شفق نيوز/ تحت عنوان "لماذا تنخرط السعودية أخيرا مع العراق؟"، كتب الباحث البارز في معهد "بروكينجز" الاميركي بروس ريدل، انه بعد عقود من عزل العراق، تنفتح المملكة السعودية على جارها الشمالي، معتبرا ان اعادة فتح معبر عرعر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يشكل "الخطوة الاكبر نحو تطبيع العلاقات منذ سقوط صدام حسين".
وفي تقرير ريدل الذي شاركته في اعداده كاثرين هارفي، وترجمته وكالة شفق نيوز يتضمن اشارة الى ان المملكة السعودية كانت مترددة في قبول حكومة يقودها الشيعة في العراق، مضيفا انه كانت هناك علامات تحول في السنوات الماضية، من بينها ارسال الرياض سفيرا لها الى بغداد، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت 25 سنة، كما ان وزير الخارجية السعودي زار بغداد في العام 2017 وهي الزيارة الاولى من نوعها منذ ان قام بها الامير السعودي بندر بن سلطان في بداية العام 1990. كما ان السعوديين افتتحوا قنصلية لهم في البصرة في العام 2019.
لكن اعادة افتتاح معبر عرعر بعد اغلاقه لثلاثين سنة بسبب غزو صدام حسين للكويت في العام 1990، يمثل "الخطوة الاكبر نحو التطبيع" بين البلدين.
وقبل العام 2015، ضيع السعوديون فرصة حساسة للانخراط مع العراق، وهي كانت فرصة نادرة استفادت منها ايران. وفي صيف العام 2006، قام نوري المالكي الذي فاز برئاسة الحكومة قبلها ببضعة شهور، بزيارة الى السعودية والتقى الملك عبدالله الذي خلص بعدها الى ان المالكي وحكومته يوالون ايران، ولا يمكنه الوثوق بهم، وامتنع عن تعزيز التواصل معهم. ومن خلال قيامه بذلك، فان الملك السعودي عزز القرار الاميركي السيء بغزو العراق، من خلال امتناعه عن تحقيق الاستقرار لجاره الشمالي.
واليوم، ينظر الى المالكي على انه حليف قوي لايران، وهي نظرة مضللة، ففي حين ان المالكي ليس رمزا للاخلاق، الا انه كرئيس للحكومة، كان سلطويا واتخذ مواقف فيها الكثير من المذهبية، لكنه في نهاية المطاف، كان عراقيا وطنيا. وبالاضافة الى ذلك، فان المالكي كرئيس للوزراء، حاول اعادة دمج في المحيط العربي والسعي لتطبيق مسار مستقل عن ايران. وفي الواقع، فان زيارة المالكي الى السعودية في العام 2006، كأول زيارة خارجية له كرئيس للحكومة وقتها، كانت اشارة الى رغبته لاعادة تحديد موقع العراق الطبيعي في العالم العربي.
وفي السنوات اللاحقة، فان المالكي وغيره من المسؤولين العراقيين البارزين في حكومته، حاولوا الانفتاح على السعودية، لكن الملك عبدالله لم يعد النظر في قراره بمقاطعتهم. وفي العام 2012، استضافت بغداد القمة العربية، وأوفدت السعودة وفدا تمثيليا متواضعا في تعبير عن الموقف الملكي بالنبذ. وحتى العام 2013، ظل المالكي ومسؤولون عراقيون آخرون يحاولون اعادة التواصل. وقد كان السلوك السعودي مغايرا بشكل جوهري عن جيران العراق العرب الاخرين، كمصر والامارات العربية المتحدة والاردن التي بدأت بالانخراط مع العراق قبل سنوات عدة. لكن دون الانخراط السعودي، فان الدول العربية الاخرى لم يكن وزنها مهما في العراق.
ولعقود طويلة، ظل السعوديون ينظرون الى ايران على انها قوة توسعية، وكانت النظرة بين السنة في العالم العربي ان الشيعة العرب موالون لايران، منتشرة بينهم بقوة. وبالاضافة الى ذلك، فان المعتقدات الوهابية السعودية، تقوم على تكفير الشيعة. وبناء على هذه المعتقدات، خلص القادة السعوديون ما ان غزا الاميركيون العراق وبدأوا بتقوية الشيعة العراقيين، ان الاميركيين "سلموا العراق الى ايران على طبق من فضة" مثلما كانوا يرددون القول منذ العام 2003.
واعتبر ريدل ان "المعتقدات السعودية حول ايران والشيعة العرب، ضللت فهمهم لما كان يجري في العراق، وقادهم للتقليل من شأن أفعال المالكي والتي حدت بالفعل من نفوذ ايران في بلده"، والتي كان من بينها عملية "صولة الفرسان" العسكرية ضد التيار الصدري الذي كان يعتبر وقتها حليفا للايرانيين في ربيع العام 2008.
وجلبت عملية "صولة الفرسان" الاشادة من زعماء سنة اساسيين في العراق، من بينهم نائب الرئيس طارق الهاشمي بالاضافة الى زعيم "الصحوات" أحمد ابو ريشة، لكن الملك السعودي عبدالله في المقابل، ظل مقتنعا ان المالكي لم يكن سوى دمية ايرانية.
ولقد كان للموقف السعودي بالانعزال عن العراق تداعياته الهائلة، فقد حرم السعوديون العراق من ثقل عربي كان يمكن ان يساهم في تحقيقه توازن في العلاقات مع ايران. وبسبب نبذهم من أهم لاعب عربي، فقد جاهد العراقيون بصعوبة من اجل اعادة دمج انفسهم في الاطار العربي، ما جعلهم أكثر اعتمادا على ايران.
وبالاضافة الى ذلك، فان العراقيين اعتبروا ان الموقف السعودي بعدم التعامل معهم، يشكل عداوة صريحة للنظام الجديد الذي نشأ في بغداد. ومع الوقت، بدأ العراقيون يشعرون ان بتهديد عميق من جانب من ينظر اليهم العديد من العراقيين بأنهم يسعون الى عكس مسار الهيمنة الشيعية في مرحلة ما بعد العام 2003. فقد تدفق السعوديون للالتحاق بتنظيم القاعدة في العراق في العام 2006 و2007، بتشجيع من الوهابيين. وكان شعور العراقيين بهذا التهديد من جانب السعوديين، قد عزز اعتمادهم اكثر على ايران.
كما ان قرار الرياض عدم التعامل مع بغداد، كان يعكس تناقضا جوهريا من حقيقة موقف واشنطن، بالسعي الى تغيير النظام في بغداد. فادارة جورج بوش لم تتحرك من اجل تعزيز الشيعة العراقيين كما جرى، وانما سمح قرارها استبدال ديكتاتورية صدام حسين بالديموقراطية، للغالبية الشيعية بشكل طبيعي ان تصعد الى السلطة. وكان مشروع الاميركيين، اذا قدر له النجاح، يتطلب ان يكون العراق الجديد مقبولا من قبل جيرانه. ومن اجل هذا الهدف، مارس فريق بوش ضغوطا كبيرة على السعوديين للانخراط مع العراق، وحتى ان جورج بوش نفسه حاول اقناع الملك عبدالله بالانفتاح على بغداد، وانما من دون جدوى.
وكان الملك عبدالله يرى ان عراقا يقوده الشيعة يتعارض مع المصالح السعودية، ولا يمكن لاي ضغوط تمارسها الولايات المتحدة يمكنها ان تغير موقفه هذا، ومهما كان عمق الصداقة السعودية-الاميركية. وكانت الولايات المتحدة تحتاج الى الدعم السعودي لتحقيق الاستقرار في العراق، لكنها سعت الى تحقيق تغيير للنظام في بغداد، بطريقة نفرت السعوديين. ولهذا، كان مشروع ادارة بوش، متعثرا منذ بدايته.
ومن أجل الانصاف، فان السعوديين شعروا بالخيانة من جانب ادارة بوش. فلقد ناشد السعوديون ادارة بوش الا تقوم بغزو العراق، لكنهم صدموا عندما لم يكتف الاميركيون بتنفيذ الغزو، وانما ايضا فعلوا ذلك بطريقة سمحت لايران لاختراق احتوائها الاقليمي. ولهذا، ليس من المفاجئ ان المملكة السعودية، رفضت الخضوع للضغوط الاميركية.
ومنذ وفاة الملك عبدالله في العام 2015، ادرك الملك سلمان وابنه الامير محمد بن سلمان اخيرا ان عدم الانخراط مع العراق، يخلي الساحة لايران. ومن المفارقة، ان التحول في سياستهم العراقية جاء في وقت كان السعوديون يكررون الخطأ نفسه على حدودهم الجنوبية في اليمن. ومثلما رأوا في المالكي كدمية ايرانية، فانهم ايضا نظروا الى الزيديين الحوثيين في شمال اليمن.
وكان الحوثيون ينظرون بايجابية الى الجمهورية الاسلامية في ايران، لكنهم لم يتلقوا من الدعم الحقيقي سوى القليل، الى ان استولوا على العاصمة صنعاء في خضم الحرب الاهلية في مرحلة ما بعد الربيع العربي في اليمن، في العام 2015. ورد السعوديون على استيلاء الحوثيين على صنعاء، من خلال شن حربهم الخاصة ضدهم. ومن تلك النقطة صعودا، ازداد ميل الحوثيين نحو ايران، باعتبار انها كانت الدولة الرئيسية الوحيدة التي وقفت ضد الحرب السعودية على اليمن.
وقبل العام 2015، خاصم السعوديون العراقيين، ومنذ العام 2015 خاصموا الحوثيين. وفي الحالتين، فان السياسة السعودية، عادت بالمنفعة على ايران. وعلى السعوديين ان يغيروا بشكل كبير كيفية تعاملهم مع جيرانهم من الشيعة العرب، بالانخراط معهم عوضا عن عزلهم.
وللاسف، كتب ريدل، فان مراجعة كهذه تبدو غير مرجحة في المدى المنظور، على الرغم من التقدم المحدود على صعيد العلاقة مع العراق. ان متطلبات التغيير الحقيقي في السياسة يتطلب اعادة تقييم عميقة من جانب السعوديين لميلهم نحو النظر الى الشيعة العرب على انهم دمى لدى ايران التوسعية.