شفق نيوز/ ذكر رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أن البلاد كانت على حافة حرب أهلية إثر المواجهات الدامية في المنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة بغداد بين مناصري التيار الصدري من جهة، والقوات الأمنية والفصائل المسلحة من جهة أخرى إلا أنه أكد أن للصدر الحق في تشكيل الحكومة الإتحادية المقبلة غير أنه اخطأ واضاع الفرصة بعد انسحاب كتلته من البرلمان والعملية السياسية.
جاء ذلك في مقابلة التي أجراها الصحفي والكاتب الفرنسي جورج مالبرونو، كبير محرري صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مع الكاظمي.
وأجاب الكاظمي عن سؤال وجهته له الصحيفة عن يوم المواجهات الدامية في المنطقة الخضراء، قائلا: نعم كنا على حافة حرب أهلية، ولكن الحكومة عملت بكل حكمة وتدبير كي لا ننجر لذلك، مردفا بالقول إنه كان رهان الطرفين على أن الحكومة تكون مع طرف، ولكني أخذت القرار ألّا أكون طرفا.
وأضاف أنه خلال 24 ساعة من الصراع المحتدم، قد وظفت جميع امكانياتي وعملت جميع التواصلات الممكنة واعطيت توجيهات واضحة وصريحة وحازمة للقوات الأمنية لإبعاد شبح الحرب الأهلية، ونجحت بذلك. وهذا قراري من أول يوم من عمل حكومتي هو ألّا أكون طرفا في أي صراع، وأن أُحافظ على الاعتدال والتوازن. أعتقد بإيمان راسخ أنه يجب علينا أن نبتعد من الانجرار للعنف.
وسئل عن هدف المتظاهرين في يوم 29 آب الماضي جراء الأحداث في المنطقة الخضراء، قال الكاظمي كان هناك، في ذلك اليوم، فوضى لدى جميع الأطراف المتورطة. كان لدى الطرفين قرارات مبنية على معطيات خاطئة جرتهم الى ساحة المواجهة.
ونوه إلى أن كل الأطراف حاولت أن تستعرض عضلاتها، وحاولت بعض الأطراف أن تعبر عن غضبها، ولكنها أخطأت في اختيار طريقة للتعبير عنها، مبينا أن البدايات كانت عفوية، وقد نحجنا في إخراج المتظاهرين من القصر الحكومي بشكل سلمي، وكان المتظاهرون مصممين على الخروج من البرلمان ايضا، ولكن تطوّرت الأمور بين الطرفين فجأة وانتهى الأمر بينهما الى مواجهة مسلحة خطيرة. ولهذا أؤكد دائما على ضرورة ترسيخ قيم الديمقراطية والالتزام بآليات الدولة المدنية الحديثة واستخدام ديبلوماسية الحوار والتفاهم وفق منطق الدولة المدنية الحديثة.
وبشأن هدف الصدريين هل كان انقلابا او عزل قيادات من خلال مواجهات الخضراء، قال الكاظمي، إنه لم تكن هناك نية انقلاب او ما شابه ذلك ابدا. كان هناك غضب شعبي تم التعبير عنه احيانا بطرق غير سليمة، وقد صاحب ذلك أيضا استخدام غير مقبول للسلاح والعنف، وفي النهاية اخطأ كلا الطرفان التقدير وتورطوا بإراقة الدماء.
وذكر أنه قد ساهم في ذلك أيضا تصريحات عدد من القادة السياسيين مما خلق تصعيدا خطيرا ساهم في اشعال فتيل العنف بين الطرفين. هناك بالحقيقة حرب نفسية قوية تجري بين الطرفين، يجب أن يكون القادة السياسيين على حذر منه.
وسُئل عن حقيقة رغبة الصدريين بإنتخابات مبكرة قال رئيس مجلس الوزراء، إنه لم تتعامل جميع الأطراف السياسية بحكمة وعقلانية، والسبب هو عدم الرضوخ للقانون. لدينا دستور وقوانين وتوقيتات دستورية واضحة جدا، ولكن لم يتم الالتزام بها للأسف.
وأوضح أن السبب هو أن القوى السياسية لا تؤمن بالقيم الديمقراطية الحقيقة، بل يؤمنون بالقوة والسلطة فقط. قيم الديمقراطية جديدة على البلد، وبالتالي هذه القيم غريبة على الطبقة السياسية وبعيدة عن سلوكهم.
وحول الاتهامات الموجهة الى الكاظمي بالسماح للصدريين بالدخول الى المنطقة الخضراء، أجاب قائلا: لم أسمح لهم، بل وقفت القوات الأمنية بتوجيه مني بكل قوة أمامهم وقد قدمت قواتنا العديد من الجرحى لمنعهم من الدخول واقتحام مؤسسات الدولة.
واستدرك القول: لكن كان زخم المتظاهرين كبير ولم تستطع القوات الأمنية من ايقافهم، وكنت قد وجهت لهم بعدم استخدام الرصاص الحي في كل الأحوال منعا من الانجرار إلى العنف، ولكن بعض القوى ما زالت تؤمن باستخدام الأساليب الديكتاتورية للعنف والقمع، ويريدون مني إطلاق الرصاص الحيّ على المواطنين، وهذا أمر مرفوض وتعارض تماما مع إيماني بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعالم المتحضر.
وما يتعلق في إيقاف الصدر المواجهة الدامية ذكر رئيس الحكومة العراقية، أن ضغوط مختلف الجهات ساهمت في الأمر. مشاهد إراقة الدماء والضحايا أيضا والتداعيات المحتملة لذلك على المشهد العراقي المتأزم من الأساس أيضا أدى بالصدر الى قرار الانسحاب، وقد حمّل الصدر نفسه جميع الأطراف بما فيه جماعته مسؤولية الأحداث.
وعن ضرورة الانتخابات المبكرة قال الكاظمي إن الجميع متفقون على الانتخابات المبكرة. الانتخابات الأخيرة رغم نزاهتها العالية المشهود عليه من مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الاوربي والمنظمات الدولية الأخرى التي شاركت بمراقبتها، لم تؤد الى تشكيل حكومة بسبب فشل القوى السياسية من الاتفاق، والتكالب على السلطة على حساب المواطن وحركة بناء البلد. وعليه، كما هو في جميع الأنظمة البرلمانية الأخرى، يجب أن تكون انتخابات أخرى لحل الأزمة السياسية.
ودعا الكاظمي جميع الأطراف السياسية إلى أن تجتمع الآن وتضع آليات إجراء الانتخابات، مع توفير المتطلبات القانونية والإدارية والمالية لإجراء الانتخابات.
وأكد أن البلد بحاجة ماسة الى الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، وترسيخ ثقافة القيم الديمقراطية من احترام الدستور وتوقيتاته ونتائج الانتخابات والتعامل معها بعقلانية بعيدا عن الازدواجية في النظر اليها، حيث يقبلون بنتائجها حين تؤدي الى فوز ويرفضون ذلك حين تؤدي الى خسارة لهم.
وعن فوز الصدر في الانتخابات وحقه في تشكيل الحكومة، لفت الكاظمي إلى أن الصدر قد حصل على أكثر المقاعد في الانتخابات الأخيرة، وطبعا يجب أن تتاح له الفرصة في تشكيل الحكومة، ولكن في نفس الوقت على الصدر البحث عن شركاء آخرين ليتمكن من تشكيل الحكومة.
وقال ايضا إنه قد أخطأ الصدر أيضا في قراره بالانسحاب من البرلمان ما أتاح الفرصة لمنافسيه أن يملؤوا فراغه ويتحولوا الى أكبر كتلة في البرلمان. جميع القوى السياسية العراقية ما زالت فتية على القيم الديمقراطية ولا تجيد لعبة السياسة الديمقراطية الحديثة.