شفق نيوز/ عززت الحركة السياسية السريعة التي قام بها رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني سواء من خلال زيارة بغداد الأربعاء للاجتماع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ثم سفره بعدها بيومين الى أنقرة حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الصورة التي رسخها بأنه رجل تتقاطع عنده المصالح والتسويات والأدوار، محلياً وإقليمياً.
وما زالت عبارة ماكرون لدى وصوله الى بغداد الاربعاء ترن في آذان المهتمين عندما قال وهو الآتي من بيروت المنكوبة، إن "الاستقرار الإقليمي على المحك"، وهو الذي طلب من بارزاني موافاته في بغداد لعقد اجتماع منفرد معه، وهي كلها إشارات تعكس أهمية الحركة التي قام بها رئيس اقليم كوردستان كـ"رجل اللحظات الصعبة" بهذه الظروف وبمثل هذا التوقيت بالضبط.
اذا يلاقي بارزاني ماكرون المتوجس من الافعال التركية، سواء عبر حدود اقليم كوردستان، او في شرق البحر المتوسط حيث تتجمع غيوم نزاع يخشى أن يتحول الى حرب اقليمية تتورط فيها تركيا وفرنسا واليونان وقبرص وايطاليا وربما مصر والسعودية والامارات وليبيا. و"الرسالة الماكرونية" واضحة: فرنسا موجودة في المنطقة ولها دور وحضور ومصالح اخرى في شرق المتوسط، وصولا الى بغداد واربيل.
ومن هنا يكتسب اللقاءين اللذين عقدهما بارزاني في بغداد وأنقرة أهميتهما، وتعزز صورة المكانة التي يحتلها كطرف محوري فيما يجري في المنطقة.
أما على الصعيد الداخلي، فالرسائل كانت لا تقل وضوحا. رسالة فرنسية ضمنية بالتعبير عن الحرص على مكانة اقليم كوردستان في الرؤية الفرنسية للمنطقة وفي ترتيب العلاقة مع بغداد، ولهذا كان طلب اللقاء في بغداد مع رئيس الاقليم، والمراسم البروتوكولية التي راعت التفاصيل الشكلية، واختلاء "الرئيسين" من أجل التباحث. اما سفر بارزاني بعدها بقليل الى أنقرة، فقد أضفى على اللقاء الكوردستاني – الفرنسي أهمية إضافية.
وقد لاحظ مراقبون أن ماكرون كان حريصا خلال محطته البيروتية والبغدادية، على عدم الاشارة بشكل مباشر الى "الدور الايراني" او "النفوذ الايراني" مثلما اعتاد مثلا المسؤولون الاميركيون ان يفعلوا عند كل شاردة وواردة تتعلق بشؤون المنطقة عموما.
ولهذا، فان ماكرون عندما تحدث عن قضية "السيادة" العراقية ورفض التدخلات الخارجية، وهو نفس ما سبقته إليه وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي عندما سبقته الى العاصمة العراقية، فان الاشارة كانت تستهدف تركيا تحديدا خصوصا ان الوزيرة الفرنسية عبرت عن وقوفها الى جانب العراق "لمنع الانتهاكات على أراضيه".
ومعلوم ان القوات التركية تنفذ اعتداءات داخل حدود اقليم كوردستان منذ نحو شهرين بذريعة ملاحقة حزب العمال الكوردستاني، وتسبب ذلك في سقوط ضحايا مدنيين ونزوح كثيرين، فيما توترت العلاقات بين انقرة وبغداد التي استدعت السفير التركي لديها عدة مرات لتقديم احتجاج رسمي.
ويحتفظ بارزاني بعلاقات هادئة مع تركيا وفي الوقت نفسه تشهد علاقته مع الحكومة الاتحادية في بغداد، خاصة مع وصول مصطفى الكاظمي الى رئاسة الحكومة تحسنا إيجابيا ملحوظا، انعكس على العديد من الملفات المتوترة التي كانت سائدة بين الطرفين في الأعوام الماضية.
وبهذا المعنى، فان حضوره الى بغداد للقاء ماكرون بضيافة عراقية - وهو ما يعزز مكانة اقليم كوردستان أيضا - ثم مغادرته الجمعة الى أنقرة حيث اجرى محادثات مع اردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، يؤشر إلى ان هناك ما يجري خلف الكواليس بهدف تنفيس الاحتقان القائم، وان اقليم كوردستان، وبارزاني تحديدا، في حوزتهم الكثير من الأوراق التي يمكن استخدامها لمعالجة الأزمات، بما يخدم أيضا الاقليم والعراق نفسه.
ونوه المراقبون الى انه صحيح ان لقاء بارزاني – ماكرون جرى في بغداد، وبطلب من الرئيس الفرنسي، إلا أنه يظهر جليا خصوصية الإقليم ومكانته الدستورية، فالتعامل المتميز مع رئيس الإقليم أثار اهتمام جميع العالم.
وأشار المراقبون إلى أن رفع العلم الكوردستاني والمراسم البروتوكولية التي اقيمت للرئيس بارزاني، أظهرت تأثير الاقليم في الدولة الاتحادية، ثم ان مكانة فرنسا والرئيس ماكرون ودورهما في الشرق الاوسط وتعامله بهذا الشكل مع رئيس الإقليم، يعد دعما لترسيخ النظام الفدرالي في ادارة البلاد وهو ما يقوي بالنتيجة مكانة الاقليم.
وقال المراقبون إن إظهار استعداد رئيس الاقليم للتعايش المتوازن وضمان حقوق مواطني كوردستان كاقرانهم جميع مواطني العراق، والمؤشرات التي تجلت في تعامل الرئيس الفرنسي، كلها علامات مهمة للسلطة والأطراف السياسية العراقية باتجاه وجوب حل المشكلات مع الاقليم وان تتم المحافظة على حقوقه الدستورية.
وهذه رسالة ضمنية لا بد ان بغداد لاحظتها. وقد تجلى ذلك في التعامل والعلاقة التي أظهرتها الزيارة من رئيس الحكومة الكاظمي والأطراف السياسية العراقية مع رئيس الإقليم وهو ما يبرز السياسة الناجحة التي ينتهجها بارزاني في التعامل مع الأحداث وحل المشكلات، وان كل ما سبق يظهر تأثير دور رئيس الاقليم كنقطة جامعة لكل الفرقاء داخل الاقليم والعراق والمنطقة.
وأعرب مراقبون عن أملهم أن تكون هناك فرصة للإقليم وللحكومة الاتحادية للاستفادة من هذا الدور الذي يمارسه نيجيرفان بارزاني.
القيادي في جبهة الانقاذ والتنمية أثيل النجيفي كانت له رؤية خاصة في ما يتعلق بهذه التطورات، تخلص الى كيفية حجز اقليم كوردستان مقعده في قطار المستقبل، بعد زيارة ماكرون الى العراق، حسب وصفه.
وقال النجيفي، لوكالة شفق نيوز، ان "زيارة الرئيس ماكرون الى العراق، كانت لمعرفته بأن هناك تغييرات جذرية سوف تحدث في المنطقة، وان الانسحاب الإيراني قادم لا محالة، والنفوذ الايراني يجب ان ينتهي في العراق ولبنان وسوريا، فهناك ارادة دولية تشكلت بهذا الهدف، ولن تكون هناك امكانية لتغيير هذه الارادة الدولية".
واعتبر النجيفي أن "فرنسا تدرك أن تركيا هي البلد المؤهل أكثر من غيره لملء الفراغ بعد انسحاب إيران من المنطقة، وهذا ما يقلقها خصوصاً أن هناك ازمات بين أنقرة وباريس، وفرنسا تسعى بأن لا تكون تركيا بديلا عن الدور الايراني، ولهذا جاء ماكرون كمحاولة لخلق حلول اخرى".
ورأى النجيفي ان "اقليم كوردستان ادرك ان محاولات فرنسا، فاشلة، ولهذا توجه رئيس الاقليم الى انقرة بهدف اعادة رسم العلاقات مع تركيا، ومن مصلحة العراق ايضا ان يعيد رسم علاقته مع تركيا بدل الصدام معها، خصوصاً ان القوة التركية بدأت تظهر في المنطقة، وتوجه الإقليم يجعله يحجز مقعده في قطار المستقبل".
إجمالاً، ما يميز رئيس إقليم كوردستان علاقاته مع الدول الإقليمية واوروبا وامريكا، حيث يعتمد سياسة المسافة الواحدة مع تلك الدول التي تشهد تمثيلاً دبلوماسياً واسعاً في أربيل عاصمة الإقليم.