شفق نيوز/ انتقد المعهد الأسترالي للشؤون الدولية، عدم إيلاء القضية الكوردية الاهتمام الكافي على المستوى العالمي من جانب الإعلام والسياسة والعمل الأكاديمي، متسائلاً "أين الغضب العالمي" حيث أن النضال الذي تواجهه الأمة الكوردية، وهي أكبر مجموعة قومية عديمة الجنسية في الشرق الأوسط، ظلت محاطة بالغموض بدرجة كبيرة.
وبداية، ذكر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن هجمات الطائرات المسيرة التركية التي تستهدف الكورد في العراق وسوريا، يرافقها صمت مدو من جانب الدول نفسها ووسائل الإعلام العالمية التي تسارع إلى العمل في أماكن أخرى في العالم، وهو ما يسلط الضوء على ديناميكية مثيرة للحيرة والقلق، متسائلاً عن غياب الغضب العالمي.
كوردستان وفلسطين
وتابع التقرير قائلاً إن العالم شهد طوال أكثر من قرن من الزمان، كفاح الدول التي تناضل من أجل تقرير المصير، وبرغم ذلك فإن الأضواء يتم تعتيمها على بعض الروايات، مما يطرح تساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء هذا التفاوت، مضيفاً أن الحيرة تتعزز عندما تجري المقارنة بين هذا الوضع وبين محنة أخرى مشابهة في المنطقة نفسها.
وفي هذا الإطار، أوضح التقرير أنه بينما تم توجيه قدر كبير من الاهتمام نحو فلسطين، فإن النضالات التي تواجهها الأمة الكوردية في كوردستان، والتي وصفها بأنها أكبر مجموعة قومية عديمة الجنسية في الشرق الأوسط، ظلت تحت الغموض بدرجة كبيرة.
وبحسب التقرير الأسترالي، فإن تطلعات كل من كوردستان وفلسطين، إلى جانب شعبيهما، تتمحور حول الحق الأساسي في تقرير المصير، وهو مبدأ ينص عليه القانون الدولي ويؤكد على حق جميع الشعوب في أن تقرر وضعها السياسي بحرية، وتحقيق مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأضاف أنه "بينما يبدو هذا المبدأ متوازناً على الورق، إلا أن هناك تناقضاً صارخاً في الاهتمام بين فلسطين وكوردستان وهو واضح ليس فقط في التغطية الإعلامية والبيانات الصحفية وإنما أيضاً في المجال الأكاديمي".
وأوضح التقرير قائلاً إن البحث السريع من خلال الإنترنت، يكشف عن الفرق الهائل في تمويل الأبحاث والتركيز الأكاديمي المخصص للقضية الفلسطينية مقارنة بالقضية الكوردية، مضيفاً أنه خلال العقود السبعة الماضية، تخطى حجم الدراسات والتحليلات والمناقشات التي تركزت حول فلسطين بكثير حجم أي صراع آخر لتقرير المصير على مستوى العالم، وخاصة منذ إنشاء إسرائيل.
القرار الوحيد
وبالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن التفاوت كان واضحاً أيضاً من خلال القرارات العديدة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والتي تتناول قضية فلسطين.
وأضاف أنه في مقابل ذلك، وفيما يتعلق بحالة كوردستان، فقد صدر قراراً واحداً، وهو قرار مجلس الأمن رقم 688 في نيسان/ أبريل عام 1991، ويتعلق حصراً بجزء فقط من كوردستان، وتحديداً في جنوب كوردستان في العراق.
ولفت إلى أن هذا التفاوت في الاهتمام الدولي يصبح أكثر وضوحاً عند دراسة عدد القرارات التي تستهدف إسرائيل، والتي تجاوزت 200 قرار منذ العام 2015.
وفي الوقت نفسه، مرت محنة الكورد في إيران وسوريا وتركيا من دون أن يلاحظها أحد من جانب المجتمع الدولي بدرجة كبيرة.
وذكّر التقرير بما جرى في العام 2005، حيث أنه بعد عقود من القمع من قبل الدولة العراقية، وسع الدستور الاعتراف النادر بالكورد في جنوب كوردستان، ومنحهم الحكم الذاتي والتمثيل داخل الإدارة الحاكمة للدولة، إلا أن الدول القمعية والقومية الأخرى، مثل إيران وسوريا وتركيا، ما تزال مستمرة في حجب الاعتراف بالكورد، على الرغم من التزامها باتفاقيات حقوق الإنسان.
الإبادة الجماعية
وأكد التقرير أن المآسي في كوردستان تكشف عن حجم لا يمكن الاستهانة به، مضيفاً أن الخسائر في الأرواح هناك تتخطى بكثير الخسائر الناجمة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيراً إلى أنه في حالة واحدة، قام النظام العراقي بعملية قتل جماعي لأكثر من خمسة آلاف مدني كوردي في جنوب كوردستان خلال يوم واحد في 16 آذار/ مارس 1988 باستخدام غاز الأعصاب.
وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى سجل النظام الإيراني الذي يتضمن عمليات القتل المنظم خارج نطاق القضاء والاستخدام المفرط للقوة ضد الكورد في شرق كوردستان، في حين يواجه عدد كبير من السجناء السياسيين الكورد عقوبة الإعدام، في حين أن الانتهاكات لحقوق الكورد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منتشرة أيضاً، والتي كان بدأها نظام الشاه.
أما في تركيا، فيقول التقرير إنه جرى نكران الاعتراف بالهوية الكوردية منذ فترة طويلة في الدستور منذ العام 1923، بينما تعرض الكورد إلى العديد من المذابح في ظل الدولة التركية والتي يمكن أن تكون بمثابة إبادة جماعية.
وإلى جانب ذلك، يقول التقرير إن القمع واضح في مختلف المجالات حيث جرت إقالة رؤساء البلديات الكورد المنتخبين واعتقالهم بتهم لها دوافع سياسية، وجرى استبدالهم أيضاً بمسؤولين معينين من قبل الحكومة.
وتابع أن البرلمانيين الكورد جرى تجريدهم جماعياً من حصانتهم البرلمانية وحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة.
وبالنسبة إلى سوريا، فقد أشار التقرير إلى أن الكورد في كوردستان الغربية "روج آفا" قبل الحرب الأهلية، عانوا من التعريب والتجريد من الجنسية بمئات الآلاف.
واعتبر التقرير أن صمت الأمم المتحدة في الرد على مثل هذه الإجراءات التي لا تعد ولا تحصى، يطرح تساؤلات مهمة حول دورها في حماية حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.
وتابع التقرير قائلاً إن تصرفات تركيا لم تقتصر على حدودها إذ أنها انتهكت سيادة العراق وسوريا، واحتلت مناطق من "روج آفا"، وارتكبت انتهاكات تتعلق بالسكن والأراضي والممتلكات، وتسببت بأحداث تغيير ديموغرافي منذ العام 2018.
وإلى جانب ذلك، فقد بدأت تركيا بشكل متكرر تنفذ عمليات توغل وشن ضربات بطائرات مسيرة، مما أدى إلى سقوط مئات الضحايا بين المدنيين وفي صفوف القوات الكوردية في غرب وجنوب كوردستان، في سوريا والعراق.
وأضاف أن جنوب كوردستان تعرض أيضاً لهجمات الطائرات المسيرة الانتحارية والضربات الصاروخية التي يشنها النظام الإيراني، والتي تستهدف الأحزاب الكوردية المعارضة المتمركزة هناك.
وأشار التقرير إلى أن هذه الانتهاكات التي تقوض السلام والأمن الدوليين، لم تواجه سوى الحد الأدنى من الاستنكار الدولي، مضيفاً أن ذلك يطرح تساؤلاً عما إذا كان ينظر إلى سيادة العراق وسوريا على أنها أقل شرعية من سيادة الدول الأخرى، لافتاً إلى أن الشكاوى المتعلقة باستخدام القوات التركية لأسلحة كيمياوية محظورة ضد القوات الكوردية استقبلت بغياب استجابة من المجتمع الدولي بشكل مثير للقلق.
حلف الناتو
وتساءل التقرير عما إذا كانت العضوية في حلف "الناتو" تمنح حصانة معينة لانتهاك القانون الدولي من دون عواقب.
واعتبر التقرير أن "كل ضحية مدنية يجب أن تستحق عنواناً رئيسياً في وسائل الإعلام العالمية، ومع ذلك فإن مثل هذه الحوادث غالباً ما تنفلت من رادار الاهتمام".
وخلص التقرير إلى القول إن التفاوت في الاهتمام الدولي يصبح أكثر إثارة للمشاعر عندما تتم مقارنته بالوضع بين إسرائيل وفلسطين. ثم تساءل بالقول "ما الذي يميز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويرفعه إلى مرتبة عالمية بارزة، في حين تواجه محنة الكورد وتقسيم كوردستان بين الدول الأربع، الغموض نسبياً؟".
وحول اتهامات الفصل العنصري كالتي تواجهها إسرائيل، قال التقرير "ما هي التسمية التي ينبغي إعطاؤها لأنظمة تركيا وسوريا وإيران، والعراق قبل العام 2003، والتي قمعت الحقوق الكوردية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى؟".
تقرير المصير
وبعدما أكد التقرير على ضرورة أن نتذكر أن جميع الشعوب لها الحق في تقرير المصير، لفت إلى أن وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية تؤدي دوراً جوهرياً في تشكيل الروايات والتصورات، وتؤثر عن غير قصد على النضالات التي تحظى بالاعتراف وتلك التي تظل في الظل، وأن نموذج كوردستان يعتبر أحد الأمثلة على ذلك، وسط عدد لا يحصى من الحالات الأخرى، بما في ذلك بابوا الغربية، وبلوشستان، والروهينغا في ميانمار، والإويغور في شينجيانغ الصينية، ومختلف مجموعات السكان الأصليين أو الأقليات الدينية في دول مثل الهند وباكستان وإندونيسيا وأمريكا الجنوبية.
وفي المقابل، أعرب التقرير عن الأسف لأن الكورد لا مكانة لهم في القانون الدولي مثل محكمة العدل الدولية، مضيفاً أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام العالمية تؤيد حق تقرير المصير لفلسطين، فلا يتحتم أن يكون هناك أي عائق أمام تطبيق نهج مشابه بالنسبة لكوردستان، بما يضمن أن يكون هناك توزيع متوازن ومنصف للاهتمام والدعم عبر جميع النضالات من أجل تقرير المصير، وتعزيز النظام العالمي ليكون عادلاً وشاملاً.