شفق نيوز/ ما زال الكورد يعانون من آثار السياسات القمعية التي اقترفها النظام السابق بحقهم، ولعل أكثرها دموية وأبشعها صورًا تلك المتمثلة بجريمة الأنفال.
وعلى أطلال معسكرات الاحتجاز التابعة للجيش العراقي السابق وتحديداً في منطقة طوبزاوة (20 كم جنوب غربي كركوك)، تجمع العشرات من الكورد لإحياء الذكرى 36 لجريمة الأنفال سيئة الصيت والتي ارتكبت بحق آلاف العوائل والقرى التي جرى تدميرها، وهي جريمة إبادة جماعية أراد منها النظام المباد إجراء تغيير ديمغرافي في المناطق الكوردية.
ولازالت جدران المباني تحمل أصوات النساء والأطفال الذين احتجزوا في قاعاتها، ولا أحد يعلم حجم ما تعرض له الكورد من مأساة وظلم لتحولهم إلى مقابر جماعية او مرحلين عن مناطقهم، بحسب ذوي الضحايا.
ويقول ساطع ناصح (تولد 1972)، لوكالة شفق نيوز، وهو من أهالي قرية طوبزاوة وشاهد عيان، إنه يتذكر جيداً ما جرى من أحداث بتاريخ العشرين من آيار 1987"، موضحا أن "المكان الذي نقف على أرضه كان معسكرًا لجمع الاف العوائل الكوردية من قرى أطراف كركوك، حيث جمعتهم السلطات القمعية التابعة لنظام صدام، وكان يوضع في كل قاعة المئات من النساء والأطفال، ويمنع الاقتراب او الوصول اليهم من قبل سكان القرية آنذاك".
ويشير ساطع، الذي كان أحد المشاركين في وقفة احتجاجية أمام أطلال الجريمة، إلى أن "معسكر طوبزاوة كانت محطة أولية لجمع العوائل الكوردية، وتليها ترحليهم بسيارات عسكرية الى محافظات الجنوب، ونقل عدد منهم إلى السجون، فضلا عن إعدام آلاف منهم"، لافتا إلى أن "المقابر الجماعية وبعد مرور 21 عاماً على سقوط النظام الفاشي البعثي، لا زالت شاهدا على ما جرى".
ويشدد ناصح، على أن "هناك أمورا يجب حسمها من قبل الحكومة الاتحادية منها اتمام عملية إعادة رفات المؤنفلين في المقابر الجماعية التي ارتكبت بحق الكورد"، لافتاً إلى أن "جريمة الأنفال في ذكراها الـ 36 تفتح مواجع الكورد وهي ابشع صور الإبادة الجماعية ولازال الكثير منهم يعانون من اثارها ولم تراعي الحكومة العراقية هذه العوائل ولم تنصفهم".
ويقول هيمن حسيب، وهو أحد منظمي حملة الإبادة الجماعية ضد الكورد ، لوكالة شفق نيوز، أن "جريمة الأنفال بدأت في 22 شباط عام 1988، وكانت على ثماني مراحل قتل فيها آلاف الكورد عبر المقابر الجماعية التي ما زالت لم تكتمل عملية فتحها وإعادة رفات الكورد المؤنفلين الى مناطقهم".
وتابع أن "على الحكومة الاتحادية متمثلة برئيس الجمهورية ولكونه يمثل الدولة تقديم اعتذار رسمي لضحايا الأنفال كون الاعتذار واجب رئيس الجمهورية بصفته الحكومية وحسب القوانين الدولية التي تطالب منه تقديم الاعتذار لما اقترفه النظام البائد من جرائم بحق الكورد" وفق رأيه.
ودعا حسيب "الجهات الحكومية المسؤولة في المفوضية العليا لحقوق الانسان العراقية بضرورة إتمام فتح المقابر الجماعية الخاصة بالكورد وإجراء فحوصات DNA الخاصة بهم لغرض معرفة أهالي الضحايا"، مضيفا أنه "من غير المقبول بعد مرور 21 عاما على سقوط نظام صدام لم يتم حسم ملف المقابر الجماعية التي هي خير شاهد على هذه الجريمة".
وطالب حسيب "الحكومة الاتحادية بتنفيذ مشروع نصب الأنفال في اول موقع احتجزوا فيه، وهو معسكر طوبزاوه وتقديم 423 من المتهمين بعمليات الأنفال للمحاكمة حسب الأوامر الصادرة من المحكمة الجنائية الاتحادية لمعرفة من نال جزاءه ومن افلت من الحكم من جلاوزة النظام المباد".
فيما يقول فاضل عمر (55 عاماً)، وهو من أهالي قرية طوبزاوه لوكالة شفق نيوز، أن "سيارات عسكرية نوع (ايفا) كانت تنقل العوائل الكوردية ليلا الى سجون المعسكر التي مازالت شاهدة على حجم المأساة التي طالت النساء والأطفال وكيف تم دفنهم لاحقا وهم احياء في مقابر جماعية جنوب العراق".
وتمر اليوم، الذكرى الخامسة والثلاثين لجريمة الإبادة الجماعية "الأنفال" التي ارتكبها النظام العراقي السابق، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب الكوردي الأبرياء من المدنيين العزل، كما ودمر خلالها آلاف القرى.
وبدأت عمليات الأنفال منذ العام 1986 ووصلت أوجها العام 1988، واستمرّت حتى العام 1989.
وقد أوكلت قيادة الحملة - في حينها - إلى علي حسن المجيد المعروف بـ"علي كيمياوي" الذي كان يشغل منصب أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث المنحل وبمثابة الحاكم العسكري للمنطقة، فيما كان وزير الدفاع العراقي الأسبق، سلطان هاشم، القائد العسكري للحملة.
وتضمنت هذه الحملة سيئة الصيت، عمليات تهجير جماعية للكورد من قراهم في إقليم كوردستان ومناطق أخرى خارج الإقليم، إلى جانب عشرات عمليات الاعتقالات الجماعية وزج المدنيين من رجال ونساء وأطفال في السجون ليقضي بعضهم تحت التعذيب وآخرون تم إعدامهم جماعياً، كما جرى دفن العشرات وهم أحياء في مقابر جماعية، إلى جانب القصف الكيمياوي لحلبجة.
وفي 3 مايو/أيار 2011، اعتبرت محكمة الجنايات العليا العراقية، حملة "الأنفال"، "جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية"، وأدانت علي حسن المجيد، وزير دفاع النظام السابق، أيضاً بالإشراف على هجوم كيماوي شن على مدينة حلبجة.