شفق نيوز/ كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ومؤسسة "سيناء" لحقوق الإنسان، يوم الأربعاء، عن قيام السلطات المصرية بإبرام صفقات "عفو غامضة" مع أعضاء من تنظيم داعش في شمال سيناء، من دون الإفصاح عن المعايير التي اعتمدتها.
وبحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" نشرته على موقعها واطلعت عليه وكالة شفق نيوز، فإن الأدلة التي جمعتها المنظمتان والتصريحات العلنية للمسؤولين المصريين، تشير إلى أن السلطات منحت بعض أعضاء تنظيم "ولاية سيناء" التابعة لداعش "عفواً" مقابل إلقاء أسلحتهم وتسليم أنفسهم، إلا أن السلطات لم توضح ما إذا كانت لديها خطة لمحاكمة المشتبه في ارتكابهم انتهاكات خطيرة، مثل القتل الجماعي للمدنيين والإعدام خارج نطاق القضاء.
وقال المدير التنفيذي لمؤسسة "سيناء" لحقوق الإنسان، أحمد سالم، إن "العفو عن أعضاء الجماعات المسلحة الذين يلقون أسلحتهم يجب ألا يشمل أبدا أولئك الذين ارتكبوا عمدا جرائم خطيرة مثل استهداف المدنيين أو قتلهم عمدا، ويتعين على السلطات المصرية وضع استراتيجية وطنية لمحاكمات ولاية سيناء، بما يضمن عدم إفلات المسؤولين المباشرين عن الجرائم الخطيرة من العقاب".
ومنذ عام 2020، تشجع السلطات المصرية أعضاء ولاية سيناء على تسليم أنفسهم في إطار مبادرات أمنية بتيسير من زعماء القبائل المحلية في شمال سيناء، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية.
و"ولاية سيناء" هي جماعة صغيرة نسبياً استهدفت الجيش المصري والقوات الحكومية الأخرى والمدنيين منذ 2013.
وأعلنت الجماعة الولاء لداعش في 2014، وتراجعت حدة النزاع المسلح تدريجيا حيث فقدت ولاية سيناء معظم معاقلها بحلول 2020، ويبدو أنه قد تم القضاء عليها بالكامل تقريبا بحلول نهاية 2022، وفقاً لتقارير إعلامية وروايات السكان والتصريحات الرسمية، لكن الجيش والشرطة والفصائل المتحالفة مع الجيش وولاية سيناء ارتكبوا انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي ربما ترقى في كثير من الحالات إلى جرائم حرب.
رغم الوضع الهادئ نسبياً، تواصل السلطات إبقاء شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة حيث يُحظر تقديم التقارير المستقلة، استمر الجيش أيضا في منع عشرات الآلاف من السكان، الذين هجّرهم الجيش قسرا منذ 2013، من العودة إلى أراضيهم.
ولم تعلن السلطات رسميا عن استراتيجية العفو الخاصة بها ولا عن أساسها في القوانين المحلية، مع ذلك، أدلى المسؤولون في عدة مناسبات ببيانات تؤكد عمليات العفو.
وقال العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، في مقابلة هاتفية متلفزة في 15 أيار/ مايو 2022 مع "صدى البلد"، وهي قناة تلفزيونية موالية للحكومة، إن الجيش "يعامل جميع العناصر المشتبه بكونهم أعضاء في ولاية سيناء في شمال سيناء، الذين يسلمون أنفسهم لنقاط تفتيش أو وحدات الجيش بطريقة إنسانية".
وأضاف أن الجيش يوفر للذين يُسلمون أنفسهم "السكن والمأوى" بعد "التنسيق مع الجهات القضائية للتأكد من أنهم غير مطلوبين في أي قضية".
ولم يرد الجيش المصري على طلبات مكتوبة من "هيومن رايتس ووتش" للتعليق في 8 أيلول/ سبتمبر 2023.
بينما منحت السلطات عفوا للمشتبه بهم، فإنها عمدت بشكل غير قانوني إلى احتجاز وإساءة معاملة النساء والفتيات من أقارب الذكور المشتبه بانتمائهم إلى ولاية سيناء، حسبما وثقت "هيومن رايتس ووتش" ومؤسسة "سيناء" لحقوق الإنسان في تقرير في أيار/ مايو 2023، ويبدو أن احتجاز الأقارب كان يهدف إلى الضغط على الرجال لتسليم أنفسهم.
تشجع قوانين الحرب الدولية على أوسع نطاق ممكن لعمليات العفو عند انتهاء النزاعات المسلحة غير الدولية، مثل النزاع في شمال سيناء، بهدف تعزيز المصالحة والسلام. مع ذلك، تستثني هذه القوانين من العفو على وجه التحديد أي شخص مشتبه به أو متهم أو مدان بارتكاب جرائم حرب أو غيرها من الجرائم الدولية الخطيرة.
وقالت المنظمتان إنه" ينبغي للسلطات الإفصاح عن المعايير المستخدمة لمنح العفو والتدابير المتخذة لضمان تقديم المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة إلى العدالة".
بحسب تقارير موثوقة لوسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان ومقابلات مع السكان المحليين، عقد الجيش اتفاقا مع بعض شيوخ القبائل المحلية في شمال سيناء مفاده أنهم إذا أقنعوا الرجال الذين انضموا إلى ولاية سيناء بتسليم أنفسهم، سيتم استجواب هؤلاء الرجال على نطاق واسع، لكن لن تُوجَّه إليهم اتهامات أو يُسجنوا.
وأفاد موقع "مدى مصر"، وهو مؤسسة إعلامية مستقلة رائدة، أن "23 مقاتلا في ولاية سيناء سلّموا أنفسهم بوساطة من قادة محليين في 2020".
وقال الموقع إن "الأجهزة الأمنية وعدت بإطلاق سراحهم بعد بضعة أشهر".
وارتكبت ولاية سيناء جرائم مروعة، بما في ذلك اختطاف وتعذيب العشرات من السكان وعناصر القوات الأمنية، وإعدام بعضهم خارج نطاق القضاء.
وقال "المجلس القومي لحقوق الإنسان" الذي ترعاه الحكومة في 2018 إن 650 مدنيا قتلوا على يد مسلحي ولاية سيناء في السنوات الأخيرة، ولا يشمل ذلك حادثة عام 2017 التي قُتل فيها أكثر من 300 من رواد مسجد.
تحدثت "هيومن رايتس ووتش" ومؤسسة "سيناء" لحقوق الإنسان مع أحد أعضاء الفصائل الموالية للحكومة في شمال سيناء عام 2023، والذي حُجب اسمه حفاظا على سلامته، والذي قال إن قائدا عسكريا كبيرا في "الكتيبة 101"، العريش أبلغ الفصائل أنه أمر بتوزيع منشورات، اطلعت المنظمتان على بعضها، في جميع أنحاء المنطقة، تدعو المشتبه فيهم من ولاية سيناء إلى تسليم أنفسهم حتى تتمكن السلطات من الحصول على معلومات مفيدة.
في 19 تموز/ يوليو 2022، نشر "اتحاد قبائل سيناء"، وهو إحد الفصائل الرئيسية المتحالفة مع الجيش في شمال سيناء، على صفحته الرسمية على فيسبوك صورة لمنشور يبدو أنه منسوب للجيش المصري يُزعم أنه يُظهر زوجة وأطفال من يُشتَبه بانتمائهم إلى ولاية سيناء إلى جانب نص باللغة العربية يقول: "عائلاتكم (الزوجة -الأبناء) يعيشون حياة طبيعية (تعليم - مسكن - مأكل)، ولا ينقصهم سوى وجود رب الأسرة معهم".
ودعت النشرة أصحاب "العقول المخدوعة" إلى أخذ الورقة "النشرة" وتسليم أنفسهم إلى أقرب نقطة ارتكاز أمنية، ليضمنوا لهم "حياة آمنة".
في 2023، قابلت "هيومن رايتس ووتش" ومؤسسة "سيناء" لحقوق الإنسان أربعة من سكان شمال سيناء قالوا إنهم، بين 2020 و2021، شهدوا ثلاثة من أقاربهم وسكان آخرين في قراهم، وهم أعضاء سابقون في ولاية سيناء، يعيشون علانية إلى جانب أسرهم في محافظة الإسماعيلية المجاورة والمناطق المجاورة.
وقال السكان الأربعة إن "الأجهزة الأمنية قدمت لأولئك الأعضاء إعانات مادية شهرية وبطاقات هوية تسمح لهم بالتنقل بأمان داخل منطقة محددة سابقا".
وقال نفس عنصر الفصائل الموالية للحكومة إن "قريبه، الذي حُجِب اسمه حفاظا على سلامته، وهو من عناصر ولاية سيناء، استسلم للفصائل أواخر 2022 بعد مشاركتها في عملية عسكرية في قرية المقاطعة قرب مدينة الشيخ زويد".
وتابع أحد أفراد عائلة الرجل لعضو الفصائل إنه "اتصل بالعائلة في أوائل 2023 وأبلغهم أن قوات الأمن كانت تؤويه في مبنى سكني في الإسماعيلية لمدة ستة أشهر حتى يجيب على أسئلة ضباط الأمن، وبعد ذلك سوف يُطلَق سراحه لكن مع منعه من العودة إلى سيناء".
وذكر السكان الأربعة إنهم "شهدوا في 2015 و2016 اثنين من أقاربهم الثلاثة الذين يعيشون الآن في الإسماعيلية يشاركون في إعدامات