شفق نيوز/ مسافة زمنية طويلة تلك التي فصلت ما بين نجاة ريبر أحمد من الموت المحتوم وبين ترشحه إلى منصب رئاسة الجمهورية في العراق، وهي مسافة لا تقاس فقط بالسنوات، وإنما بما عاصره "الناجي الوحيد" من الإبادة الجماعية من أفراد عائلته الكبيرة.
مرت نحو 40 عاماً على "إبادة البارزانيين" التي ارتكبها النظام البعثي السابق في بحق الآلاف من الذين تم اقتيادهم الى صحارى الجنوب حيث أعدمهم او دفنهم أحياء، وهي مجزرة حفرت عميقا في ذاكرة الكورد وأصبحت ملازمة لهم حتى اليوم.
ريبر أحمد، وهو وزير الداخلية في حكومة اقليم كوردستان حالياً، أبن قرية "هرن" في منطقة زيبار بدهوك، وأتبعت عائلته منذ القدم لشيوخ بارزان، يعد اليوم هو الناجي الوحيد من بين أفراد عائلته- من الذكور- التي أبيدت بأكملها- وبقيت والدته- التي تكفلت بتربيته بمفردها، بحسب معلومات خاصة لوكالة شفق نيوز.
وكانت حملة الأنفال انطلقت في تموز/يوليو العام 1983 باعتقال 8 آلاف شخص من بارزان، وتبع هذه الحملة عمليات ابادة طالت مناطق اخرى في الاقليم وانتهت بحسب التقديرات بمقتل 180 الف شخص على الاقل، بينهم العديد من الأطفال والنساء والمسنين، فضلاً عن تهجير ونزوح مئات آلاف آخرين، لا لشيء سوى لانهم كورد.
والان، يعود "الناجي الوحيد" من حافة الموت، الى إعلانه مرشحاً لخوض المعركة التنافسية على منصب رئيس جمهورية العراق. إذ سيتنافس ريبر أحمد مع أكثر من 20 مرشحا آخرين، بينهم الرئيس الحالي برهم صالح عن الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وبحسب ما اطلعت عليه وكالة شفق نيوز، للسيرة الذاتية، فلم تكن مسيرة ريبر أحمد عاطفية بالمعنى المجرد للكلمة، فهو قبل توليه حقيبة وزارة الداخلية في الاقليم العام 2019، فإن هذا الرجل الخمسيني حاصل على ماجستير في مجال الأمن الوطني من جامعة الامن الوطني العراقية في بغداد العام 2007، بعدما نال قبل ذلك شهادة البكالوريوس بالهندسة المدنية من جامعة صلاح الدين في أربيل العام 1997.
وبالاضافة الى خدمته العسكرية حيث كان يحمل رتبة لواء، فإن ريبر أحمد شغل منصب رئيس دائرة التنسيق المشترك في مجلس امن اقليم كوردستان منذ 2012، كما عمل مديراً لتحليل الاخبار في وكالة حماية الامن في اقليم كوردستان بين عامي 2005 و2012.
وقبل ذلك، كان ريبر أحمد مديرا لمكافحة الإجرام المنظم في قسم الدفاع التابع لمؤسسة حماية الأمن 2000-2005.
كما انتخب بين عامي 1993 و1997 كعضو في اللجنة التنفيذية لاتحاد طلبة كوردستان 1993-1997، ثم جرت ترقيته إلى درجة عضو مكتب في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العام 1997. كما اختير كعضو في مكتب شاندر لإعمار كوردستان منذ العام 2000.
ومن المعلوم أن ترشيح ريبر أحمد جاء بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا استبعاد المرشح الى رئاسة الجمهورية هوشيار زيباري الذي وصف استبعاده بأنه "مسيس"، مؤكداً أن "الحياة ستستمر" والقرار "ليس نهاية العالم".
ويشكل ترشيح ريبر أحمد تأكيدا على الوقائع السياسية الجديدة التي أفرزتها اللعبة الديمقراطية لا على الساحة الكوردية وحدها، وانما ايضا على عموم المشهد العراقي، حيث عزز الحزب الديمقراطي الكوردستاني من ادائه ونتائجه الانتخابية بحصوله على 31 مقعدا في البرلمان (كانت حصته 25 مقعدا في انتخابات 2018)، بينما ظل الاتحاد الوطني الكوردستاني "عالقا" عند حصته السابقة بحصوله على 17 مقعدا برغم تحالفه الانتخابات مع حركة التغيير.
ولهذا، يبدو ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يريد القول ان الكلمة الفصل ستكون له في تحديد هوية "مرشح الكورد" لتولي موقع رئاسة الجمهورية في بغداد، وانه الان عندما اختار ريبر أحمد، بكل ما يمثله من رمزية كوردية وعراقية وانسانية، ليدخل الى قصر السلام في بغداد رئيسا للجمهورية، يراهن أيضا على اقناع الجميع بأن هذا الرهان السياسي هو الأفضل لكل من العراق واقليم كوردستان، وان هذا "الناجي الوحيد" من "الجينوسايد" والموت، قد يكون الخيار الأمثل لإخراج العراق من احتمال موته السياسي.