شفق نيوز/ رغم التحول الكبير الذي طرأ على سياسة المصرف المركزي التركي، اليوم الجمعة، برفع سعر الفائدة إلى 15 بالمئة لأول مرة منذ آذار 2021 إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل كبير على سعر صرف الليرة التركية، وفق خبراء وباحثي اقتصاد تقف جملة من الأسباب وراء ما حصل.

ومنذ تعيين حفيظة غاي إركان، في منصب رئيس المصرف المركزي وهي أول امرأة تقود هذه المهمة في تاريخ البلاد تقاطعت تحليلات الخبراء بأنها ستتبع "سياسة تقليدية"، لاعتبارات تتعلق بسيرتها الذاتية وسيرة وزير الخزانة والمالية المعين حديثا، محمد شيمشك.

وفي حين تأكّد ما كان يتوقعه الخبراء والبنوك العالمية الكبرى، إلا أن معدل رفع الفائدة لم يكن كذلك، ليعلن المركزي التركي زيادة من 8.5 بالمئة إلى 15، خلافا لمتوسط التوقعات 20 بالمئة.

وكان بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري ومقره الولايات المتحدة توقع قبل يومين، أن ترتفع أسعار الفائدة بنسبة 11.5 نقطة لتصل إلى 20 بالمئة.

ووفق متوسط استطلاع "رويترز" لخبراء الاقتصاد، كان من المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة إلى 20 بالمئة من المستوى الحالي البالغ 8.5 بالمئة.

لكن وفي أعقاب اجتماع لجنة السياسة النقدية في المصرف المركزي، الخميس، أعلن عن رفع سعر الفائدة 650 نقطة أساس إلى 15 بالمئة، الأمر الذي انعكس بالسلب على الأسواق وقيمة الليرة التركية، بحسب ما قال خبراء لموقع "الحرة".

وبعد رفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مارس 2021، حطم سعر الليرة رقما قياسيا جديدا وتجاوز حد الـ25 للدولار الواحد، وهو ما يمثل فقدانها 2.8 بالمئة من قيمتها في أقل من 24 ساعة.

وقالت لجنة السياسة بالبنك المركزي في بيان رسمي إن التشديد النقدي سيتم "تعزيزه بقدر ما هو مطلوب في الوقت المناسب وبطريقة تدريجية"، في إشارة إلى أن الاجتماعات المستقبلية قد تشهد زيادات أكبر في أسعار الفائدة.

بدوره، كرر وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، أن الفلسفة الاقتصادية للحكومة تقوم على الحرية واقتصاد السوق ونظام الصرف الأجنبي المفتوح ونظام سعر الصرف العائم.

وكان لتصريحات شيمشك معنى مقصود بأن "المركزي توقف عن بيع احتياطياته الأجنبية من خلال البنوك العامة، وقد أدى هذا بدوره إلى تسريع انخفاض قيمة الليرة وساهم في زيادة تراكم الاحتياطات".

وعاد شيمشك، الجمعة، ليقول عبر حسابه الشخصي في "تويتر": "نحن مصممون على تحقيق استقرار الأسعار والاستقرار المالي واستقرار الاقتصاد الكلي، وسنواصل القيام بكل ما يتطلبه الأمر للوصول إلى هناك".

وأضاف: "كما أوضح بيان لجنة السياسة النقدية، فإن الطريق نحو استقرار الأسعار سيكون تدريجيا ولكنه ثابت".

لماذا انخفضت الليرة؟

وتمثل خطوة رفع أسعار الفائدة تراجعا عن سياسة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الخاصة بخفضها، ومع ذلك لا يعرف ما إذا كان هذا الهامش سيكون كبيرا في المرحلة المقبلة أم لا.

ويرتبط الهامش بطبيعة التحرك المستقبلي لكل من رئيس المركزي الجديد إركان ووزير المالية شيمشك.

ويرى الباحث الاقتصادي، الدكتور مخلص الناظر، أن "خطوة المركزي يوم الخميس تعتبر دفعة ناقصة، لأنها لم تأت ضمن توقعات السوق"، معتبرا أن "الرفع دون التوقعات (20 بالمئة) كان له أثر سلبي على قيمة الليرة".

ويقول الناظر لموقع "الحرة" إن "القرار أعاد للأذهان تجربة وزير المالية الأسبق لطفي علوان عندما رفع الفائدة بـ200 نقطة أساس، وأقاله إردوغان فيما بعد بسبب ذلك".

ويضيف: "هذه الفكرة عادت عندما رفع المركزي الخطوة دون توقعات السوق، ما عكس فكرة أن الفريق الاقتصادي الجديد لم يأخذ كامل حريته".

"عندما تفهم الأسواق ذلك ترد بعنف، وهو ما حصل على قيمة الليرة، بينما ارتفعت مؤشرات التخلف عن سداد الديون التركية".

ويتابع الباحث: "لو أعطى المركزي التركي توقعات السوق كان الأمر أفضل بكثر. الكل يعرف إن إركان من وول ستريت وتتوافق مع الأسواق وكذلك الأمر بالنسبة لمحمد شيمشك".

ويوضح تقرير لصحيفة "دنيا" الاقتصادية أنه وبعد قرار البنك المركزي تسارعت عمليات الشراء في البورصة، فيما حطم سعر الدولار رقما قياسيا جديدا بتجاوزه مستوى 25 للمرة الأولى.

كما حطم غرام الذهب الرقم القياسي بالانتقال إلى 1500 ليرة تركية، وهو ما يرتبط بأن توقعات السوق كانت تتقاطع مع رفع أسعار الفائدة إلى 20 بالمئة على الأقل.

ونقلت الصحيفة عن اقتصاديين قولهم إن "توقعات المستثمرين لم تتحقق بالكامل، ولكن من المتوقع أن الإجراءات التي سيتم اتخاذها والخطوات الجديدة في الاجتماعات المقبلة ستتبع بالرسائل المعطاة".

وقال عضو هيئة التدريس في جامعة "TOBB" للاقتصاد، الدكتور جاهد سونماز، "لقد شهدنا قرارات لم ترق إلى مستوى توقعات السوق".

وأضاف: "لذلك سيحتفظ اللاعبون في السوق بموقفهم الحذر لفترة من الوقت، وينتظرون على الأقل بضعة اجتماعات أخرى للجنة السياسة النقدية".

وأوضح الخبير الاقتصادي، محفي إيغيلمز، أن "رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة إلى 15 بالمئة اعتبارا من الآن يؤكد أننا في السيناريو الثاني، وإذا لم تتبع الإصلاحات الهيكلية زيادة المعدل فسنبقى في السيناريو الثاني ولن يكون من الممكن انتعاش الاقتصاد".

"سحب السفينة بالتدريج"

وبعدما كان خفض أسعار الفائدة إلى فئة الآحاد قبل الانتخابات الهدف الأساسي للفريق الاقتصادي السابق بات خفض التضخم إلى "الآحاد" المهمة الأساسي لفريق شيمشك وإركان.

وتراجع معدل التضخم السنوي لتركيا إلى ما دون 40 بالمئة، في مايو، للمرة الأولى منذ 16 شهرا، بعدما لامس 85 بالمئة، العام الماضي.

ووفق ما قالت الكاتبة المقربة من الحكومة، هاندي فيرات، في مقالة على صحيفة "حرييت"، فإن "الرئاسة وإدارة الاقتصاد تخطط في الوقت الحالي لسحب السفينة إلى مياه أكثر هدوءا، بطريقة خاضعة للرقابة ودون التسبب في أي حادث".

وتضيف فيرات أن "الأولوية الرئيسية للإدارة الاقتصادية هي اتخاذ جميع القرارات بطريقة متوازنة. بمعنى آخر، تم تحديد خارطة طريق، مثل المضي قدما دون الإخلال بالتوازنات الأخرى في الاقتصاد أثناء القيام بأحد الجانبين".

وتوضح: "كان بإمكان البنك المركزي أن يرفع سعر الفائدة فوق 20 بالمئة، أو إلى 40 بالمئة كما تقول بعض البنوك الاستثمارية، ومع ذلك، فإن الآثار الأولى لهذا الوضع هي ضرب القطاع الحقيقي".

وبينما "نعلم أن الرئيس إردوغان حرر يد إدارة الاقتصاد، لكن من الواضح أيضا أنه لم يقل (اقتل عندما تقول أطلق النار)"، حسب تعبير الكاتبة.

وتتابع: "لا أحد لا يعرف حساسيات إردوغان بشأن الفائدة. حتى قبوله لزيادة أسعار الفائدة هو تطور ثوري. ومع ذلك، أعتقد أن البنك المركزي استغل الباب الذي فتحه".

ويشير الباحث الاقتصادي الناظر إلى أن "الأسواق فهمت أن الفريق الاقتصادي الجديد غير مستقل تماما، وقد يتراجع في المرحلة المقبلة".

وهناك مشكلة أخرى ظهرت في بيان المركزي، بعدما قال إنه "ملتزم برفع أسعار الفائدة إذا اقتضت الحاجة".

ويضيف الباحث: "هذه الفكرة غير منطقة، إذ يجب رفع الفائدة كل مرة 10 بالمئة للوصول إلى مستويات التضخم. كان يجب أن يقول سنرفع الفائدة دون أن تتضرر القطاعات المصرفية".

"النفس الماضي موجود ولا يوجد عودة كاملة للسياسات التقليدية"، ويعتبر الناظر أنه "يجب أن يكون هناك إصلاحات هيكلية للاقتصاد، كون الأسواق لا تنخدع بسهولة، ولديها ذاكرة صعبة وتريد ضمانات".

ويرى الباحث أن "بيانات الشهر المقبل ستكون حاسمة - أي من 22 هذا الشهر إلى الشهر المقبل - هي مرحلة مفصلية للاقتصاد، وسنرى ما إذا كانت مستويات التضخم ستنخفض أم لا".

ومن المحتمل أن يستمر البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة، ومع ذلك سيعمل على ذلك بصورة "تدريجية"، حسب كاتبة العمود في "حرييت"، هاندي فيرات.

وتحدثت عن الزيارة التي أجراها نائب إردوغان، جودت يلماز، ووزير المالية إلى الإمارات، الأربعاء، وأنه "من خلالها تم فتح الباب أمام استثمارات طويلة الأجل بقيمة 30-40 مليار دولار".

وسيجري الرئيس إردوغان بعض الزيارات، خاصة إلى دول الخليج، وسيكون لذلك تأثير مباشر على تسريع تدفق الموارد، وفق الكاتبة.

وتضيف نقلا عن مصادر مطلعة: "الهدف هو الحصول على 100 مليار دولار من الموارد للأشهر الستة القادمة".

كما تضع الحكومة أنظارها إلى "التدفق الكبير للعملة بسبب تأثير موسم السياحة، مع وجود مؤشرات واضحة على أن الأمر سيسير على ما يرام".