شفق نيوز/ تعهّد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بوضع القضاء على الفساد على رأس أولوياته عند تسلمه منصبه أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبدأت الحرب على الفساد بين الملاحقة وإصدار مذكرات القبض وحجز الأموال، الا أن هذه المعالجات "انحصرت ضمن نطاق ضيق لا يُطال رؤوس الفساد"، وفق مراقبين، فيما كشفت جهات مختصة بمكافحة الفساد، ما يحصل بعد اتهام مسؤولين كبار في الحكومة بالفساد.
وتعلن هيئة النزاهة الاتحادية، وهي هيئة شبه مستقلة خاضعة لرقابة مجلس النواب ومكلفة بمكافحة الفساد، كل شهر عن صدور عشرات أوامر القبض والاستقدام بحق عدد من كبار المسؤولين وذوي الدرجات العليا، متوعدة بمواصلة الحرب على الفساد والمفسدين، واصفة المعركة بأنها مصيرية.
عزم حكومي
ويؤكد المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، هشام الركابي، أن "الحكومة مستمرة في ملاحقة الفاسدين واسترداد الأموال، وهذه من أولويات عملها وضمن برنامجها الحكومي"، لافتاً خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى "اعتقال الكثير من المسؤولين الفاسدين في محافظات مختلفة، وهناك متابعة لملفات الفساد بالتنسيق مع هيئة النزاهة ومجلس القضاء الأعلى".
وتعطي هيئة النزاهة، "قضايا كبار الفاسدين وما يُعنى بقضايا الدرجات الخاصة الأولوية ضمن دوائرها التحقيقية لتنفيذ أوامر القبض والاستقدام بحقهم، وهو ما يظهر في الحصيلة الشهرية التي عادة ما تتجاوز 30 متهماً من الدرجات الخاصة بدرجة مدير عام، ووزير، ووكيل وزير، وسفراء، ونواب حاليين وسابقين"، وفق رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة، محمد الربيعي.
وينوّه الربيعي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "إعداد ملف استرداد المتهمين الهاربين إلى خارج البلاد يستغرق عدة شهور، بسبب الإجراءات القانونية والمخاطبات الدولية بهذا الخصوص"، مبيناً أن "أوامر القبض بحق الفاسدين ليس فيها تمييز سواء كان مسؤول أو مواطن".
يشار إلى أن السوداني لم يضع مكافحة الفساد على رأس أولويات برنامجه الحكومي فحسب، بل أعلن عن تشكيل "الهيئة العليا لمكافحة الفساد"، ويحاول استرداد الأموال المسروقة، إضافة إلى التنسيق مع المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد، كالأمم المتحدة والبنك الدولي والشرطة الدولية (الإنتربول) وعدد من الدول من أجل تطوير قدرات العراق ومؤسساته المعنية بالقضاء على الفساد.
لكن في المقابل، يستغرب رئيس مركز"رصد" للدراسات السياسية والاستراتيجية، د.محمد غصوب يونس، رغم امتلاك العراق عدة جهات رقابية منها الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، ولجنة النزاهة النيابية، والمحاكم التي تتابع هذه القضايا، لكن لحد الآن، "لم تستطع هذه الجهات أن تشير إلى الشخصيات الكبيرة التي تقود عمليات الفساد".
نوعان من الفساد
ويُفصّل يونس خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أنواع الفساد بالقول: "هناك نوعان من الفساد، الأول فساد غير مشرعن وغير محمي، وهو ما يقوم به بعض البسطاء من السارقين واللصوص، أما النوع الثاني فهو فساد مشرعن ومحمي من قوى سياسية، كما حصل في (سرقة القرن)، وقضية نور زهير، وهيثم الجبوري".
وكانت الحكومة العراقية أصدرت، في وقت سابق، أوامر قبض دولية شملت عدداً من المسؤولين السابقين المقيمين خارج العراق، في إطار ما يعرف باسم "سرقة القرن"، التي تجاوزت 2.5 مليار دولار، سُرقت من "الأمانات الضريبية" بعمليات سحب نقدي غير مشروعة خلال عامي 2021 و2022.
تدخل سياسي
بدوره يقول عضو لجنة النزاهة النيابية، النائب عبدالرحيم الشمري، إن "ملفات الفاسدين الكبار لم تُفتح حتى الآن"، مبيناً أن "جهات سياسية دائماً ما تتدخل في عمل لجنة النزاهة، ويضيع حق المال العام"، كاشفاً أن "الفاسدين الكبار هم أغلبهم سياسيون كبار، أو من يسندهم من السياسيين الكبار".
ويُقدم الشمري خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، وقائع عن تدخل الجهات السياسية بالقول، "قبل فترة تمت استضافة أو استقدام أحد المسؤولين الكبار في وزارة النفط، وأوصت لجنة النزاهة بأن هذا الرجل عليه على الأقل التنحي عن منصبه، نظراً لعدم القدرة على فعل شيء له، لأن وراءه مسؤولين كبار".
ويتابع: "وكذلك في قضية مدير شركة توزيع المنتجات النفطية، إذ تم استدعاؤه من قبل اللجنة لغرض الاستيضاح، لكنه ادعى المرض، ولم يأتِ حتى الآن، لأن وراءه جهة وكتلة كبيرة، وكذلك تم فتح ملف الوقف السني لكن تدخل فيه سياسيون كبار من السنة، وهناك ملف كبير في وزارة النفط وتدخل سياسيون شيعة فيه، وفي وزارة الكهرباء أيضاً، وكذلك في مسألة الاستثمار والمحافظين وغيرها الكثير"، لافتاً إلى أن "لجنة النزاهة أحياناً تلجأ إلى الإعلام لمنع تدخل هؤلاء السياسيين".