا الصدد يقول كامران أحمد، إن "صهولكه هي وجه السليمانية الثقافي والمكان الخاص بقضاء الوقت واللقاء بالاصدقاء لتخفيف عبء العمل اليومية".
ويضيف في حديثه لشفق نيوز "من المميزات الجمالية لهذه الأمكنة هي أنها تجمع بين أطياف المجتمع كافة، العمال والمثقفين والفنانين والسياسيين والشباب والشيوخ والمفكرين وحتى المتسولين".
وتابع حديثه "لذلك نجد أن صهولكه تؤثر على الرأي العام بشكل كبير، وتستغلها الأحزاب السياسية للدعاية الانتخابية لتمرير خطاباتها ودائما ما يحضر ممثلين عن الأحزاب، خاصة عندما اقتراب موعد الانتخابات للجلوس مع المواطنين في المقاهي الشعبية الموجودة في المنطقة".
أمسيات ثقافية
الصحفي علي التويجري، أكد لوكالة شفق نيوز؛ أن "صهولكه تعتبر تجمعاً للأدباء والشعراء والكُتاب والصحفيين والفنانين من السليمانية وكذلك القادمين من كركوك وأربيل وبغداد والمحافظات الاخرى، ويعتبر المكان نقطة التقاء لهم لتبادل آخر النتاجات الفكرية والأدبية والموسيقية".
ويرى التويجري أن "ما يميز صهولكه هو احتواءها على المقاهي الحديثة التي تضم مجموعة من المكتبات ووجود (الانتيكات) في هذا الشارع وأبرز تلك المقاهي التي يرتادها مجموعة كبيرة من المثقفين هو مقهى جمال عرفان ومقهى الأغا والتي تزدحم بروادها خاصة مساء يوم الجمعة".
وختم بالقول "يتم تبادل الأحاديث بين الحاضرين كلاً حسب اختصاصه، والجو العام يساعد على التفكير وإعطاء الرأي دون تعصب رغم وجود مختلف الأحزاب والتوجهات داخل هذا المكان، فالجميع يطرح رأيه بالأوضاع في كوردستان والعراق وعلى الاخرين احترام رأيه دون تنكيل أو استهانة".