شفق نيوز/ شهد العراق، موجة غير مسبوقة من الغضب نجمت عن المجزرة الجديدة التي نفذتها، ليل السبت، جماعات مجهولة، يُعتقد أنها تنتمي إلى فصائل مسلحة موالية لإيران، في ساحتي السنك والخلاني، وذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، ضمنهم ثلاثة مصورين صحافيين.
وشهد العراق أيضاً، تنامي مشاعر الخوف من احتمالية انحدار البلاد إلى موجة من التطاعن الداخلي، ومستويات جديدة من العنف، في ظل العجز الواضح الذي تبديه القوات الحكومية في ضبط الأوضاع ووقف ممارسات الفصائل المسلحة المنفلتة، لا سيما بعد استهداف بطيارة مسيرة طال منزل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بمنطقة الحنّانة في محافظة النجف.
وتقاطعت الروايات التي قدمتها السلطات العراقية من جهة، والمتظاهرون من جهة أخرى، حول ما جرى في ساحتي الخلاني تقاطعاً حاداً حتى بالنسبة إلى أعداد القتلى والجرحى. ففيما تحدثت مصادر رسمية عن سقوط 4 قتلى ونحو عشرين جريحاً، وتحدثت أخرى عن مقتل 7 عناصر من قوات الأمن، تؤكد غالبية الروايات الصادرة عن المتظاهرين مقتل 23 وإصابة أكثر 100 متظاهر على أقل تقدير.
وباستثناء حديث بعض المتحدثين الرسمين عن «شجار» وقع بين المتظاهرين، وتسبب بإحداث حريق مرأب السنك ومواجهات ساحتي السنك والخلاني، لم تصدر عن الجهات الحكومية العراقية أي إيضاحات حول ما حصل بالتحديد، فيما صدرت عن جماعات الاحتجاج روايات كثيرة تتطابق في خطوطها العامة، وإن اختلفت في بعض التفاصيل.
وتتفق غالبية تلك الروايات حول الخطة المدبّرة التي نفذتها فصائل مسلحة بالتنسيق والتعاون أحياناً مع الجهات الرسمية للتأثير على ساحات المظاهرات وفض الاعتصامات، في المنطقة المحصورة بين ساحة التحرير وجسر السنك، وعدم السماح بتمددها إلى الشوارع والمقربات القريبة من البنك المركزي العراقي.
وتتفق جماعات الاحتجاج أيضاً، على أن عملية ضرب المتظاهرين استهدفت قطع الطريق على المظاهرة المليونية التي يخطط لها المحتجون، ويفترض أن تجتمع خلالها، في العاصمة بغداد، جميع الفعاليات الاحتجاجية في بقية المحافظات المنتفضة، في العاشر من الشهر الحالي.
وتشير إحدى تلك الروايات حول طبيعة ما حدث في السنك والخلاني، إلى «تواطؤ» جهات حكومية مع فصائل مسلحة، من خلال تعمد قطع التيار الكهربائي في ساحة السنك ومرأبها، تمهيداً لمرور سيارات المسلحين من أمام نقاط التفتيش دون مساءلة أو متابعة، رغم امتلاك وزارة الداخلية لكاميرات ترصد مداخل ومخارج جميع شوارع العاصمة. وفيما أنحت قيادة عمليات بغداد باللائمة على المتظاهرين لرفضهم وجود القوات الأمنية بالقرب ساحات الاعتصام، وحمّلتهم ضمناً مسؤولية ما حدث، تقول جماعات الاحتجاج: إن "عدم تدخل القوات الأمنية حتى انتهاء المجزرة وانسحاب جميع المسلحين دليل على اتفاق مسبق بين الجانبين".
أما الناشط علاء البغدادي، فحمّل صراحة كتائب حزب الله مسؤولية أعمال القتل ضد المتظاهرين، واستبعد ضلوع بقية الفصائل الحشد الشّعبي فيما حدث.
وكتب البغدادي، وهو مقرب من تيار الصدر، عبر صفحته في فيسبوك "قبل يومين دخلت مجاميع تابعة لـ(كتائب حزب الله) إلى ساحة التحرير تحت ذريعة الدّفاع عن المرجعيّة، ورفعوا لافتات ضدّ أميركا وإسرائيل والسعودية وبعض اللافتات التي تدافع عن السيستاني". وأضاف أنهم "رفعوا لافتة كتب عليها (الخال، وهي اللافتة ذاتها التي عُلّقت على واجهة مرأب السنك، والخال هو المصطلح المُشفّر الذي يتداوله أفراد (كتائب حزب الله) فيما بينهم، وهو يرمز إلى (قاسم سليماني)، وأيضاً يُطلقونه على قادتهم".
ويشير البغداد إلى أن "عصابات (الخال) قامت بالتمرّكز على يسار حديقة الأُمّة، بالقرب من الشّارع القريب على البتاوين، وحاولوا نصب بعض الخيام".
ويؤكد أنه قام باتصالات مباشرة بسرايا السلام وبعض العناصر من كتائب حزب الله، للحيلولة دون وقوع مجزرة، وبالفعل تم طردهم من ساحة التحرير سلمياً. ويشير إلى أن هدف الكتائب "كان التمرّكز والتخندق في الساحة، كخطوة أولى للتغول بين الجماهير وفضّ الاعتصام وإنهائه، بعد السّيطرة على المطعم التركي وجسور الجمهوريّة والسّنك والأحرار".
ولفت البغدادي أنه وبعد "فشل محاولتهم هذه، وبعد الصّفعة المهمّة التي وجّهت لهم من المرجعيّة، حينما منعت استخدام اسمها وصورها كذريعة للاشتراك في المظاهرات، قاموا بمجزرة كمحاولة ثانية من أجل الإجهاز على الاعتصام، بعد أن قام بعض أفرادهم من الصّعود إلى (كراج السّنك) ورفع لافتة (الخال)، كإشارة لوجودهم، وأيضاً كإيعازٍ لجماهيرهم بتحديد ساعة الصّفر لمجزرتهم، واقتحام ساحة التحرير".
وتتطابق مع رواية البغدادي روايات كثيرة تحدث بها متظاهرون بشأن لافتة «الخال»، التي وُضِعت على مرأب السنك، وتلك الروايات المتعلقة بالدور الفعال الذي لعبه أصحاب «القبعات الزرقاء» في حماية المتظاهرين من مجزرة أكبر كانت ستحدث ليلة السبت، لولا تصديهم للجماعة المهاجمة وحماية الناس. وانتشرت أمس، في مواقع التواصل الاجتماعي عبارات الشكر لأصحاب القبعات الزرق، وهم جماعات مرتبطة بتيار الصدر نشطوا منذ اليوم الأول لانطلاق المظاهرات، وارتبطت مهامهم بتقديم الدعم اللوجيستي والحماية للمعتصمين والمتظاهرين.
واعتبر مراقبون، أمس، أن تعرُّض منزل زعيم التيار الصدري إلى قصف بطائرة مسيرة، أمس، يشير إلى رسالة تحذيرية شديدة بعثتها إليه الفصائل المرتبطة بإيران والمنزعجة من الدور الفعال الذي يقوم به أتباعه في الحركة الاحتجاجية.