شفق نيوز/ مع اقتراب يوم الحسم في 26 الشهر الجاري، أظهرت برامج الأحزاب الألمانية المتنافسة في الانتخابات التشريعية والساعية إلى استمالة الناخب، تباينا في الاهتمامات والرؤى، إذ ابتكرت بعض الأحزاب تصورات تبدو بعضها طريفة، وأخرى اتسمت بـ“الراديكالية“.
وبمعزل عن العناوين الإستراتيجية الكبرى المعروفة من قبيل ”الإرهاب“ و“المناخ“ و“الهجرة غير الشرعية“، سعت الأحزاب الألمانية الرئيسة، في موازاة تلك العناوين، إلى دغدغة مشاعر الناخب، واقتربت من همومه ومشاغله اليومية الآنية، وطرحت برامج بدت أقرب إلى ”الدعابة والتهكم“ منها إلى العمل السياسي الرصين.
”نحن نحب البكيني“
الحزب الأكثر إثارة للجدل في طروحاته وبرامجه هو حزب ”البديل من أجل ألمانيا“، اليميني الشعبوي الذي لا يخفي عداءه للاجئين، وهو لا يجد حرجا في استخدام عبارات وجمل مباشرة من قبيل ”أموالنا من أجل تقاعدنا“، في دعوة صريحة ومباشرة إلى قطع المساعدات المالية عن اللاجئين وتخصيصها، بدلا من ذلك، للمتقاعدين الألمان.
واللافت كذلك، أن حزب ”البديل من أجل ألمانيا“ دعا سلطات بلاده للاعتراف بحكومة طالبان الجديدة في أفغانستان.
وهذه الدعوة، وفق تفسير خبراء، لا تنبع من روح التسامح لدى الحزب، بل كي يتسنى لألمانيا ”ترحيل مهاجرين أفغان لديها إلى بلادهم، وكذلك لمنع تدفق لاجئين أفغان جدد إلى ألمانيا“.
ويجاهر الحزب، الذي نال في آخر استطلاعات الرأي 11 % من أصوات الناخبين، بالعمل على حظر الحجاب الإسلامي، دون مراعاة لمشاعر ملايين المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا.
وفي إحدى ملصقاته الدعائية كتب الحزب عبارة ”البرقع“ بين قوسين، وأتبعها بإشارة استفهام، ثم كتب ردا صريحا: ”نحن نحب البكيني“، بينما تظهر في الملصق صورة لثلاث نساء يلبسن البكيني.
دبلوماسية النقانق
أما الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي تراجعت شعبيته كما تظهر استطلاعات الرأي، إذ نال 19 % من نوايا أصوات الناخبين في آخر استطلاع، فهو بدوره يروج لأفكار ورؤى غير تقليدية بهدف الحفاظ على بريقه المتلاشي.
وطرح الحزب، وحليفه البافاري ”الحزب الاجتماعي المسيحي“، الذي تصدر المشهد السياسي الألماني لعقود، فكرة ”إلزام العاطلين عن العمل بالقيام بأعمال تخدم المجتمع، ومنها مثلا جمع القمامة وتنظيف الشوارع وحتى إزالة أوراق الأشجار المتساقطة في الخريف“.
وبهدف إظهار الوحدة داخل الاتحاد المسيحي، عقد أرمين لاشيت رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، الطرف الأكبر في التحالف، وماركوس زودر رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي ”الشريك الأصغر“ لقاء غير عادي، في مدينة نورمبيرج جنوبي البلاد، إذ اجتمعا في مطعم شهير للنقانق، وتناولا معا هذه الوجبة الشعبية في ألمانيا، مع صورة توثق الواقعة في محاولة لمحو التنافس الذي غلف علاقتهما خلال الأشهر الماضية، وتسبب في تراجع شعبية الحزب، حسب خبراء.
وخلال اللقاء، قال لاشيت: ”هذا هو الطعام المناسب تمامًا للفترة الأخيرة في الحملة الانتخابية“، في إشارة إلى النقانق.
ووفقا لتقرير في ”دويتشه فيله“، فإن ميزانية حملة الحزب بلغت 20 مليون يورو، واستخدم ألوان العلم الألماني في الملصقات الدعائية، وركز في حملته على قضايا مثل الأمن والأسرة والعمل.
التقاعد
الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتصدر استطلاعات الرأي في الوقت الحالي، بحصوله على نسبة 26 % من نوايا المصوتين، وفقا لآخر استطلاع، ركز على إصلاح نظام التقاعد.
وبدأت حملة الحزب الديمقراطي الاشتراكي بملصقات انتخابية تركز، كذلك، على جودة التعليم، والأسرة، والاستثمار والمساواة في الأجور.
ويبدو أن الحزب مطمئن إلى فوزه في الانتخابات المقبلة، وفق جميع الاستطلاعات، فلم يلجأ إلى ابتكار برامج غير عادية، بل حافظ على وقاره وحضوره السياسي الجدي، حسب خبراء.
زهرة عباد الشمس
انطلقت الحملة الدعائية لحزب الخضر، الذي نال في آخر استطلاعات الرأي نسبة 15 % من نوايا التصويت، بشعار“ لهذا اختار الخضر“، مرفقا بصورة لزهرة عباد الشمس الصفراء كرمز لدعايته الانتخابية، وكترجمة لسعيه إلى توفير بيئة نظيفة.
ويعتمد حزب الخضر في برنامجه على الكثير من العبارات الرمزية التقليدية في تاريخه، فهو أظهر وفاء لقضاياه المعروفة مثل البيئة والمناخ واندماج اللاجئين ضمن المجتمع الألماني، على نحو سليم ومفيد.
ويشدد الحزب على حظر المواد الكيميائية شديدة الخطورة لا سيما مادة ”بيسفينول أ“ (bisphenol A) سيئة السمعة والتي تُستخدم في صنع المنتجات البلاستيكية، وقد ارتبطت هذه المادة الصناعية بحالات منها ضعف جودة الحيوانات المنوية عند الرجال ومرض الربو، بل إنها قد تضر بخصوبة الأسماك.
ويطالب الحزب بحظر هذه المادة وغيرها من المواد المماثلة حفاظا على بيئة نظيفة خضراء، كما يشير اسم الحزب.
الذكاء الاصطناعي
أما الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، الذي نال في آخر استطلاع للرأي 13% من نوايا التصويت، فيسعى إلى تعزيز دور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعليم في ألمانيا.
وبلغت الحملة الدعائية للحزب أكثر من 5 ملايين يورو، والتي تعول على شخص واحد وهو زعيم الحزب كريستيان ليندنر، الذي يظهر، خلال الحملات، بلحية خفيفة، مرتديا قميصا أبيض، بعيدا عن الرسميات كي يكسب أوسع شريحة ممكنة.
وأكد الحزب الديمقراطي الحر على أن إصلاح نظام الرقمنة من أهم أهدافه التي يرغب في تحقيقها.
وليس الحزب الديمقراطي الحر وحده من اعترف بأن البنية التحتية الرقمية ضعيفة في ألمانيا؛ فهناك أحزاب أخرى قالت إن هذا الأمر بات قضية تهم الكثير من الناخبين، بيد أن خطط الحزب الديمقراطي الحر في هذا السياق أكثر طموحا.
ويحرص الحزب على مسألة ”خصوصية البيانات“ التي تشكل أهمية خاصة للألمان، فقد شدد الحزب على أنه يجب تطبيق هذه الخطة مع الأخذ في الحسبان وجود تدابير لحماية البيانات الشخصية بشكل صارم.
وأبدى الحزب اهتماما بنموذج الهجرة القائم على النقاط، باعتباره طريقة مثالية لتنظيم الهجرة واستقطاب المزيد من العمالة المهرة من خارج التكتل الأوروبي.
الأحمر
طغى اللون الأحمر على ملصقات حزب اليسار الألماني، الذي نال 6 % من نوايا التصويت في آخر استطلاعات الرأي، في مؤشر على إخلاصه لأفكار الأحزاب اليسارية التي اتخذت هذا اللون كرمز على مدى تاريخها.
ورغم التقيد برمزية اللون الأحمر، فقد رفع الحزب شعار ”لا رغبة في مواصلة نفس السياسة“، في محاولة لكسر الصورة النمطية للأحزاب اليسارية، وأولى الحزب اهتماما خاصا لمواضيع جديدة مثل الإيجارات بأسعار معقولة، والعدل في المعاشات التقاعدية، وكذلك وقف تصدير الأسلحة.
وخلال العام الماضي، طرح حزب اليسار الألماني فكرة العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع، بدلا من خمسة أيام، وأحدث سجالا واسعا، بيد أن البرنامج الانتخابي للحزب لم يتطرق إلى هذا الطرح بشكل واضح.
انفصال بافاريا
رغم أن حزب بافاريا أو بايرن هو من الأحزاب الصغيرة إلا أن رفع شعار انتخابي غير مألوف أثار جدلا بشأنه، فقد دعا الحزب في أحد ملصقاته الترويجية إلى انفصال منطقة بافاريا، جنوب شرق ألمانيا.
وقال الحزب الذي ينشط في منطقة بافاريا في ملصقه: ”ألا تريدون التخلص من بايرن أيضا؟ انتخبوا حزب بايرن، من أجل ألمانيا بدون بايرن!“.
وبافاريا، أو رسميا ولاية بافاريا الحرة هي إحدى الولايات الاتحادية الـ 16 المكونة لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
وعاصمتها وكبرى مدنها هي مدينة ميونيخ، وبمساحتها المقدرة بنحو 71 ألف كم مربع تعد أكبر الولايات مساحة، وهي ثانية الولايات بعدد السكان بعد ولاية شمال الراين – وستفاليا، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 12 مليون نسمة، علما أن عدد سكان ألمانيا يبلغ نحو 83 مليونا.
فرملة سعر البيرة
حزب ”الحزب“، هو أيضا من الأحزاب الألمانية الصغيرة، غير المعروفة، لكنها طرحت برامج دعائية أثارت جدلا، إذ طالب بـ“ضبط رواتب المسؤولين التنفيذيين وفرملة سعر البيرة“، التي تعد المشروب الأكثر شعبية في البلاد.
وتجري الانتخابات البرلمانية الألمانية كل أربع سنوات، وقد جرت العادة أن يفوز الحزب المسيحي الديمقراطي بالمرتبة الأولى فيها يليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، غير أن صعود نجم مرشح الحزب الاشتراكي أولاف شولتس وحزب ”الخضر“ قد يقلب هذه المعادلة المستمرة منذ عقود.