شفق نيوز/ التحق ديفيد كيندريك بالجيش الامريكي في العام 2006، وتمكن قناص عراقي من إصابته بجروح بليغة في العام 2007، وتبدلت حياته جذريا من بعدها، لكنه اصبح ملهما ومحاضرا مخضرما حول الصحة النفسية لصدمات ما بعد الحروب، لكنه يروي تجربة معاناته ويختصرها بقوله "عندما اكون في موقف للسيارات، اشعر ان القناص ينظر الي من خلال منظار بندقيته، ويصبح جسدي ساخنا وأتصبب عرقا".
ونشرت صحيفة "هافنغتون بوست" الامريكية مقالا لديفيد كيندريك الذي كان في العشرين من عمره في حزيران/يونيو 2007 عندما اصابه رصاص قناص في العراق اثناء خدمته ككشاف في سلاح الفرسان في الجيش الامريكي، حطمت عظم الفخذ وقطعت الشريان والعصب الوركي.
وكتب كيندريك "استلقيت في سريري لمدة ثلاثة اشهر بينما كنت ادخل وأخرج من غرف العمليات. واستغرق الامر 17 عملية جراحية قبل ان اعود مكتملا، جسديا على الاقل"، مضيفا "تركت قطعا من نفسي في العراق في ذلك اليوم - بالمعنى الحرفي والمجازي".
وتابع قائلا ان "اضطراب ما بعد الصدمة يؤثر على الشخص بعد تجربة او حدث مؤلم. ووفقا لمايو كلينك، فهناك مشاعر الخوف والقلق والغضب والاكتئاب والشعور بالذنب، وكلها ردود فعل للصدمة، وشعرت منذ يوم الاصابة، بكل هذه المشاعر الخمسة".
وتابع قائلا "أخاف ان يطلق قناصي النار علي مرة اخرى.. هذا سيناريو خاص شخصي بالنسبة لي"، مضيفا "لكن يمكنني ان اؤكد ان هناك الالاف من قدامى المحاربين الاخرين الذين يمرون بالشيء نفسه".
واشار الى ان اضطراب ما بعد الصدمة يشكل بالنسبة الى المحاربين القدامى اكثر من مجرد خوف من الضجيج العالي او ضوضاء الالعاب النارية او السيارات، موضحا ان المدني قد يكون مصابا باضطراب ما بعد الصدمة بعد حادث اصطدام بالسيارة، لكن بالنسبة الى المحاربين القدامى، فان الاحداث المسببة للصدمة يمكن ان تكون عبارة عن عبوات ناسفة، او تفجير عربات "هامفي"، او اسقاط مروحيات، او كما في حالته، اطلاق النار من قبل قناص.
واعتبر ان مثل هذه الاحداث "غالبا ما يسترجعها المحاربون القدامى لبقية حياتهم". وتابع ان هناك من يخشى منهم مغادرة منزله ليكون وسط حشد من الناس، وان العلاقات مع الاصدقاء وافراد العائلة تتأثر بدرجة كبيرة حيث يواجه الازواج صعوبة في اعادة التواصل مع زوجاتهم ، ويواجه الاباء والامهات من المحاربين القدامى صعوبة في بناء علاقات مع اطفالهم، ويحيا المحارب القديم مع افكاره وحيدا، ويشعر انه محاصر داخل رأسه مع ذكرياته، وفي وقت لاحق قد يصبح المحارب القديم "أسوأ عدو لنفسه".
وتابع انه بعد مغادرة منطقة حرب يستغرق الامر وقتا حتى تعتاد على التواجد في بيئة طبيعية مرة اخرى، ويستغرق الامر وقتا لاظهار الحنان والتعاطف تجاه الاخرين، ولكي تدرك انه ليس كل شيء يحاول الحاق الاذى بك او قتلك".
واضاف "قلت سابقا انني اخاف باستمرار من اطلاق النار من قبل قناص مرة اخرى. وفي رايي، فان السبب في ان قناصي لم يقتلني في العراق هو انه ارادني ان اتعافى واعيش حياة صحية وطبيعية. واعتقد انه عندما اكون اكثر سعادة ، وكل شيء على ما يرام في حياتي، فانهم سوف يطلقون النار علي مجددا، وهذه المرة سينهون المهمة".
وبعدما تساءل عن "مدى احتمال ان يكون هذا صحيحا"، اشار الى ان الاحتمالات قريبة من 0٪، وانه برغم ذلك، في كل مرة يشعر بوجود شخص ما يقف خلفه، وفي كل مرة يجد نفسه في موقف للسيارات، اشعر ان قناصي لا يزال موجودا بالانتظار".
واوضح ان خلال جلسة العلاج النفسي، سأله الطبي المختص :"لماذا مواقف السيارات؟"، وقال له "اعتقد انه الفضاء المفتوح. عندما اكون في موقف للسيارات ، اشعر ان قناصي ينظر الي من خلال منظار بندقيته. يصبح جسدي ساخنا واتصبب من العرق، واشعر بالم وهمي في ساقي وكانني اصبت مرة اخرى، واتخيل انني اسقط أرضا كما فعلت في ذلك اليوم في العراق".
والان يذهب كيندريك الى جلسات العلاج الجماعي الاسبوعية مع المحاربين القدامى للحديث عن الاشياء التي تؤرقه في حياته، ويتناول مضادا للاكتئاب. وهو يقول انه يحاول احاطة نفسه باشخاص رائعين يبدون اهتماما بصحته العقلية. لكنه قبل ذلك عانى من الادمان على الكحول الذي قال انه "دمر حياته"، وطرد من وظيفته وفقد العديد من الاصدقاء وازداد وزنه بشكل كبير، مشيرا الى ان العديد من قدامى المحاربين يسيئون استخدام المواد المخدرة والكحول ليتعاملوا مع الصدمات الجسدية والنفسية الناتجة عن الحرب.
ولا يقتصر الامر على ذلك، اذ ان هؤلاء الذين حالفهم الحظ بما يكفي للنجاة من الصدمة، يشعرون بذنب الناجين ويرددون احيانا "كان يجب ان اكون انا" في اشارة منهم الى انهم فقدوا اصدقاء لهم في ساحة المعركة.
واشار الجندي الناجي الى انه في اليوم التالي لاصابته برصاص القناص العراقي، قتل زميله في السكن واعز اصدقائه في السكن (من كولورادو) في العراق، وكان اسمه ايريك سنيل برصاص قناص، وذلك في 18 يونيو/حزيران 2007 الذي وصف بانه "اكثر الاعوام دموية في الحرب" اذ شهد خسارة 899 جنديا.
وقال كيندريك انه "عندما يبدأ الجنود الذين غادروا افغانستان في دخول الحياة المدنية مرة اخرى، فانهم سيواجهون العديد من التحديات"، مضيفا "لقد كرست حياتي لارى انه لا يتحتم على اي محارب قديم ان يجرب ما فعلته انا بعد الحرب"، موضحا انه بدا عمله الخاص في مجال التحدث الاحترافي في العام 2016 ويتحدث في جلسات مخصصة للصحة النفسية في كل من المجتمعات المحلية والمدنية، ويساهم في سرد القصص التي لا يعرف العديد من المحاربين القدامى كيف يروونها.
ويشغل كيندريك حاليا منصب نائب الرئيس للتحالف الوطني للامراض العقلية في ولاية جورجيا، ويساهم في تأمين الرعاية النفسية لسكان مقاطعة ديكالب، من خلال مجموعات مجانية للصحة العقلية.
واضاف "افعل كل ما بوسعي لكي يشعر المحاربون القدامى في مجتمعهم انهم مدعومون" من جهة ما.
وذكر كيندريك انه وفقا لمجلس العلاقات الخارجية، فان هناك 1.3 مليون فرد عسكري في الخدمة الفعلية، اي اقل من نصف 1٪ من سكان الولايات المتحدة، مضيفا ان ذلك يعني انه من السهل ان يجري نسيان المحاربين القدامى لانهم بذلك يشكلون جزءا صغيرا من البلد، لكنه اضاف "كان لدينا التاثير الاكبر في الحفاظ على امن امريكا ونحتاج الى ان نتلقى رعاية من الناس".
يذكر ان كيندريك من نيويورك، وهو ينظم محاضرات حول قضايا الصحة النفسية والعقلية، في كل من المجتمع العسكري وكذلك المجتمع المدني، ونشر كتابا يحمل عنوان "الفرسان" حول تجاربه.