شفق نيوز/ تعتزم وزارة التجارة العراقية إعادة إحياء الأسواق المركزية "أورزدي باك" المنتشرة في عموم المحافظات العراقية عدا واسط والمثنى، بواقع 19 سوقاً مركزياً تنتشر 9 منها في العاصمة بغداد، وذلك بعد الدمار الذي لحقها عام 2003.
وتأتي خطوة إعادة عمل الأسواق بعد تعطيل دام عقدين من الزمن بهدف ضبط الأسعار والتخفيض من التضخم، والمساهمة بتوفير متطلبات العيش للمواطنين خصوصاً الطبقة الفقيرة بعد الجشع الكبير الذي مارسه التجار، فضلاً عن خلق فرص عمل لآلاف العاطلين.
ومن شأن هذه الأسواق أن توفر مصدر إيراد جديد للدولة لتنويع مصادر الإيرادات غير النفطية، حيث بلغت مبيعات الأسواق التي عادت للعمل 42 مليار دينار خلال العام 2023، وهي الأعلى في تاريخها.
وتأسست الأسواق المركزية في العراق عام 1981، وحملت تسمية "أورزدي باك"، وضمت بضاعة في حينها من مختلف المناشئ العالمية، وتنوعت بين المواد الغذائية والأثاث والساعات والمواد الاستهلاكية الأخرى.
إحياء بعد نكبة
وكان لهذه الأسواق، قبل عام 2003 دور في توفير احتياجات الأسرة العراقية بالسلع والبضائع كافة، وفق مدير عام الشركة العامة للأسواق المركزية في وزارة التجارة، زهرة الكيلاني، مبينة أن "الأسواق المركزية تعرضت بعد عام 2003 لتخريب وسرقة محتوياتها وحولتها القوات الأمريكية إلى مقرات عسكرية لها".
وأوضحت الكيلاني، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "الشركة العامة للأسواق المركزية كانت عام 2021 ما تزال مهملة وليس فيها أي نشاط، رغم أن لها أهمية كبيرة في تحقيق التوازن الاقتصادي، لأن مهمتها دعم المستهلك العراقي عبر نشاطاتها واستيراد وتسويق والتجهيز بالجملة والمفرد، كما أنها مسؤولة أيضاً عن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في البلاد".
وأكدت الكيلاني، التي تسلمت إدارة الأسواق المركزية قبل 3 سنوات، أن "العمل بدأ منذ عام 2021 بإعادة تأهيل هذه المواقع وتمت الاستعانة بالقطاع الخاص الذي كان مساند جيد للحكومة حيث بدأ في عملية التأهيل والإعمار، وهناك مشاريع سيتم تشغليها في المستقبل القريب".
وعن أولى المشاريع التي تم إنجازها، بينت أن "أول مشروع كان افتتاح مطبعة الأسواق المركزية التي تقوم بطباعة المناهج الدراسية بعد أن كانت تطبع في لبنان والأردن، وبهذا تمت المحافظة على العملة الصعبة، كما أن الورق المستخدم في عملية الطباعة غير قابل للتمزق، وكذلك تم افتتاح مشروع السوق الحرة في مقر الشركة".
وتابعت الكيلاني: "كما سيتم افتتاح معرض لبيع السلع والبضائع في كربلاء خلال مدة أقصاها 3 أسابيع، وسيضم المعرض كل الأجهزة الكهربائية والإلكترونية التي يحتاجها المواطن بأسعار مناسبة وبالتقسيط، وكذلك هناك عمل لإنشاء معرض تسويقي للمنتج المحلي على مساحة 4 دوانم في حي المثنى بمحافظة النجف".
ولفتت إلى أن "في كل محافظة هناك سوق مركزي عدا المثنى وواسط، وهناك نية للتعاون مع المحافظين من أجل تخصيص بعض الأراضي أو المواقع لافتتاحها كمنافذ أو معارض تسويقية".
وأشارت الكيلاني إلى أن "الأسواق المركزية تدعم القطاع الخاص، حيث تقوم حالياً بتصريف بضائعه وبذلك يتم تحريك الاقتصاد ودعم المواطن والتاجر، وبالوقت نفسه هناك نشاط آخر للأسواق وهي تجهيز دوائر الدولة بالجملة".
ونوهت إلى أن "عملية مداورة الأموال بين وزارات الدولة تكافح الفساد في لجان المشتريات وتوفر بضاعة جيدة، وبلغت مبيعات الأسواق 42 مليار دينار خلال عام 2023، وأن البيع بهذا الحجم من الأموال يحدث لأول مرة في تاريخ الأسواق المركزية".
وعن دور الأسواق في الحد من البطالة، قالت إن "مشروع تاج خليفة في المنصور يعمل فيه حالياً بمجال الانشائية والكهربائية حوالي 800 عامل، وعند بدء التشغيل التجاري من المتوقع أن تتوفر 5 آلاف فرصة عمل في هذا الموقع فقط".
وفيما يتعلق بدعم الأسواق المركزية للمرأة العراقية، ذكرت الكيلاني، أن "الأسواق المركزية فيها نشاط ما يسمى بدعم الأسر المنتجة وأصحاب الحرف اليدوية، وهذه النشاطات معظمها نسائية من الطعام المحلي والتطريز والخياطة وغيرها".
وأضافت مدير عام الشركة العامة للأسواق المركزية، أن "في كل شهر تقريباً يتم افتتاح بازار مجاني لهؤلاء الشريحة من النساء، وفي إطار دعم النساء تتحمل الأسواق المركزية في بعض الأحيان عملية تأجير الأغراض وكذلك تقوم بالترويج لمنتجات هؤلاء النسوة في سبيل استقطاب أكبر عدد من المواطنين للبازار".
حل مناسب
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن "الأسواق المركزية تعد حلاً مناسباً لضبط الأسعار والتخفيض من التضخم، والمساهمة بتوفير متطلبات العيش للمواطنين خصوصاً الطبقة الفقيرة بعد الجشع الكبير الذي مارسه التجار، فضلاً عن خلق فرص العمل لاستيعاب العاطلين، وتوفير مصدر إيراد جديد للدولة لتنويع مصادر الإيرادات غير النفطية".
وأخبر الحلبوسي، الوكالة، بأن "إبقاء إغلاق الأسواق المركزية وعدم استثمارها من قبل الدولة يعد خطأ اقتصادياً كبيراً يتوجب على الدولة أن تلجأ لهذا الحل السريع والمهم كونه عملي وفعّال في خلق التوازن بالأسعار للمواد في السوق العراقية، فضلاً عن زيادة إيرادات الدولة وتحريك العجلة الاقتصادية".
وأفاد بأن "الأسواق المركزية تحتاج إلى قرار جاد من الحكومة والتوجه بشكل فعّال لإعادتها للعمل مرة أخرى لتشكل رافداً اقتصادياً للدولة مع عامل ضبط لتضخم الأسعار التي يمارسها التجار دون ضبط لأنشطتهم التي تسببت في ضرر للدولة والمواطن على حد سواء".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، إن "الأسواق المركزية واحدة من مؤسسات وزارة التجارة والتي يقع عليها عبء تأمين أغلب المواد الغذائية التي يحتاجها البيت العراقي، لكن بعد عام 2003 شمل الدمار الأسواق المركزية وهو الأمر الذي عطل عملها وجعلها لا تقوم بشيء تجاه المواطن".
وأضاف المحسن لوكالة شفق نيوز، أن "هناك جهوداً حثيثة تعمل عليها الإدارة الجديدة في تفعيل الأسواق المركزية بالتعاون مع التجار العراقيين وعدد من المستثمرين الأجانب، من خلال عرض بضائعهم في معارض دائرة الأسواق المركزية لقاء عمولة للدائرة".
ونوه الخبير الاقتصادي، إلى أن "هذا الأمر جيد لغاية الآن، لكن من الضروري أن تلعب الأسواق المركزية دورها في تأمين أغلب احتياجات العائلة العراقية من خلال تفعيل دور الملحقيات التجارية في سفارات العراق لدى الدول التي تنتج بضائع يحتاجها السوق العراقية لتكون الفائدة التي تجنيها مضاعفة".
طريقة غير صحيحة
واتفق الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، مع ما ذهب إليه عمر الحلبوسي، حيث يقول إن "الجمعيات التعاونية أو المجمعات أو غيرها من التسميات، ضرورية في كل بلد من بلدان العالم حتى لا يحصل تضارب بالأسعار وفي الوقت نفسه توفير طعام ودواء وملبس بأسعار معينة ضمن المستوى المعيشي للبلد".
وبيّن الحلو خلال حديثه للوكالة، أن "هذه الجمعيات مدعومة من قبل الحكومة، لأن دورها ليس في تحقيق الأرباح فقط، بل تنمية المجتمعات والمجالات الاقتصادية ذات القيمة العالية في الأمن الغذائي والدوائي".
لكن الخبير الاقتصادي أشار إلى أن "إعادة الجمعيات التعاونية ضرورة لكن ليس بالطريقة العراقية بأن تكون وظيفة عند الدولة، لأنها معقدة وفيها مشاكل وتداخلات سياسية وبالتالي يفسد عملها، لذلك يجب أن تكون مستقلة وخارج إطار الاحزاب والدولة والسياسة، وينبغي التعلم من الجمعيات التعاونية في الإمارات فهي نموذج ناجح".
وشرح الحلو، أن "في دبي على سبيل المثال، هناك أكثر من 50 جمعية تعاونية ناجحة وموضوعة من أجل الطبقات الفقيرة والمتوسطة حتى يحصلون على أدويتهم أو غذائهم وأشياء أخرى مثل الملابس بأسعار ذات أرباح قليلة ليس كما في القطاع الخاص، وتُمنع الطبقات الغنية من دخول هذه الجمعيات".
وخلص إلى القول إن "الجمعيات في الخليج تكون مستقلة مكوّنة من أشخاص يتحدون اختيارياً والدولة تدعمها من خلال إعفاء المنتجات من الكمارك، وتشرف على عملها وتتدخل في حال حصول مخالفات وما شاكل ذلك".