شفق نيوز/ تأتي زيارة رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، إلى أنقرة للقاء الرئيس والمسؤولين في تركيا في توقيت يعكس تطورات إقليمية ودولية حساسة. كما تكتسب أهمية على مستويات متعددة، سواء في الإطار الكوردي الداخلي، أو على الصعيد العراقي بشكل عام، أو في السياق التركي والإقليمي، حيث تسعى الأطراف إلى تعزيز الاستقرار والتفاهم في ظل الأوضاع المضطربة التي تشهدها المنطقة.

ويؤكد مراقبون أن هذه الزيارة، وهي الثانية لبارزاني إلى تركيا خلال الأشهر الستة الأخيرة، تعبر عن استراتيجية الإقليم في المحافظة على علاقات قوية ومستمرة مع تركيا، باعتبارها شريكًا إقليميًا رئيسيًا يتمتع بنفوذ واسع وعلاقات راسخة مع كل من إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.

وبالرغم من أن بيان رئاسة الإقليم أشار إلى أن نيجيرفان بارزاني يبحث خلال زيارته التركية تعزيز العلاقات بين تركيا والعراق وإقليم كوردستان، ومناقشة آخر تطورات الأوضاع في المنطقة والقضايا المشتركة، إلا أن المراقبين يشيرون إلى ملفات عديدة تحظى بأهمية كبيرة على خط أربيل-أنقرة، تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية.

وبحسب البيان الرسمي، شدد نيجيرفان بارزاني وأردوغان على أهمية تطوير علاقات تركيا مع العراق وإقليم كوردستان، خصوصًا في المجال الاقتصادي. كما بحثا كيفية رفع مستوى التبادل التجاري وتعزيز فرص العمل والاستثمار التركي في مختلف مناطق العراق والإقليم. وجدد الرئيس التركي التزام بلاده المستمر بالتعاون مع العراق وإقليم كوردستان، معبرًا عن استعداد القطاع الخاص في بلاده للعمل والاستثمار في مختلف القطاعات.

وأشار البيان إلى أن الجانبين أعربا عن قلقهما إزاء الوضع المعقد في الشرق الأوسط، وتداعياته المحتملة على المنطقة، واتفقا على ضرورة العمل لمنع توسع الصراع وحل القضايا بالطرق السلمية.

وقد عبر الرئيس نيجيرفان بارزاني عن جزء من زيارته من خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس" قائلاً: "لقد كان لقاءً مثمرًا آخر مع صديقي وزير الخارجية هاكان فيدان، وإبراهيم كالين اليوم في أنقرة.. لقد تبادلنا وجهات النظر حول مجموعة متنوعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك".

انتخابات كوردستان

تأتي الزيارة قبل أربعة أيام من انتخابات برلمان كوردستان، ويرى البعض أن أنقرة معنية بدرجة كبيرة بنتائج الانتخابات في الإقليم المحاذي لحدودها، والذي تربطها به علاقات متشعبة. ولهذا، فإن نيجيرفان بارزاني، وفي إطار مسؤولياته كرئيس، يحمل في زيارته القصيرة رسائل الطمأنة اللازمة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات وما ستفرزه صناديق الاقتراع، مؤكداً أن العلاقات التركية-الكوردستانية تحظى بأولوية واهتمام رئيسيين.

ويقول مراقبون إن الرئيس نيجيرفان بارزاني معني تمامًا بعدم استمرار التوتر والفتور في علاقات القوى الكوردستانية الأخرى، حيث تعمل رئاسة الإقليم كبيت يجمع الجميع ويحرص على مصالحهم، بهدف محاولة احتواء تلك التوترات وتلطيف الأجواء حتى مع الخصوم في الانتخابات، بالإضافة إلى الحفاظ على العلاقات مع أنقرة.

تبادل الزيارات

وبحسب المراقبين، فإن الرئيس نيجيرفان بارزاني يبني على نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد وأربيل في نيسان/أبريل الماضي، والتي جاءت في وقت حرج تمر به المنطقة، حيث تسلط الضوء على العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية القوية بين العراق وإقليم كوردستان وتركيا.

إضافة إلى إطلاق مرحلة جديدة من التعاون الأمني بين أنقرة وبغداد، من خلال حظر النشاط العسكري لحزب العمال الكوردستاني وإيجاد آليات تعاون وتنسيق أمني، فإن زيارة أردوغان إلى بغداد وأربيل شهدت أيضًا إطلاق مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي، والذي يدرك نيجيرفان بارزاني أنه سيغير خريطة المصالح والعلاقات والازدهار على المستوى الإقليمي بالكامل، مما سيصب في مصلحة الأتراك والعراقيين وشعب الإقليم.

وتتقاطع حركة نيجيرفان بارزاني أيضًا مع الملفات الخارجية، وخصوصًا في ضوء التطورات الإيرانية المتسارعة، منذ مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، ثم انتخاب الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان وحضوره الشخصي حفل التنصيب، مستفيدًا من علاقاته القديمة مع الإيرانيين. وكان رئيس الإقليم قد زار طهران في 5 أيار/مايو، حيث التقى مرشد الجمهورية علي خامنئي، وهي زيارة وصفها "معهد واشنطن" بأنها تشكل تحولًا في العلاقات بين الإقليم وإيران، حيث إن لدى الطرفين مصلحة راسخة في حل بعض الخلافات التي تؤثر على المشهد السياسي العراقي.

تطورات المنطقة والتحركات الأمريكية

يدرك نيجيرفان بارزاني أهمية الدورين الإيراني والتركي في هذه اللحظة الإقليمية الحساسة، خصوصًا في ظل الهجوم الإسرائيلي الكبير على لبنان بعد عام من اندلاع حرب غزة. هذه التطورات تضع العراق وإقليم كوردستان في موقف حرج، ومن المرجح أن تتجدد التوترات في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات على إيران ومصالحها. ويمكن لأنقرة وطهران أن تكونا دعمًا مهمًا للإقليم في هذه المرحلة العصيبة.

وهناك نقطة أخرى لا تقل أهمية يأخذها رئيس الإقليم بعين الاعتبار في زيارته الجديدة إلى تركيا، حيث جاءت بعد أيام من إعلان واشنطن وبغداد تفاهمهما على جدولة انتشار القوات الأمريكية في العراق، والتي يُفترض أن تنتهي مهمتها خلال عامين، مع تمركز قوة أمريكية في أربيل خلال الأشهر المقبلة.

ومن المهم في هذه المرحلة أن يتعزز التنسيق بين أربيل وأنقرة بشأن الدور العسكري الأمريكي في الإقليم، خاصة أن هذا التنسيق مرتبط بشكل وثيق باستمرار وجود القوات الأمريكية في سوريا، حيث تتداخل المصالح والنفوذ بين الأمريكيين والأتراك وقوات "قسد" والروس والفصائل المدعومة من إيران إضافة إلى الجيش السوري.

يدرك نيجيرفان بارزاني خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة، ويأخذ في الحسبان احتمال تضرر مصالح إقليم كوردستان، ولهذا فإن زيارته إلى أنقرة ومحادثاته مع أردوغان وفيدان وكالين تعد محاولة واضحة لتجنب الأسوأ والبناء على الفرص الأكثر إيجابية.