شفق نيوز/ أعلن الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، يوم الأربعاء، إطلاق ما وصفه بـ"صيحة فزع" من  تصاعد جرائم القتل ضد النساء في المجتمع التونسي، تزامنا مع اليوم الوطني للمرأة الذي تخلده التونسيات، يوم 13 أغسطس من كل سنة.

‎وذكرت المنظمة النسائية غير الحكومية، في بيان، ان الأمر يتعلق بـ"ظاهرة خطيرة أصبحت تهدد المجتمع"، وتتنامى حتى "أصبحنا نستيقظ كل يوم على وقع فاجعة جديدة لتقتيل النساء"، محمّلة مسؤولية هذا الوضع لـ"ضعف آليات حماية النساء ضحايا العنف وبطء الإجراءات وغياب التوعية".

‎وتعالت خلال الأشهر الأخيرة الأصوات المطالبة بالحزم في تفعيل القوانين القائمة وتعزيز آليات الحماية للنساء المعرضات للخطر، كما تدعو حقوقيات تونسيات إلى ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للعنف ضد السيدات، بما في ذلك مواجهة المفاهيم الاجتماعية السلبية وتعزيز المساواة بين الجنسين.

‎رئيسة جمعية "المرأة والريادة"، سناء فتح الله غنيمة، تؤكد أن هناك "تناميا مخيفا" لحالات قتل النساء خلال السنوات الخمس الأخيرة، بحسب إحصاءات المنظمات غير الحكومية وباعتراف من المؤسسات الرسمية في البلاد.

‎وكشفت دراسة جديدة أن عدد حوادث قتل النساء المسجلة في تونس، بلغ خلال العام الجاري، 24 جريمة، لافتة إلى أن نسبة 54 بالمئة من هذه الجرائم نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهن.

‎وأوضحت الدراسة التي حملت عنوان "سكاتنا قاتل" (سكوتنا قاتل)، أعدتها وحدة العمل الاجتماعي التابع للمنظمة المذكورة، أنه فيما يتعلق بباقي الجرائم، وصلت "نسبة المنفذة ضد أمهات 21 بالمئة، و8 بالمئة ضد الأخت أو الابنة، و4 بالمئة ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم".

‎ويقدم تقرير لجمعية "أصوات نساء" و "جمعية المرأة والمواطنة بالكاف"، أرقاما أقل بشأن عدد هذه الجرائم خلال السنة الجارية، كاشفا  أنه  يصل إلى 13 حالة.

‎غير أن الجمعيتين تدقان بدورهما ناقوس الخطر مما تصفاته بـ"ارتفاع منسوب العنف المسلط  وتزايد جرائم قتل النساء"، مشددتين على أن البلاد تعيش على وقع "مناخ شعبوي، محافظ ومتسلّط".

‎وأبرزت المنظمتان، أن "هذا المناخ عزز التسامح والتطبيع مع العنف القائم على النوع الاجتماعي، وعمق حالة الإفلات من العقاب، وغيب السياسات الناجعة التي من شأنها أن تكافح هذه الظاهرة وتحمي النساء وتتعهد بهن".

‎في هذا الجانب، تقول الناشطة الحقوقية التونسية، في تصريح لموقع "الحرة"، إن أكثر ما يقلق التونسيات يبقى "التراخي الحاصل من السلطات وأجهزة إنفاذ القانون في الاهتمام بالعنف المسلط على النساء والذي أصبح يصل إلى حالات أشد خطوة، متمثلة في القتل".

‎من جهتها، توضح المحامية التونسية وعضوة الاتحاد الوطني للمرأة، صبيحة بن علي، أن العدد المتصاعد لحالات قتل النساء "يعود إلى ظروف خاصة ترتبط بكل حالة، إضافة إلى موروثات اجتماعية وثقافية تطبّع مع العنف".

‎وتضيف المحامية التونسية في حديث لموقع "الحرة"، أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتازها البلاد والتي أدت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية لعدد من الأسر، قد يكون أيضا سببا  يفسّر تصاعد حالات العنف ضدهن، باعتبار أنهن الحلقة الضعيفة، وسط هذه المعادلة".

‎وفي أحدث جريمة ترتبط بحالات تقتيل النساء، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في تونس عن توقيف شخص في منطقة الكرم الغربي القريبة من العاصمة، بعد أن أردى زوجته طعنا.

‎وأفاد المصدر ذاته، بأن "النيابة العمومية بتونس أذنت بالاحتفاظ بشخص بجهة الكرم الغربي من أجل القتل العمد، بعد أن عمد إلى توجيه طعنات لزوجته وأرداها قتيلة".

‎الحقوقية التونسية، فتح الله غنيمة، ترتبط تكرار هذا النوع من الجرائم بشكل شبه أسبوعي، إلى "عدم معالجة إشكالات العنف ضد النساء بأبعاده المادية والنفسية المختلفة، منتقدة "حالة اللامبالاة التي تواجه بها الظاهرة".

‎وتقول المتحدثة ذاتها إن الأكثر إثارة للقلق هو طبيعة الأحكام الصادرة ضد الجناة في ملفات قتل النساء، والتي تكشف أنها "ليست بالصرامة التي توازي حجم المصيبة".

‎وتوضح أن "القضاء لا يردع هذا النوع من الجرائم للحد منها، وذلك بإصداره أحكاما مخففة في مجموعة من القضايا".

‎وتقدّم غنيمة مثال "صدور حكم بعام سجنا ضد رجل قتل زوجته الأم لثلاثة أطفال"، مشيرة إلى أنه "لا يجب أن تكون هناك أي ظروف تخفيف في هذا النوع من الجرائم".

‎وطالب بيان اتحاد المرأة التونسية بـ"مواجهة هاته الظاهرة وتطوير آليات الحماية المنصوص عليها في القانون ذي الصلة ووضع مناهج تعليمية وتربوية وثقافية تهدف إلى نبذ العنف والتمييز ضد النساء، وترسخ مبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والتربية الجنسية والنفسية.

‎وبشأن التدابير اللازم اتخاذها في مواجهة أو التصدي لما تصفه المنظمات التونسية بـ"ظاهرة قتل النساء"، تقول المتحدثة ذاتها، إن "من الضروري التنزيل الحقيقي والعملي لقانون مناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء والتوعية به".

‎وأقرّت تونس في العام 2017 قانون 58 الذي وع بشكل كبير أشكال العنف الممنوع، كما عاقب التحرش الجنسي في الأماكن العامة ووفر نظريا دعما قانونيا وماديا للضحايا.

‎ونص القانون على عقوبات مادية وأحكام مشددة بالسجن ضد المخالفين، ويفرض على الدولة تأمين الحماية للمعنَّفات، علاوة على توفير الرعاية الصحية والنفسية والقانونية في مواجهة ظاهرة العنف.

‎ويُلزم القانون السلطات بتوفير "الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف الممارس ضد المرأة بما يكفل أمنها وسلامتها وحرمتها الجسدية والنفسية".

‎في هذا الجانب، تقول غنيمة، إن بالرغم من أهمية وقوة هذا القانون، "نشهد تقاعسا في تطبيقه وتنفيذه من طرف مؤسسات الدولة بالصرامة والجدية اللازمتين"، على الرغم من أن ذلك يمثل "مدخلا أساسيا لإنقاذ النساء من العنف الذي يتطور في بعض الحالات إلى جرائم القتل".

‎وفي الوقت الذي تثمّن فيه المتحدثة الجهود الكبيرة المبذولة  من طرف منظمات المجتمع المدني، تشدّد على أنها تبقى "غير كافية" مقارنة بما يمكن أن تنجزه هيئات وأجهزة الدولة وتقدّمه من أجل وضع حد لنزيف أرواح سيدات بريئات.

‎بدورها، تلفت المحامية بن علي، إلى ما تصفه بـ"تراجع المكتسبات الحقوقية التي حققتها النساء التونسيات على مدار عقود، خلال العشرية الأخيرة"، وذلك بعد أن كانت أوضاعهن الاقتصادية وحقوقهن السياسية والاجتماعية الأكثر تطورا بدول المنطقة".

‎وتؤكد أيضا على "سوء تنزيل قانون مناهضة العنف الذي يواجه عراقيل جمّة، بالرغم من الجهود التي تبذلها الوزارة الوصية".