شفق نيوز/ تسبب "خطأ فادح" ارتكبه جنرال روسي قبل أشهر في تعريض حدود بلاده الغربية للخطر، واقتحام القوات الأوكرانية المفاجئ لمنطقة كورسك في السادس من أغسطس الجاري، في أكبر توغل داخل أراضٍ روسية منذ الحرب العالمية الثانية.
وهذا الأمر كشف عن "ثغرات" في الدفاعات الروسية، وأوجه قصور السلطة في الكرملين، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول في أجهزة الأمن الروسية لم تذكر اسمه، قوله إنه في ربيع هذا العام، اتخذ الجنرال ألكسندر لابين وهو المسؤول العسكري الجديد الذي عينته موسكو للإشراف على الأمن في إقليم كورسك، قراراً بتفكيك المجلس المُكلّف بحماية المنطقة الحدودية المعرضة للخطر. وقال الجنرال إن "المؤسسة العسكرية وحدها لديها القوة والموارد اللازمة لحماية الحدود الروسية".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطة "تركت ثغرة أخرى في الدفاعات الروسية الهشة"، التي انهارت في مطلع هذا الشهر، عندما شنت القوات الأوكرانية هجوماً مباغتاً عبر الحدود إلى كورسك.
وعبرت القوات الأوكرانية الحدود لتجد القوات الروسية في "حالة من الفوضى"، وظلت تتقدم إلى درجة أنهم يقولون إنهم يحتلون الآن أكثر من 400 ميل مربع (نحو 644 كم) من الأراضي الروسية.
لكن في واقع الأمر، لابين لم يفتح بمفرده الأبواب أمام أول غزو أجنبي للأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ كان يواجه عجزاً شديداً في القوة البشرية؛ لكن الصحيفة قالت إن "زلة" الجنرال هي "سمة من سمات كبار الضباط المنعزلين عن واقع ساحة القتال"، الذي تعاني منه موسكو الآن في سعيها لإبعاد القوات الأوكرانية من أراضيها.
ومنذ بداية الحرب، تسبب "التفكير المركزي من أعلى إلى أسفل" في روسيا، الذي يُعد أحد السمات المحدِدة لروسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، في نتائج عكسية في ساحة القتال، إذ عرقلت هذه السياسة التخطيط الرصين في الكرملين، وعندما فشلت تلك الخطط، منع ذلك القوات الروسية من الارتجال والمبادرة للرد على التطورات المتسارعة، بحسب الصحيفة.
"سلطة عمودية"
وفي هذا الإطار قال ويليام كورتني، وهو دبلوماسي أميركي سابق وزميل في مؤسسة "راند" البحثية، إن "تسلسل السلطة العمودي الذي وضعه بوتين لا يزال قائماً، ولكنه يعمل الآن ضد أهداف روسيا على الأرض"، مضيفاً أنه مع صدور جميع الخطط الروسية عن قمة هرم السلطة فإن استجابتها للأحداث غير المتوقعة والمتسارعة تكون "قاصرة وبطيئة إلى درجة لا يمكن تصديقها"، إذ لا يتولى أحد على الأرض زمام المبادرة.
ووفقاً للصحيفة، ليس من الواضح ما إذا كان المجلس الذي حله الجنرال لابين، وهو هيئة تضم ضباطاً عسكريين إلى جانب مسؤولي أمن محليين ومسؤولين على مستوى المقاطعات وتتشارك فيه عدة وكالات، كان سيساعد في تنظيم رد فعل متماسك من قبل موسكو.
ولكن بدون هيئة مركزية مسؤولة عن الرد الروسي، فإن جهود موسكو لطرد قوات كييف تشوبها حتى الآن حالة "فوضى وانعدام للفعالية"، ما ترك الوكالات الأمنية الروسية مثل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الفيدرالي المسؤولان عن الأمن الداخلي، ووزارة الدفاع الروسية، المسؤولة عن القتال داخل أوكرانيا "في حالة تنافس لقيادة الرد الروسي"، وفق "وول ستريت جورنال".
سيناريو مفاجئ
بدوره، قال كونراد موزيكا، مدير شركة Rochan Consulting للاستشارات، التي تركز على الجيش الروسي، ومقرها بولندا: "في موسكو لم يعتقدوا ببساطة أن سيناريو كهذا يمكن أن يحدث".
وأضاف أن الخطة الدفاعية "كانت كارثية تماماً مثل الغزو الروسي الأولي نفسه، عندما أرسل مخططون عسكريون، اعتمدوا على معلومات استخباراتية خاطئة، وقناعة بأن الجيش الأوكراني سينهار تحت ضغط الغزو الروسي الشامل، طوابير مدرعة إلى أوكرانيا في تشكيل عرض عسكري، ما جعلها أهدافاً سائغة للمسيرات والأسلحة المضادة للدبابات".
وبالمثل، عندما توجه الجنود الأوكرانيون إلى روسيا، كانت أول مقاومة مسلحة يواجهونها من قبل فوج البنادق الآلية 488 التابع للواء البنادق الآلية 144، وهي وحدة تتكون بأكملها تقريباً من مجندين إلزاميين، الذين لا يفترض بهم، وفقاً للسياسة الروسية، القتال داخل أوكرانيا. واستنزفت متطلبات الجبهة القوة البشرية وموارد القوات الروسية.
"تجريد لابين من رتبته أوسمته"
وفي أعقاب هذه الكارثة، دعا الزعيم الشيشاني رمضان قديروف إلى استقالة لابين، قائلاً: "أود خفض رتبة لابين إلى جندي، وتجريده من أوسمته، وإرساله إلى الخطوط الأمامية ببندقية آلية".
واعتبر بعض المراسلين العسكريين الروس أن هذا الانتقاد "غير منصف"، لأن لابين نقل مؤخراً إلى المنطقة التي انهارت فيها الخطوط الروسية. ومع ذلك، عُزل لابين من منصبه قبل إعادة تعيينه في وقت لاحق نائباً لقائد القوات الروسية في أوكرانيا.
وكان هذا الفشل الذريع سبباً في دفع الكرملين إلى إعادة التفكير في مشكلة قوته البشرية، وبعد شهر، بدأت روسيا بالفعل عملية تعبئة عامة لتعزيز دفاعاتها الهشة. ومنذ ذلك الحين، أدت الحوافز المالية للتعاقد إلى استمرار تدفق المتطوعين على مكاتب التجنيد الروسية بمعدل نحو 1000 متطوع يومياً.
توغل كورسك
وتسعى القوات الأوكرانية إلى التقدم في منطقة كورسك الروسية بعد هجوم مفاجئ عبر الحدود بدأ في السادس من أغسطس، بينما ما زالت القوات الروسية تمضي قدماً في هجومها في شرق أوكرانيا.
وأعلنت روسيا بشكل منفصل عن تشكيل مجموعات عسكرية جديدة في كورسك ومنطقتين حدوديتين أخريين في محاولة لصد التوغل دون تحويل القوات من خطوط المواجهة في عمق أوكرانيا. وتوعد بوتين بتوجيه رد "مناسب" عليه، لكنه لم يفصح بعد عما سينطوي عليه ذلك الرد.
وقال وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، الثلاثاء، إن هيئة تنسيق جديدة بدأت "بالفعل" العمل على مدار الساعة للتنسيق بين السلطات الإقليمية وقادة القوات ووزارة الدفاع.