شفق نيوز/ يكمل العراق يوم غد الاثنين، عاماً كاملاً منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، في غياب حكومة جديدة أو موازنة مالية، جراء شلل سياسي يهدّد بحرمان البلاد من مشاريع بنى تحتية وفرص إصلاح هي بأمس الحاجة إليها.
وذكر موقع "تايمز أوف إسرائيل" في تقرير اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، أن العراق حقق إيرادات نفطية هائلة خلال العام 2022. وتقبع هذه الأموال في البنك المركزي العراقي، الذي بلغت احتياطياته من العملة الأجنبية 87 مليار دولار.
حكومة بصلاحيات كاملة
لكنّ الاستفادة من هذه الأموال في مشاريع يحتاج إليها العراق مرهون بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وموازنة تضبط إيقاع الإنفاق، فالحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي تتولى منذ عام تصريف الأعمال ولا تملك صلاحية طرح مشروع الموازنة على البرلمان.
وأوضح الخبير الاقتصادي في "ميدل إيست إيكونوميك سيرفي"، يسار المالكي، أن "مشاريع البنى التحتية تحتاج إلى سنوات من التمويل الثابت من الحكومة"، مضيفاً أن "الوضع السياسي تسبب باضطراب كبير زاد في إضعاف موقف العراق، الهش أصلا، أمام مستثمريه".
وأشار إلى أن "الأزمة السياسية أضيفت إلى مخاوف أخرى قائمة منذ زمن، لا سيما الأمنية والفساد".
وما تزال الخلافات السياسية متواصلة بين المعسكرين الشيعيين البارزين، التيار الصدري من جهة والإطار التنسيقي، الذي يضمّ كتلاً تمثّل الحشد الشعبي، من جهة ثانية، بعد عام على انتخابات شهدت تردداً أصلاً من الناخبين العراقيين، ومع عجز طرفي الأزمة السياسية عن حلّ خلافاتهما، لم تتشكّل بعد حكومة جديدة.
ضياع فرص كبيرة
وفي 29 آب/ أغسطس الماضي، اندلعت أعمال عنف في بغداد، بين مقاتلين من التيار الصدري من جهة، والقوات الأمنية من جهة ثانية، راح ضحيتها أكثر من 50 شخصاً من مناصري الصدر.
واعتبرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت أمام جلسة لمجلس الأمن مؤخراً أن تلك الأحداث كان يفترض أن تمثّل "جرس إنذار"، مضيفةً أن "الوضع ما يزال شديد التقلب".
وتابعت "فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه".
وفي حين قدّر البنك الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5,4% في المتوسط سنوياً بين عامي 2022 و2024، إلا أن "توقعات الاقتصاد الكلي تحيطها درجة كبيرة من المخاطر نظراً للاعتماد الكبير على النفط، واستمرار أوجه الجمود في الموازنة، والتأخير في تشكيل الحكومة الجديدة"، كما ورد في تقرير في حزيران/ يونيو الماضي.
نتيجة غياب موازنة، ينفق العراق اليوم على أساس قانون الإدارة المالية الاتحادي أي ما أنفق في الموازنة السابقة مقسّماً على 12 شهراً، وهو ما لا يعكس واقع الايرادات التي حققتها البلاد في 2022.
لكن "هذه ميزانيات الحدّ الأدنى.. تماثل الماضي وليس الحاضر أو المستقبل وتنعدم فيها فرص النمو الاقتصادي، وتحرم العراق من مشاريع استراتيجية كبيرة"، وفق المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح.
وأضاف لوكالة فرانس برس "نضيّع فرصًا كبيرة، فرص الاستثمار بمشاريع مهمة واستراتيجية ومخطط لها".
وعلى سبيل المثال، وقّع العراق عقداً الصيف الماضي مع شركة "توتال إنرجي" الفرنسية، ينضوي على مشاريع عديدة لا سيما في مجال استغلال الغاز المصاحب والطاقة الشمسية، بقيمة عشرة مليارات دولار يموّل جزئياً من الحكومة العراقية، ما يزال في بداياته.
و"تعمل الحكومة العراقية بجد في تسريع العمل فيها ورفع العقبات أمامها"، وفق مصدر مطلع على الملف.
مشاريع أخرى تسير "بوتيرة بطيئة" في قطاع النفط، ومع "غياب حكومة بصلاحيات كاملة، وزارة النفط لا تستطيع أن تموّل وتوقّع وتمنح عقوداً لهذه المشاريع الأساسية"، كما يشرح يسار المالكي.
"الناس متعبة"
لتلبية النفقات الطارئة، شرّع البرلمان العراقي قانون الدعم الطارئ في حزيران/ يونيو، بقيمة 25 تريليون دينار (17 مليار دولار)، سمح بسدّ حاجات طارئة للسكان وشراء حبوب لضمان "الأمن الغذائي"، لكن أيضاً ضمان شراء الطاقة والكهرباء من الخارج.
ومع اقتراب العام 2023 بدون موازنة، سيكون على السلطات إما تشريع قانون جديد مماثل للأمن الغذائي أو الاستمرار بالصرف على أساس الـ12 شهراً، أي "تقليص الإنفاق مرة جديدة"، كما يشرح يسار المالكي.
عند استقالته من منصبه كوزير مالية في آب/ أغسطس الماضي، لم يتوان علي علاوي، صاحب المشروع الاقتصادي الإصلاحي الذي لم يتحوّل تماماً إلى واقع ملموس، عن تحديد المشكلة بصراحة تامة.
وكتب في رسالة استقالته "كل خطط وبرامج الحكومة مقيّدة دائماً بالحاجة إلى الحصول على اتفاق واسع من طبقة سياسية ممزقة".
وأضاف "كل دعوات الإصلاح جرى إعاقتها بسبب الإطار السياسي لهذا البلد".
ومن بين كل عشرة شباب، يوجد أربعة عاطلون عن العمل، وفق الأمم المتحدة، فيما ثلث السكان الـ42 مليوناً، هم تحت خط الفقر.
رغم العائدات النفطية الهائلة، لم تتحسّن كثيراً حياة أمين سلمان الستيني المتقاعد من الجيش العراقي الذي كان بين المتظاهرين في الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين 2019 غير المسبوقة، التي خرجت ضدّ النظام والفساد.
يقول الرجل من ساحة التحرير في وسط بغداد "البلد يمرّ بأزمة سياسية وهذه الأزمة السياسية تؤثر على الناس. الناس كلها متعبة".
لا يتقاضى الرجل سوى 400 ألف دينار (274 دولارًا)، وهو مبلغ بالكاد يغطي قوته اليومي، أما ولداه، فعاطلان عن العمل.
ويضيف "العراق فيه مليارات، فيه أموال وفيه ذهب، لكن السياسيين لا تهمهم سوى أحزابهم وجيوبهم".