شفق نيوز / رأى السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والجزائر، الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن، روبرت فورد، يوم الأربعاء، أن الأزمة السياسية الحالية في بغداد، تشكل "بداية نهاية النظام السياسي العراقي"، الذي تأسس تحت مظلة الولايات المتحدة في الفترة 2003 - 2011.
وقال فورد، في مقال له نشره موقع "الشرق الأوسط" السعودي، إن "الأمريكيين، لم يصوغوا الدستور العراقي، وإنما صاغه العراقيون بأنفسهم، غير أن الأمريكيين أصروا على انتهاء العراقيين من صياغة الدستور وفقاً لجدول زمنى حددته سلطة الحاكم المدني بقيادة بول بريمر، رغم أن المدة لم تكن واقعية".
وأضاف أن "الأمريكيين لم يسمحوا كذلك بصياغة نظام (المحاصصة) الذي يتيح للأحزاب السياسية العراقية استغلال السيطرة على الوزارات من أجل المال والوظائف، والأحزاب السياسية العراقية هي من أنشأت هذا النظام، إلا أن الأمريكيين مارسوا ضغوطاً على تلك الأحزاب السياسية من أجل بناء حكومات ائتلافية شجعت على إقامة نظام (المحاصصة)".
وأشار فورد، إلى أن "الأمركيين مارسوا ضغوطاً لتولي (نوري المالكي) منصب رئيس الوزراء عام 2006، ثم مرة أخرى في 2010"، لافتاً إلى أن الأمر الأكثر أهمية، هو أن "الأمريكيين ارتكبوا خطأين استراتيجيين كبيرين في السنوات الأولى من النظام العراقي الجديد، الأول التعامل بسذاجة بشأن مشكلة الميليشيات".
وتابع: "في سبتمبر (أيلول) 2003، عندما كنت ممثلاً لبول بريمر في النجف، اعتقلني (فيلق بدر) تحت تهديد السلاح لمدة أربع ساعات قبل إطلاق سراحي، لذا، عندما عملت في السفارة الأمريكية منذ 2004، كنت أعرف خطر الميليشيات على الأمن والاستقرار في العراق".
ونوه فورد، إلى أن "الأمريكيين ركزوا جهودهم على استئصال تنظيم (القاعدة) تماماً من العراق، وليس القضاء التام على الميليشيات العراقية المختلفة، ومن ثم، وبينما كان الأمريكيون يحاربون (جيش المهدي) بقيادة مقتدى الصدر، رحبوا بأعضاء الميليشيات، سواء من الأنبار أو صلاح الدين أو الحلة أو مدينة الصدر أو البصرة، للانضمام إلى العملية السياسية، كما شجعوهم على الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تشكيل الأحزاب والتنافس في الانتخابات".
وأردف بالقول: "كان تفكيرنا ساذجاً، حيث اعتقدنا أن قادة الميليشيات سيتخلون عن أسلحتهم وسيعملون فقط داخل البرلمان ومع مجلس الوزراء، لتأمين المشاريع لمجتمعاتهم، لكن الميليشيات احتفظت بأسلحتها، ولم تبذل الحكومة العراقية أي جهد مُجدٍ لنزعها".
وأكد أن "الأمريكيين تقبلوا الأمر، لعدم رغبتهم بمواجهة حرب أوسع نطاقاً أو أطول زمناً"، مستدركاً بالقول: "بعد عودة القوات الأمريكية إلى العراق سنة 2014، سعى الأمريكيون إلى تدمير (داعش) فقط، وقبلوا بالتحالفات التكتيكية مع الميليشيات الموالية لإيران في قضية تدمير هذا التنظيم".
وأضاف أن "مما لا شك فيه أن إيران لعبت لعبة قذرة في تلك السنوات، لكن الأمريكيين يتحملون أيضاً قدراً من المسؤولية عن انتشار الميليشيات، التي تعمل الآن على تقويض الاستقرار والعصف بالعملية السياسية في العراق".
وبين فورد، أن "الخطأ الاستراتيجي الثاني الذي ارتكبته الولايات المتحدة في العراق، يكمن بمنح الميليشيات وحلفائها من الأحزاب السياسية مزيداً من الموارد، كان لدينا فهم سطحي للفساد في الجمهورية العراقية الجديدة، حتى إن الأمريكيين حاولوا تعزيز المؤسسات لمكافحة الفساد، مثل (هيئة النزاهة)، وإيجاد مفتشين عموميين في الوزارات المختلفة".
وأوضح أن "السفارة الأمريكية كانت تعلم في 2007 أن مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي، يتدخل في أعمال (هيئة النزاهة) فيما يتصل بتعيين الموظفين، ويتدخل أيضاً في تحقيقات الفساد، كما علمت السفارة بضغوط من مكتب رئيس الوزراء والميليشيات، دفعت بأول اثنين من مديري (هيئة النزاهة) إلى الاستقالة في 2007، لكن وبرغم ذلك، لم تتدخل الولايات المتحدة، التي كانت تركز تماماً على الأزمات السياسية المباشرة، وليس على مشكلة الفساد المتنامي طويلة الأجل".
وخلص فورد، إلى القول: "الآن، في عام 2022، يهدد الفساد المستشري في الدولة العراقية، وما نتج عنه من فشل في إعادة بناء البنية التحتية مثل شبكات الكهرباء والمياه، ووجود النظام السياسي نفسه".
وختم حديثه بالإشارة إلى أن "هذه الإخفاقات قصيرة النظر بشأن الميليشيات والفساد في العراق قبل 10 أو 15 عاماً، تعود لأولئك الذين يبالغون في تقدير إمكانات الولايات المتحدة، معرباً عن أمله أن يجد العراقيون "مخرجاً سلمياً من الأزمة الراهنة، التي لا يملك الأمريكيون لها أي إجابة".