شفق نيوز/ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستنتهي، اليوم الجمعة، من القضاء على المخزون المتبقي من الأسلحة الكيميائية الفتاكة، التي كانت تمتلكها واشنطن بعد 70 عاماً من اقتناء هذه الأسلحة القاتلة، فيما يتولى فريق من الروبوتات تفكيك هذا المخزون "المروع" من الأسلحة الكيميائية.

وتضمن المخزون الأمريكي الذي تراكم على مدى أجيال (70 عاماً)، "القنابل العنقودية والألغام الأرضية المحشوة بغاز الأعصاب والقذائف المدفعية التي يمكن أن تغطي غابات بأكملها بضباب الخردل، إلى جانب خزانات مليئة بالسموم يمكن تحميلها على طائرات عسكرية".

هذا الإجراء دفع البعض إلى التساؤل عن حجم هذه الترسانة، ولماذا أقدمت واشنطن على المضي في التخلص منها الآن، رغم استعمالها لهذه الأسلحة في كثير من الحروب، بداية من الحرب العالمية الثانية وحتى حرب أفغانستان.

تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية ونشره موقع (arabic post) رصد عملية التخلص من هذه الأسلحة وأماكن وجودها.

لحظة احتضار الأسلحة الكيميائية

وبحسب الصحيفة الأمريكية، ففي غرفة مغلقة خلف حراس مسلحين و3 صفوف من الأسلاك الشائكة العالية في مستودع بويبلو للكيماويات، التابع للجيش الأمريكي في ولاية كولورادو، كان فريق من الروبوتات منشغلاً بتفكيك آخر مخزون أمريكي هائل ومروع من الأسلحة الكيميائية.

كانت هناك قذائف مدفعية مليئة بغاز الخردل القاتل، الذي كان الجيش يخزنه منذ أكثر من 70 عاماً. اخترقت الروبوتات ذات اللون الأصفر الساطع وجففت وغسلت كل قذيفة، ثم وضعت كل منها في درجة حرارة 1500 فهرنهايت (815.5 درجة مئوية). تخرج كل قذيفة من هذه العملية خردةً معدنية خاملة وغير ضارة، وتسقط من حزامٍ ناقل في حاوية قمامة عادية مع قعقعةٍ مدوية.

قال كينغستون ريف، نائب مساعد وزير الدفاع لتقليل التهديدات والحد من التسلح: "هذا هو صوت احتضار السلاح الكيميائي"، وابتسم عندما سقطت قذيفة أخرى في القمامة.

استغرق تدمير المخزون عقوداً، ويقول الجيش إن العمل أوشك على الانتهاء. دمر المستودع بالقرب من ولاية بويبلو سلاحه الأخير في يونيو/حزيران، وسوف تُدمَّر الحفنة المتبقية في مستودع آخر في ولاية كنتاكي في الأيام القليلة المقبلة. وعندما تختفي، سيُقضى بذلك على جميع الأسلحة الكيميائية المُعلنة في العالم.

كان المخزون الأمريكي، الذي تراكم على مدى أجيال، مروعاً في حجمه: القنابل العنقودية والألغام الأرضية مليئة بغاز الأعصاب. كان بإمكان القذائف المدفعية أن تغطي غابات بأكملها بضباب الخردل. وكانت الخزانات المليئة بالسموم يمكن تحميلها على طائرات ورشها على الأهداف في الأسفل.

كانت تلك الفئة من الأسلحة غير إنسانية لدرجة أن استخدامها أُدينَ بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن مع ذلك، استمرت الولايات المتحدة والقوى الأخرى في تطويرها وتكديسها. كان لدى بعض الدول نسخٌ أكثر فتكاً من غازات الكلور والخردل التي اشتهرت في خنادق الجبهة الغربية، فيما كان لدى دولٍ أخرى غازات أعصاب طُوِّرَت لاحقاً، مثل غاز الأعصاب VX وغاز السارين، وهي غازات قاتلة حتى بكمياتٍ ضئيلة.

من غير المعروف أن القوات المسلحة الأمريكية استخدمت أسلحة كيميائية قاتلة في المعارك منذ العام 1918، رغم أنها استخدمت خلال حرب فيتنام مبيدات الأعشاب مثل العامل البرتقالي الذي كان ضاراً بالبشر.

كانت الولايات المتحدة تطوِّر في الماضي أسلحة حرب جرثومية وبرنامج أسلحة بيولوجية، لكن هذه الأسلحة دُمِّرَت في السبعينيات.

متى بدأ الحد من انتشار هذه الأسلحة؟

اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من حيث المبدأ في عام 1989 على تدمير مخزونات أسلحتهما الكيميائية، وعندما صادق مجلس الشيوخ على اتفاقية الأسلحة الكيميائية في عام 1997، التزمت الولايات المتحدة والدول الموقعة الأخرى بالتخلص من الأسلحة الكيميائية بشكل نهائي.

لكن تدميرها لم يكن سهلاً، فلقد صُنِعَت من أجل أن تُطلَق لا أن تُفكَّك. والجمع بين المواد المتفجرة والمواد السامة يجعلها شديدة الخطورة في التعامل معها.

توقع مسؤولو وزارة الدفاع من قبل أنه يمكن إنجاز المهمة في غضون سنوات قليلة بتكلفة تبلغ حوالي 1.4 مليار دولار. لكنها الآن تتأخر بعقودٍ عن الجدول الزمني، بتكلفةٍ تقترب من 42 مليار دولار -2900% أكثر من الميزانية. لكنها تمت في نهاية المطاف.

دمرت قوى أخرى مخزوناتها المُعلنة بالفعل -بريطانيا في 2007 والهند في 2009 وروسيا في 2017. لكن مسؤولي البنتاغون يحذرون من أن الأسلحة الكيميائية لم يُقض عليها بالكامل. هناك عددٌ قليلٌ من الدول التي لم توقِّع على المعاهدة قط، ويبدو أن بعض الدول التي فعلت ذلك، ولا سيما روسيا، احتفظت بمخزونات غير مُعلنة.

لم تقض المعاهدة على استخدام الأسلحة الكيميائية من قِبَلِ الدول المارقة والجماعات الإرهابية. استخدمت القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيميائية في البلاد عدة مرات بين عامي 2013 و2019، واستخدم مقاتلون من الدولة الإسلامية داعش الأسلحة الكيميائية على الأقل 52 مرة في العراق وسوريا من 2014 إلى 2016.

يقول الأشخاص المعنيون إن المخزون الأمريكي الهائل والجهود التي استمرت عقوداً للتخلص منها هي تذكيرٌ بالحماقة البشرية وشهادةٌ على قدرات البشر أيضاً. استغرق العمل وقتاً طويلاً جزئياً لأن المواطنين والمشرعين أصروا على أن يجري العمل دون تعريض المجتمعات المحيطة للخطر.

كيف يتم التخلص من الأسلحة الكيميائية؟

في أواخر يونيو/حزيران، في مستودع بلوغراس، الذي تبلغ مساحته 15 ألف فدان، سحب العمال بعناية أنابيب الشحن المصنوعة من الألياف الزجاجية التي تحمل صواريخ مليئة بغاز السارين من مستودعات تخزين خرسانية مغطاة بالتراب ونقلوها إلى سلسلة من المباني للمعالجة.

قام العمال في الداخل، وهم يرتدون بدلات وقفازات واقية، بتصوير الأنابيب بالأشعة السينية لمعرفة ما إذا كان هناك تسريب من الرؤوس الحربية بالداخل، ثم أرسلوها إلى أسفل على ناقل لتواجه هلاكها.

كانت هذه هي المرة الأخيرة التي يتعامل فيها البشر مع الأسلحة. ومن هناك، قامت الروبوتات بباقي العمل.

تشترك جميع الذخائر الكيميائية أساساً في نفس التصميم: رأس حربي رقيق الجدران مملوء بعامل سائل وعبوة ناسفة صغيرة لتفجيره في ساحة المعركة، مما يطلق رذاذاً من القطرات الصغيرة والضباب والبخار.

على مدار أجيال، تعهّد الجيش الأمريكي باستخدام الأسلحة الكيميائية فقط للرد على هجوم كيميائي للعدو -ثم بدأ في مراكمة الكثير منها بحيث أصبح لا يجرؤ أي عدو على شن هجوم. وبحلول الستينيات، كان لدى الولايات المتحدة شبكة سرية للغاية من معامل التصنيع ومجمعات التخزين حول العالم.