شفق نيوز/ اللقاء بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني اليوم الجمعة في باريس، ليس الأول بين الرجلين، لكن توقيته والظروف الاقليمية المحيطة فيه، تعطي هذه القمة بين الزعيمين، بعدا استثنائيا.
فان يتم إلغاء – أو تأجيل- "مؤتمر بغداد الثالث" الذي كان يتطلب حضور الرئيس الفرنسي الى العاصمة العراقية، ثم يتلقى نيجيرفان بارزاني دعوة رسمية لزيارة باريس واللقاء، بهذا الشكل المستعجل، بماكرون في قصر الاليزيه، يعني أن لديهما الكثير مما يجب أن يقال ويبحث.
ولطالما احتفظت فرنسا تاريخيا بعلاقات قوية مع الكورد، ومع اقليم كوردستان، لكن قلما كان هناك زعيم كوردي، يتمتع بمثل هذا التواصل العميق وشبه المستمر مع الرئيس الفرنسي، مثلما هو حاليا بين نيجيرفان بارزاني وماكرون، ذلك أن ما لا يقل عن 6 لقاءات عقدت بينهما منذ العام 2017.
وكانت رئاسة الإقليم ذكرت في بيان الخميس أن، الرئيس نيجيرفان بارزاني الذي وصل الخميس بالفعل الى باريس، سيبحث الجمعة خلال اجتماعه مع الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه العلاقات الفرنسية مع العراق وإقليم كوردستان وتطوير التعاون المشترك، والأوضاع في العراق والمنطقة بشكل عام.
وجاء هذا البيان مع إعلان مصدر حكومي عراقي مطلع، لوكالة شفق نيوز، ان الدول المشاركة في "مؤتمر بغداد الثالث" طالبت بتأجيل عقد المؤتمر بسبب ما يشهده العراق من أوضاع غير مستقرة بسبب تصاعد الهجمات ضد القوات الامريكية ومع وجود خشية لتصعيد هذه الهجمات والرد الأمريكي عليها، ومع التحذيرات من قبل بعض الدول من السفر إلى العراق"، مشيرا الى ان تأجيل المؤتمر الثالث، تم حتى إشعار آخر، ولم يتم تحديد أي موعد جديد له علما بأن تحديد الموعد سيكون مرتبطا باستقرار الأوضاع وإيقاف تصعيد الفصائل المسلحة ضد القوات الامريكية المتواجدة بعدد من القواعد العسكرية العراقية.
ولهذا، يبدو من البديهي القول ان تلبية بارزاني دعوة ماكرون له سريعا، تعكس المحاولة الفرنسية للتأكيد على استمرار اهتمام باريس بعلاقاتها العراقية والكوردية، حتى لو تم تأجيل "مؤتمر بغداد"، وكما يأتي اللقاء في وقت يحاول فيه رئيس الإقليم تحقيق التوازن بين الجهات المتعارضة من خلال الجهات الفاعلة فوق الإقليمية والعكس صحيح. ومن خلال تطوير هذه العلاقات مع فرنسا، يستطيع إقليم كوردستان تحقيق عدة أهداف أو تجنب عدة تهديدات.
ويقول مراقبون ان اجتماع الاليزيه اليوم بين الرئيس الفرنسي والزعيم الكوردي، سيتضمن تشاورا حول التطورات المتسارعة الجارية في العراق، في ظل تداعيات الحرب بين اسرائيل وحركة حماس، والتي تثير مخاوف متزايدة من امتدادها إقليميا، بما يطال العراق ايضا.
ومن المعلوم ان عدة فصائل وقيادات عراقية، اعلنت خلال الايام الاخيرة، تهديدات او استعدادها للانخراط في الحرب فيما لو واصلت اسرائيل هجومها البري والجوي على قطاع غزة، او في حال عززت الولايات المتحدة من دورها في الحرب دعما لاسرائيل، وبالامس، مثلا وجه رئيس أركان الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي "ابو فدك"، برفع حالة الإنذار القصوى استعدادا للتعامل مع أي طارئ خلال الأيام المقبلة، "والاستعداد الكامل للدفاع عن سيادة البلد وحدوده الوطنية"، في اشارة ضمنية على ما يبدو لاحتمالات حدوث ردود عسكرية امريكية بعدما تعرضت موقع عسكرية امريكية في العراق وسوريا الى عشرات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وبمثل هذه الاجواء، فان حرص ماكرون على الالتقاء المستعجل ببارزاني، يعني أيضا ان الرئاسة الفرنسية حريصة على توجيه رسالة مفادها انها تريد اظهار اهتمامها، باستقرار الوضع الامني في العراق وفي اقليم كوردستان تحديدا.
ويقول مراقبون ايضا ان لقاء الاليزيه الذي يبدو كأنه يستعيض عن "مؤتمر بغداد الثالث" المؤجل، من زاوية التأكيد على الحضور الفرنسي عراقيا، سيتناول بالتأكيد الأدوار التي يمكن ان تلعبها باريس على الساحة الدولية والاقليمية، من اجل تجنيب العراق والاقليم النيران الكبرى المهددة بالاشتعال.
ومعلوم ان الدورة الاولى من "مؤتمر بغداد" أقيمت في العاصمة العراقية في آب/أغسطس 2021 بمبادرة من الرئيس ماكرون والعراق، عندما كان مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة، حيث زار ماكرون بغداد وقتها وحرص خلالها على الاجتماع وجها لوجه مع نيجيرفان بارزاني، علما بانه لم يكن اللقاء الأول بينهما. كما ان مؤتمر "بغداد 2" انعقد في 22 ديسمبر/كانون الاول 2022، في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت، بحضور رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.
ويذكر ان وجود نيجيرفان بارزاني في باريس الآن يمثل الزيارة الرسمية الرابعة التي يجريها منذ توليه رئاسة حكومة اقليم كوردستان بدورتها السابقة، ورئاسة الإقليم بدورتها الحالية.
وكان العام 2017، حمل اللقاء الاول بين ماكرون وبارزاني الذي كان وقتها رئيسا لحكومة الاقليم، حيث قام الرئيس الفرنسي بزيارة اربيل، في محاولة وقتها لاحتواء تداعيات التوتر مع بغداد بسبب استفتاء الاستقلال، بينما اعلن بارزاني وقتها "نحترم قرار المحكمة الاتحادية ضد الاستفتاء على الاستقلال وهذا الموضوع انتهى ونحن في مرحلة جديدة، ومستعدون لمعالجة مشاكلنا وفق الدستور في العراق الموحد". اما ماكرون فقال وقتها ان "وجود عراق قوي ومتعدد يعترف بكل من مكوناته هو شرط للاستقرار الفوري والمتوسط المدى" في الشرق الاوسط، مضيفا ان "الجيل الجديد من القادة الكورد" الذي يمثله نيجيرفان بارزاني، وقوباد طالباني، "يتحمل مسؤولية تاريخية".
وبالاضافة الى ذلك، فان ماكرون زار اربيل في آب العام 2021، لتأكيد دعمه لمشروعه في النهوض بالاقليم وترسيخ أمنه واستقرار، وذلك في اطار زيارته العراقية ضمن "مؤتمر بغداد الاول". كما عقد لقاء في باريس بين الرجلين في اذار/مارس 2021 عندما زار بارزاني العاصمة الفرنسية، وتباحثا حول ابرز المستجدات في الاقليم والعراق والحرب ضد داعش. كما التقى بارزاني وقتها مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ورئيس بلدية باريس.
وبحسب مصادر مطلعة فإن ماكرون سيغتنم فرصة اللقاء بنيجيرفان بارزاني اليوم للتعبير عن ثبات الدعم الفرنسي لاقليم كوردستان، حيث لعبت باريس دورا طويلا في مساعدة الاقليم على مواجهة خطر تنظيم داعش الارهابي.
وتشير المصادر الى ان فرنسا تراقب ايضا تطورات الوضع الامني والسياسي في العراق والمنطقة، حرصا منها على عدم ضياع جهود الاستثمار الدبلوماسي والسياسي والامني الكبير الذي بذلته خلال السنوات الماضية. وفي بال الفرنسيين ايضا انهم ابرموا منذ شهور قليلة اتفاقية عملاقة في مجال الطاقة مع الحكومة العراقية من خلال شركة "توتال اينرجي" التي دخلت ايضا في شراكات مع شركات قطرية وسعودية لتنفيذ المشروعات الضخمة، وتخشى بالتأكيد خسارته، وهي ستعبر بهواجسها الى بارزاني، الموثوق لديها، لحمل هذه الرسائل الفرنسية معه الى المسؤولين في العراق.