شفق نيوز- بغداد/ واشنطن

انتقد المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، بشدة حصيلة التدخل الأميركي في العراق والمنطقة، معتبراً أن بلاده أنفقت نحو ثلاثة تريليونات دولار وخاضت عشرين عاماً من "التاريخ الكارثي"، قبل أن تنسحب من العراق "من دون مكاسب حقيقية"، على حد تعبيره.

وقال باراك الذي زار العراق مؤخراً، في مقابلة مع شبكة "The National" وأطلعت عليها وكالة شفق نيوز، إن التجربة العراقية تمثل نموذجاً لما وصفه بأنه "سياسات لا يجب أن تتكرر"، مشيراً إلى أن التدخل انتهى "بفقدان مئات آلاف الأرواح وترك البلاد في حالة فوضى"، مع فراغ ملأته إيران عبر فصائل مسلحة تدين لها بالولاء.

وأوضح أن الولايات المتحدة دفعت باتجاه صيغة فيدرالية في العراق، تقوم على حكومة اتحادية في بغداد مع كيان كوردي يتمتع بقدر واسع من الحكم الذاتي في الإقليم الغني بالنفط، محذراً من أن هذه المقاربة أدت فعلياً إلى "تجزئة" شبيهة بما جرى في يوغسلافيا السابقة.

وأضاف أن نموذج "الفدرلة الممزقة" لم ينجح، وأن العجز عن التوافق على صيغة واحدة للحكم فتح الباب أمام تقسيمات أوسع وصدامات بين المكونات، قبل أن تستغل طهران الفراغ السياسي والأمني لتعزيز نفوذها داخل مؤسسات الدولة.

وأشار إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران باتت تمتلك نفوذاً واسعاً داخل البرلمان العراقي، معتبراً أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني "شخص جيد" على حد وصفه، لكنه يفتقر إلى القوة السياسية الكافية بسبب تركيبة مجلس النواب وتحكم أطراف مرتبطة بالحشد الشعبي بمسارات تشكيل الائتلافات.

انسحاب عسكري وتركيز على مكافحة الإرهاب

وأكد باراك أن القيادة الأميركية الحالية حسمت موقفها بعدم إرسال قوات برية جديدة إلى المنطقة وعدم الدخول في التزامات مالية بعشرات المليارات، والاكتفاء بوجود دبلوماسي وأمني مركز في سفارة "ضخمة" في بغداد وقنصلية كبيرة في أربيل.

وقال إن واشنطن باتت تعلن أن وجودها في المنطقة يتركز على مهمة واحدة هي "مكافحة الإرهاب"، لافتاً إلى أن الرئيس الأميركي تعهد بعدم المخاطرة بحياة الجنود الأميركيين في "معادلة لم تثبت نجاعتها خلال مئة عام".

وفي تقييمه للوضع الراهن، وصف باراك، العراق بأنه في "حالة فوضى"، مشيراً إلى أن "القتال الإيراني على العراق" شديد، وأن طهران تنظر إلى بغداد بوصفها آخر مساحة نفوذ رئيسية بعد الضغوط التي تواجهها في ملفات حزب الله وحماس والحوثيين.

كما تطرق إلى ملف إيران، مؤكداً أن الإدارة الأميركية "منفتحة" على حوار جدي مع طهران بشأن برنامجها النووي ووقف تمويل الجماعات المسلحة الحليفة لها، إلا أنه شدد على أن واشنطن لا تقبل "حواراً شكلياً يطيل أمد الحروب بالوكالة".

وأوضح أن الرئيس الأميركي يدرك أن إيران تخطط وفق أفق زمني يمتد لعقود، في حين أن ولاية أي رئيس أميركي محدودة، محذراً من محاولات "استدراج واشنطن إلى مفاوضات لا تنهي دوامة العنف، بل تمنح الوقت لمزيد من التصعيد عبر الوكلاء".

وفي الشأن اللبناني، وصف المبعوث الأميركي، لبنان بأنه "دولة فاشلة" مالياً واقتصادياً، مع دين عام ضخم ونظام مصرفي شبه معطل يعتمد على الحوالات وشركات التحويل، في ظل بيئة يقول إنها اضطرت إلى الفساد "كي تستمر".

مع ذلك، رأى أن هناك فرصة لتجنب حرب أهلية جديدة، مشيراً إلى وجود قيادة سياسية تقول إنها لا تريد تكرار تجربة الثمانينيات.

واعتبر أن معضلة حزب الله معقدة، إذ تصنفه الولايات المتحدة "منظمة إرهابية أجنبية"، بينما يشكل في الداخل جزءاً من البنية السياسية وتمثيلاً أساسياً للطائفة الشيعية في البرلمان.

وأكد أن أي حل واقعي لا يمكن أن يقوم على "نزع سلاح الحزب بالقوة"، بل على صيغة تضمن "عدم استخدام هذا السلاح" ضمن اتفاق أوسع يراعي هواجس الطائفة الشيعية ويضع مسافة بين الحزب وطهران، مع الإشارة إلى أن دولاً خليجية أنفقت مليارات الدولارات في محاولات سابقة لمعالجة هذا الملف.

كما كشف المبعوث باراك عن جهود أميركية لدفع لبنان نحو حوار مباشر مع إسرائيل، بدلاً من الاكتفاء بآليات غير مباشرة ترعاها أطراف ثالثة، معتبراً أن أي تسوية مستدامة تتطلب اتفاقاً واضحاً حول وضع حزب الله والحدود وترتيبات الأمن في الجنوب.

وبشأن سوريا، تحدث بإيجابية عن السلطة الجديدة هناك، قائلاً إنها أنهت "خمسين عاماً من الفظائع" وتحاول السير في "مسار مختلف"، بعد انضمامها للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش واعتمادها مقاربة أكثر تعاونية مع واشنطن.

وأكد أن جزءاً من الحل، في نظره، يكمن في اتفاق أمني وحدودي مع إسرائيل يمهّد لاحقاً لتطبيع العلاقات.

في ختام حديثه، انتقد باراك سجل محاولات تغيير الأنظمة في العالم منذ منتصف القرن الماضي، معتبراً أن عشرات الانقلابات والتغييرات التي شاركت فيها الولايات المتحدة "فشلت جميعاً تقريباً".

وأشار إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترمب، لا تؤمن بسياسة "تغيير الأنظمة"، بل تدفع نحو حلول إقليمية تصوغها دول المنطقة نفسها، موضحاً أن ما جرى في المواجهات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله ليس نهاية القصة، بل "فصلاً من فصول متعددة لم تكتب نهايتها بعد"، على حد قوله.