شفق نيوز/ على مدى السنوات الماضية شهدت تركيا هجمات عدة منها ما استهدف
مواقع مدنية وشوارع مأهولة بالمارة وأخرى طالت مراكز أمنية كانت في غالبيتها
للشرطة، لكن الحادث الذي عاشته عاصمتها أنقرة أمس الأربعاء بدا مختلفا ومفاجئا
و"حساسا" لاعتبارات عدة، أولها أنه ضرب مجمعاً كبيراً للصناعات الدفاعية
فيما ارتبط الاعتبار الثاني بعامل "التوقيت".
الهجوم الذي استهدف بالتحديد شركة الصناعات الجوية والفضاء التركية (TUSAŞ) أسفر عن 5 قتلى و22 مصابا حالة البعض
منهم خطرة، ومن زاوية التوقيت فإنه جاء بعد 24 ساعة من مبادرة استثنائية وجهها
زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت باهتشلي لمؤسس حزب "العمال الكوردستاني"
المسجون، عبد الله أوجلان.
ومن خلال المبادرة اقترح باهتشلي، وهو حليف الرئيس التركي، رجب طيب
إردوغان، على أوجلان أن يلقي خطابا في البرلمان التركي ويعلن فيه "إنهاء
الإرهاب وإلقاء السلاح" مقابل الحصول على "حق الأمل" الذي تنص عليه
المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هجوم شركة "توساش" للصناعات
الدفاعية حتى ساعة نشر هذا التقرير، لكن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا قال،
الخميس، إنهم تعرفوا على هوية اثنين من المنفذين وإنهما "ينتميان لحزب العمال
الكوردستاني".
وجاء ذلك بعد ترجيحات أولية عن ضلوع حزب "العمال" بالهجوم، وفي
أعقاب إعلان وزارة الدفاع التركية عن تنفيذ سلسلة هجمات استهدفت مواقع الأخير في
سوريا والعراق.
هجوم "توساش"
ويوضح الباحث السياسي والأمني التركي، عمر أوزكيزيلجيك أن الهجوم على مجمع
الصناعات الجوية والفضائية "له رمزية كبيرة"، لأن هذا الموقع هو في
الأساس "قلب صناعة الدفاع التركية".
كما يقول إن "الهجوم على هذه المنطقة المعزولة والمخصصة للصناعات
الدفاعية الجوية كان مفاجئا وغير متوقع".
ويقع المجمع الخاص بشركة "توساش" على بعد 40 كيلومترا من مركز
العاصمة أنقرة.
وكان قد تأسس في سبعينيات القرن الماضي، وفي 2005 تحول إلى منشأة تركية
خالصة بعد أن كانت تتم فيه عمليات تطوير وإنتاج قطع طائرات "إف 16"
الحربية بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية.
بعد العام الذي تحول فيه إلى منشأة تركية خالصة بامتياز بدأت في "توساش"
عمليات تصنيع وتطوير الطائرات المحلية، وخاصة بدون طيار. ومؤخرا انطلقت منه أولى
التجارب المتعلقة بهذا المجال والخاصة بطائرة "قآن" الحربية التي طالما
قال إردوغان إن ميزاتها تضاهي "إف 16".
ويشير أوزكيزيلجيك إلى أن المجمع الذي تعرض للهجوم المسلح وبالقنابل كان
منذ سنوات "أحد الشركات الكبرى لإنتاج المسيرات، التي أثبتت فعاليتها الهائلة
في مكافحة الإرهاب، والتي أعطت تركيا شهرة في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار".
وترى مديرة مكتب صحيفة "ديلي صباح" في أنقرة، ديلارا أصلان أن
"اختيار حزب العمال الكوردستاني
(لتوساش) كهدف هو أيضا رسالة، لأن الجيش التركي يستخدم الطائرات التي تصنع في
الشركة لقصف أهدافه بدلا من العمليات البرية".
التداعيات
من المثير للاهتمام أن هجوم "توساش" الذي نفذه رجل وامرأة، جاء
بعد 24 ساعة من المبادرة التي طرحها الزعيم القومي باهتشلي على أوجلان المسجون في
جزيرة إمرالي ببحر مرمرة.
ومع ذلك لا يعتقد الباحث التركي أوزكيزيلجيك أن "الهجوم كان مخططا له
قبل 24 ساعة".
ويعتقد أنه "ربما تم التخطيط له لفترة أطول من الزمن، لكن القرار أو
الأمر بتنفيذه صدر على الأرجح في غضون اليوم الأخير بعد بيان باهتشلي، ويعطي ما
سبق مؤشرا على أن "العمال الكوردستاني" ليس راغبا ولا راغبا في التخلي
عن نفسه وحل نفسه.
ويضيف الباحث التركي أن الهجوم مؤشر أيضا على أن الحزب المحظور في تركيا
والمصنف على قوائم الإرهاب لديها ولدى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية
"ليس راغبا في حل نفسه، حتى لو دعا عبد الله أوجلان إلى ذلك".
واللافت في أعقاب مبادرة باهتشلي والهجوم الذي استهدف "توساش"
إعلان عائلة أوجلان عن زيارة له لأول مرة منذ 4 سنوات، وكتب ابن أخيه عمر أوجلان
عبر "إكس" صباح الخميس أن "الزيارة جرت في إطار عائلي".
وأوضح في المقابل أن عبد الله أوجلان وهو مؤسس "العمال الكوردستاني"
أجرى تقييما للتطورات السياسية العامة وطلب إيصال رسالة للجمهور مفادها:
"العزلة مستمرة. إذا توفرت الظروف، لدي القوة النظرية والعملية لنقل العملية
(في إشارة لقضية الحل) من أرضية الصراع والعنف إلى الأرضية القانونية والسياسية"
وتعتقد الصحفية ديلارا أصلان أنه "يمكن اعتبار هجوم (توساش) بمثابة
الإجابة الأولى التي قدمها حزب العمال لعملية السلام الجديدة المقترحة. هو يعني
(لا) واضحة وأن أوجلان لا يستطيع اتخاذ هذا القرار بمفرده"
ولكن في المقابل يبرز بديل آخر بحسب الصحفية، إذ "يبدو أن هذا الفعل
(الهجوم) لم يكن بقرار حزب العمال الكوردستاني بأكمله، بل من مجرد جناح عمل مستفز".
وتضيف أصلان أن المزيد من التفاصيل قد تظهر في الأيام المقبلة حول ما إذا
كان "العمال الكوردستاني" سيستجيب لدعوات زعيمه المؤثر حتى الآن أوجلان.
ولم تلبث أن بدأت أصداء مبادرة باهتشلي تتردد داخل أوساط الحكومة والمعارضة
والأحزاب الكوردية حتى ضرب الهجوم مجمع الصناعات الدفاعية
وتعرض باهتشلي بعد إطلاق مبادرته لتأييد وانتقاد في آن واحد.
وعلى الضفة المقابلة كانت الأحزاب الكوردية وعلى رأسها "ديم" قد
تلقف مبادرته بإيجابية حذّرة.
وفي غضون ذلك وبعد حصول الهجوم على "توساش" نشر الزعيم الكوردي
المسجون، صلاح الدين ديميرتاش رسالة عبر "إكس" قال فيها إنه سيدعم أي
مبادرة من زعيم "العمال الكوردستاني" المسجون أوجلان لإجراء محادثات
سلام مع الحكومة التركية.
وبعدما دان ما حصل في أنقرة أضاف أن "العقلية التي تحاول أن توقف
بالدم البحث عن حل مشاكلنا عبر الحديث والحوار والسياسة يجب أن تعلم أنه إذا قام
أوجلان بمبادرة وأراد تمهيد الطريق للسياسة، فإننا سنكون خلفه بكل ما أوتينا من
قوة".
وتعتبر الصحفية أصلان أن حادثة مجمع الصناعات الدفاعية "تظهر بوضوح أن
مبادرة السلام الجديدة ستكون عملية صعبة"، ويرتبط عامل الصعوبة بـ"وجود
العديد من الجهات الفاعلة القادرة على تخريبها".
"توافق غير مسبوق"
وحتى الآن تدعم جميع الأحزاب السياسية ذات الصلة، حزب "العدالة
والتنمية"، وحزب "الحركة القومية"، وحزب "الشعب
الجمهوري"، وحزب "الديمقراطية والمساواة" (ديم) مبادرة باهتشلي
لأوجلان.
وتشير أصلان إلى أنه "هذه هي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي نرى
فيها هذا التوافق".
وتعتبر ما سبق "ميزة كبيرة مقارنة بالعملية السابقة (لحل القضية الكوردية
عن طريق السلام) في الفترة 2013-2015".
ومن ناحية أخرى تقول مدير مكتب "ديلي صباح" أن الأيام المقبلة
"ستظهر ما إذا كان الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني (وحدات حماية
الشعب) سيستمع إلى أوجلان، حيث لديهم بالفعل منطقة ذات حكم ذاتي ودعم قوي من
الولايات المتحدة وقد لا يكونون على استعداد للتخلي عن كل شيء".
وتتهم أنقرة "وحدات حماية الشعب" في سوريا بالارتباط بـ"حزب
العمال الكوردستاني"، وتنفي هذه الجماعة التي تشكل العمود الفقري
لـ"قوات سوريا الديمقراطية" ذلك.
وكانت الهجمات التي نفذتها تركيا بعد هجوم "توساش" استهدفت مواقع
عدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال وشرق سوريا، ليل الأربعاء – الخميس. وهي
ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها هذه المناطق لقصف من جانب تركيا، التي تقول
إنها ضرباتها تطال قادة ومسؤولين في "العمال الكوردستاني".
المصدر: الحرة