شفق نيوز/ نشرت صحيفة الأوبزرفر، التابعة لمؤسسة «الجارديان» الإعلامية البريطانية، مقالًا لمراسلها لشؤون الشرق الأوسط، مارتن تشولوف، تحدث فيه عن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، والتحديات التي تواجهه للتخلص مما يسميه عباءة إيران، التي ما يزال نفوذها قويًّا ومستمرًّا داخل البلاد منذ الغزو الأمريكي قبل 17 عامًا.
ويقول تشولوف انه في أواخر شباط الماضي، وبعد ستة أسابيع من مقتل الجنرال الإيراني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، قاسم سليماني، في غارة جوية لطائرة أمريكية من دون طيار، كان المرشح لمنصب رئاسة الوزراء الشاغر يستعد بقلق وعصبية لمقابلة ستؤمِّن له المنصب.
يشرح المراسل كيف كان صعود مصطفى الكاظمي، من منصبه في رئاسة الاستخبارات العراقية إلى مقعد السلطة العليا، غير تقليدي، تمامًا مثل الرحلة التي قام بها للتو من بغداد؛ حيث جرت عملية تعيين المناصب الحساسة كهذه طوال العِقد الماضي.
ويضيف: هذه المرة، كان مصير الكاظمي سيُقرَّر في عاصمة أخرى، وهي العاصمة اللبنانية بيروت؛ حيث كان ينتظر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، لقاء رئيس الوزراء العراقي الجديد. وكان نصر الله يركِّز تقليديًّا على الشؤون الداخلية، بيدَ أنه وجد نفسه الآن مدفوعًا إلى طليعة المصالح الإيرانية بالمنطقة، ليمنح صوته الحاسم لاختيار أفضل من يمثل تلك المصالح.
وفي الأسبوع الماضي، استطاع الكاظمي أن يمرر حكومته بنجاح، وهو الأمر الذي تحقق بفضل تأييد نصر الله. بيد أنه خلال عملية المقايضة السياسية التي أمَّنت تشكيل حكومته في نهاية المطاف، كانت الفجوة التي كشفتها وفاة قاسم سليماني واضحة، على حد وصف الكاتب.
ويقول مصدر على صلة وثيقة بمسؤولين عراقيين وحزب الله اللبناني، بحسب الأوبزرفر «إن الإيرانيين والعراقيين في حالة ارتباك.. الفراغ كبير كما كان منذ دفن الحاج قاسم». ويلفت الكاتب إلى أن الفراغ الذي خلفته وفاة «الحاج قاسم» تسبب في تعثر جميع المشروعات الإقليمية التي كانت تجري باسمه.
ويلفت الى ان مصادر عراقية وسورية ويمنية تشير على وجه الخصوص، إلى أن الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس الذي يرعى مصالحه الأساسية، يصارعان من أجل الحفاظ على قوتهما في المنطقة؛ وتظهِر مقابلات مع مسؤولين عراقيين ولبنانيين أن بديل سليماني، إسماعيل قاآني، يصارع لترسيخ سلطته، حتى بعد إجرائه جولات في داخل القواعد الإيرانية في العراق وشبكات الوكلاء، التي شكَّلها سليماني خلال 17 عامًا من الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي.
ويقول مسؤول عراقي على صلة بجهاز الأمن القومي بحسب المراسل «إنه (قاآني) لا يتحدث لغتنا، وليس له تاريخ سابق في المنطقة، وحتى نكون منصفين تجاهه، فقد مُنِح مهمة لا يمكنه أداؤها».
ويوضح المسؤول العراقي أن قاآني كان في أفغانستان طيلة 12 عامًا، ولا يُتوقع أن يكون على دراية بطرق القبائل العراقية، أو كيف سارت الأمور منذ سنوات الرئيس الأسبق صدام حسين، والحديث لم يزل للمسؤول العراقي.
ويلفت المراسل تشولوف، الى انه ظهرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية، في وقت سابق من أيار الجاري، صورة لقاآني وهو يشذِّب لحيته خلال الحرب الإيرانية العراقية، في محاولة واضحة لجعل القائد الجديد لفيلق القدس أكثر تميُّزًا. وفي اليوم ذاته، وربما من قبيل المصادفة، أعلن ناشر إيراني أن مذكرات سليماني من مدة الحرب الإيرانية العراقية بعنوان «رفيقنا المبارك» ستصدر قريبًا. فحتى عندما حاول أنصار قاآني إضفاء الطابع الشخصي عليه، كان سليماني يغطي عليه بظلاله من قبره.
يقول الكاتب إن دور سليماني في إيران قد انهار، إذ كان القائد الاستخباراتي للقوات الخاصة، والمبعوث الرئاسي للمرشد الأعلى، آيه الله علي خامنئي. ويستبعد المقال أن يستطيع أي شخص الظفر بسلطات واسعة مثل تلك التي حظي بها سليماني. وفي غياب من يحظى بالثقل نفسه، بات من الصعب إدارة شبكات المجموعات المسلحة المدعومة إيرانيًّا، التي أسسها سليماني خلال 17 عامًا؛ وفيما كان الكاظمي يقترب من الحصول على المنصب الرفيع، مدعومًا من الولايات المتحدة والسعودية، اللتين رأتا فيه قائدًا لا يخضع للسيطرة الإيرانية على العراق، اصطدم بإحدى أقوى المجموعات المسلحة الموالية لإيران، وهي كتائب حزب الله، التي اتهمته بتسهيل العملية الأمريكية لاغتيال سليماني، ونائب قائد قوات ميليشيا الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، في الساعات الأولى من يوم الثالث من كانون الثاني الماضي.
وفي بيان أصدرته كتائب حزب الله مطلع الشهر الجاري قالت «خلال الأوقات الحساسة التي نمر بها، ينبغي للإخوة السياسيين الذين جلبوا الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، أن يعلموا قبل فوات الأوان أن الرجل ليس مؤهلًا للمسؤولية الموكلة إليه، وأنه ما يزال متهمًا بجريمة لم تُبَرَّأ ساحته منها".
وسعى الكاظمي قبل أسابيع للقاء مع قيادة كتائب حزب الله برعاية من الرئيس العراقي، وحاول الكاظمي طمأنتهم أنه لم يلعب أي دور في مقتل سليماني والمهندس، لكنه ترك المجال مفتوحًا أمام احتمالية تواصل عضو في الاستخبارات الوطنية العراقية مع جواسيس أمريكيين.
ويقول مسؤول على علم بالمحادثات، بحسب الكاتب «إن الاتفاق الرسمي يقضي بألا تقف كتائب حزب الله في سبيل حصوله على منصب رئاسة الوزراء، بيد أنهم سيواصلون الحديث ضده». ويكشف مسؤول على علاقة بالرئاسة العراقية، عن أن «الكاظمي يواجه مزيدًا من الضغوط… توجد خلافات بين الأحزاب الشيعية، التي لا تتفق معًا في كثير من القضايا». ويضيف «بالنسبة للإيرانيين، كانت خسارة المهندس وقاسم سليماني بالطبع ضربة قوية، وهم يعيدون ترتيب كياناتهم الآن. لكن هل فقد الإيرانيون السيطرة؟ إن ذلك لم يحدث على الإطلاق، والدليل على ذلك هو تدخلهم في تشكيل الحكومة".
ويشير الكاتب إلى أنه بعد أن أصبح الكاظمي المسؤول الأول (رئيس الوزراء) في العراق الآن، فإن مسؤولين أمريكيين وسعوديين يقدمون اشادات غير علنية بعصر جديد من السيادة العراقية. ودفعت واشنطن حلفاءها من الكورد في إقليم كوردستان والسنة في الوسط لدعم الكاظمي.
وفي الختام ينقل المقال عن مسؤول إقليمي قوله «البلدان يعتقدان أنهما ظفرا برجلهما الذي يتمنيانه داخل العراق، وهما يحتفلان، لكن متى سيفهمان العراق؟.