شفق نيوز / كشف مسؤولون وخبراء عسكريون أمريكيون، اليوم الجمعة، إن الحرب في أوكرانيا تحولت إلى "مبارزة بالمدفعية الفتاكة"، والجانب الذي يستطيع تأمين أكبر قدر ممكن من ذخيرة المدفعية في المعارك ستكون له "أفضلية الغلبة" في نهاية هذا الصراع.

ونشر موقع (Arabic post) في تقرير نشره إن "في سياق المساعي المحتدمة لتوفير القوة النارية، لجأت روسيا إلى ذخيرة عمرها نصف قرن وعمدت إلى تفكيك الأجهزة الكهربائية للمطابخ للحصول على الرقائق الدقيقة التي تحتاج إليها الدبابات والأسلحة دقيقة التوجيه. أما أوكرانيا، فتعتمد على الولايات المتحدة وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) للاستمرار في إمدادها بالأسلحة والذخيرة، لكن الأمر لم يعد يسيراً بعد أن امتدت الحرب ما يزيد على 10 أشهر حتى الآن".

التنافس على توفير الذخيرة عنوان الصراع بين روسيا وأوكرانيا

ويقول تقرير لشبكة NBC News الأمريكية"يستهلك كلا الجيشين آلاف الطلقات المدفعية كل يوم، وكلما طال أمد الحرب اشتدت صعوبة تأمين المزيد من الإمدادات لمواصلة القتال. ومن ثَمّ، فقد صار التنافس على توفير الذخيرة عنواناً للصراع بين المصانع العسكرية الروسية -المعزولة إلى حد كبير بسبب العقوبات الغربية- من جانب، والاقتصاد الأوكراني الذي دمرته الحرب ويسانده حلفاء الناتو من الجانب الآخر.

وقال أربعة مسؤولين أمريكيين حاليين ومسؤول سابق إن "روسيا تعتمد في إمداداتها العسكرية حالياً على مخزون من الذخائر التي يرجع عمرها إلى نحو 40 أو 50 عاماً، ومنها قذائف المدفعية من عيار 152 ملم التي تعاني القوات الروسية نقصاً في المعروض منها بالفعل".

وقال مسؤولان أمريكيان إن "موسكو استهلكت خلال 300 يوم من غزوها لأوكرانيا مخزونات أسلحة استغرق بناؤها ما يزيد على عقد من الزمان". وزعم المسؤول السابق أن "روسيا اضطرت إلى استخدام قنابل غير موجهة أو ما يُعرف بـ"القنابل الغبية" بعد أن أوشكت على استنفاد ذخائرها الأحدث عمراً".

ولا يُعرف على وجه التحديد عدد قذائف المدفعية وكميات الذخيرة التي تملكها روسيا في مخزوناتها، ولا الوتيرة المحتملة لإنتاج المصانع العسكرية الروسية ذخيرة جديدة. وفي الوقت نفسه، أكد كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية مراراً أن القوات الروسية تستهلك ذخيرتها بوتيرة تفوق قدراتها على إنتاج ذخائر جديدة، ومع ذلك فإنهم لم يقدموا أيضاً تقديرات محددة بشأن إمدادات أوكرانيا.

إلى أي مدى يمكن أن تصمد ذخيرة روسيا وأوكرانيا؟

واختلف الخبراء العسكريون في توقعاتهم بشأن الأجل المتوقع لنفاد الذخيرة الروسية، وتفاوتت تقديراتهم بين بضعة أشهر إلى أكثر من عام. فقالت دارا ماسيكوت، كبيرة باحثي السياسات في مؤسسة "راند" الأمريكية، إن "القاعدة الصناعية العسكرية لروسيا لا تزال سليمة. صحيح أنها تعاني تحت وطأة ضغوط شديدة بسبب العقوبات، لكنها لا تزال صامدة. وتسعى روسيا حالياً إلى إحكام سيطرتها على مقاليد صناعة الدفاع، لإنتاج المزيد من الذخيرة".

قال بول شوارتز، الباحث في الشؤون العسكرية الروسية بـ"مركز التحليلات البحرية" الأمريكي، إن المصانع الروسية تعمل على زيادة الإنتاج ومضاعفة نوبات العمل واستجلاب المزيد من القوى العاملة بإعلانات منشورة على الإنترنت".

ومع ذلك، يصعب عليها إنتاج الذخيرة بوتيرة كافية لمواكبة الكميات المستهلَكة في ساحة المعركة. وكان مسؤولون عسكريون أمريكيون قالوا الشهر الماضي إن روسيا تستهلك 20 ألف طلقة في اليوم، أما أوكرانيا فتستهلك ما بين 4 آلاف إلى 7 آلاف طلقة في اليوم. وبناء على ذلك، زعم شوارتز أن "الأمر صعب على روسيا وأوكرانيا، وأن كانت الأخيرة أحسن حالاً في هذا السياق؛ لأنها تحظى بالدعم الكامل من حلف شمال الأطلسي".

وتختلف ذخيرة المدفعية عن الأسلحة المتقدمة، فهي لا تحتاج إلكترونيات متطورة قد تكون خاضعة للعقوبات الغربية. لكن شوارتز لفت إلى أن صناعة الآلات الروسية تدهورت على مدار السنين الماضية، وهناك آراء تذهب إلى أن الوفاء بهذه الزيادات الكبيرة في الإنتاج تحتاج إلى آلات أكثر كفاءة وأعلى جودة لا تتوفر في روسيا ويجب استجلابها من خارج البلاد.

وقال ماسيكوت وخبراء آخرون إن أبرز سؤال مطروح الآن هو لمن تكون الغلبة في المنافسة على إنتاج الذخيرة، و"إلى متى يمكن أن يستمر حلفاء أوكرانيا في مساندتها بالوتيرة الحالية؟ وما قدرات قاعدة الصناعة العسكرية الروسية حقاً؟".

روسيا دمرت قدرات أوكرانيا على إنتاج ذخيرتها

لمَّا غزت القوات الروسية أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، وجدت أوكرانيا نفسها في موقف ضعف فيما يتعلق بإمدادات ذخيرة المدفعية، لا سيما أن مصانعها قد تعرضت لحملة تخريب واسعة على مدى سنوات. فبين عامي 2014 و2018، دمرت 6 انفجارات أكثر من 210 آلاف طن من مختلف أنواع الذخائر الأوكرانية، منها قذائف 152 ملم وصواريخ، بحسب ما أوردته دراسة أجراها "معهد رويال للخدمات المتحدة" في لندن. وقال نيك رينولدز، الباحث المشارك في التقرير والخبير في أبحاث الحروب البرية بالمعهد، إن هذه الحملة "كان لها تأثير كبير في تقييد قدرات أوكرانيا".

ما زالت أوكرانيا قادرة على إنتاج حصة مما تحتاج إليه من ذخائر مدافع هاوتزر ذات الأصول الروسية، وإن كانت الهجمات الروسية على شبكة الكهرباء والبنية التحتية في البلاد كبحت الكثير من قدراتها الصناعية. وقال الخبراء إن أوكرانيا تحتاج إلى شركائها الأجانب للحصول على قذائف تناسب قطع المدفعية الجديدة التي قدمتها دول الناتو، ويعمل جيران أوكرانيا في أوروبا الشرقية على البحث في مستودعاتها عن ذخائر من الحقبة السوفييتية.

في الوقت نفسه بدأت دول الناتو تستنفد مخزوناتها من الأسلحة والذخيرة بإرسالها إلى أوكرانيا، ومن ثم فقد طالب خبراء ومسؤولون عسكريون بأن تعمل الشركات العسكرية الغربية على زيادة إنتاجها من الذخيرة. ومع ذلك، يقول مسؤولون تنفيذيون في هذه الشركات إن المصانع تحتاج إلى بعض الوقت لكي تستطيع العودة إلى إنتاج ذخائر الأسلحة التقليدية التي كانت توصف حتى وقت قريب بأنها قد عفا عليها الزمن ولم تعد مناسبة لحروب المستقبل.

على الرغم من ذلك، يقول رينولدز إن حكومات الناتو وشركات السلاح الغربية استغرقت وقتاً أطول من اللازم في التخطيط لزيادة الإنتاج، و"يبدو أن النقاشات تجري بالفعل، لكنها تجري ببطء شديد. وكان الواجب عليهم أن يسرِّعوا وتيرة الأمر بعد بدء الحرب".

قالت كريستين ورموت، وزيرة شؤون الجيش الأمريكية، هذا الشهر، إن الصناعات العسكرية الأمريكية ستزيد إنتاج ذخيرة المدفعية عيار 155 ملم إلى 14 ألف قذيفة شهرياً بحلول الربيع المقبل، ثم إلى 40 ألف قذيفة شهرياً في عام 2025.

الحزم الغربية قد تكفي أوكرانيا من 6 إلى 9 أشهر

أعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن إمداد أوكرانيا بما يساوي 275 مليون دولار أخرى من المساعدات العسكرية، ومنها إمدادات من الذخيرة. وقدمت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من مليون طلقة مدفعية. وتقدمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمشروع قانون إنفاق يتضمن مخصصات بقيمة 37.7 مليار دولار لأوكرانيا. ويقول مسؤولون غربيون إن حزمة المساعدات الأمريكية، والإمدادات الأوروبية، يُتوقع أن تلبي احتياجات أوكرانيا لنحو 6 إلى 9 أشهر مقبلة.

أقرَّ كولين كال، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للسياسات، بأن الإمداد الهائل بالأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا استنزف مخزونات الولايات المتحدة وحلفائها. وقال في ندوة أجراها عبر الإنترنت: "مشروع جامعة جورج واشنطن للإعلام والأمن القومي"، لا شك في أن هذه الإمدادات تستنزف مخزوناتنا، و"تستنزف مصانعنا، وكذلك الأمر عند حلفائنا".

وفي هذا السياق، قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، لصحيفة The Wall Street Journal الأسبوع الماضي، إن الاستهلاك الهائل للأسلحة والذخيرة في أوكرانيا استحث قادة البنتاغون على الشروع في مراجعة لخطط الطوارئ والمخزونات العسكرية الموضوعة لمواجهة النزاعات المستقبلية، والتدقيق في "صحة الحسابات" السابقة.

وذكر مسؤول عسكري أمريكي بارز أن رئيس هيئة الأركان المشتركة أبدى قلقه من احتمال أن تكون الولايات المتحدة قد اكتفت بتخزين "كميات أقل مما قد تحتاج إليه في حرب قادمة"، وأشار إلى وجوب مراجعة استعدادات البلاد لمواجهة أكثر من نزاع في وقت واحد.