شفق نيوز/ حذر معهد "بروكينجز الامريكي" للابحاث، أن منطقة الشرق الاوسط هي من بين اكثر الاماكن في العالم عرضة للتأثيرات المدمرة لتغيير المناخ الذي من شأنه خلق معاناة لا توصف في منطقة (تضم العراق)، غارقة بالفعل بالازمات والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والتطرف والارهاب.
واعتبر "بروكينجز"، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن اي دولة في الشرق الاوسط لن تنجو من الخسائر المدمرة التي سيحدثها تغير المناخ على امدادات المياه وانظمة انتاج الغذاء في المنطقة، وما سيخلقه ذلك من بيئة خصبة للارهاب والتطرف، حيث ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بين اكثر الاماكن عرضة لتغير المناخ في العالم.
وأوضح التقرير، أن دول الخليج الغنية ستستنفد مواردها المائية في غضون الخمسين عاماً القادمة، في حين أن العراق الذي يمزقه الصراع، سيشهد ارتفاعاً بمتوسط درجات الحرارة بمعدل مرتين الى سبع مرات اسرع من المتوسط العالمي، فيما تواجه بلاد الشام بالنسبة الى انظمة انتاج الغذاء والمياه فيها، انهياراً وشيكاً.
واعتبر التقرير انه من اجل معالجة المشكلة، يجب على الحكومات في المنطقة "التعامل مع تغير المناخ باعتباره قضية تتعلق بالسياسة العامة"، وهو ما يتطلب بذل جهود متجددة من اجل توفير الخدمات والتوازن بين المظالم الاقتصادية قصيرة المدى وبين الضرورة الحتمية طويلة المدى لاجراءات التقشف واصلاحات الحوكمة الرشيدة، مضيفاً أن هناك ضرورة من اجل "بناء القدرة على الصمود حتى لا يزدهر العنف والارهاب بسهولة".
وأشار التقرير إلى أن "النسيج الاجتماعي للدول الاكثر ضعفاً سيستمر في التآكل، لكن هذا لا يعني ان الحكومات ليس بامكانها خلق اليات استجابة لابطاء دوامة التدهور".
وبحسب التقرير، فأن ندرة المياه في الشرق الاوسط تمثل مشكلة كبيرة فعلياً، وهي منطقة تضم 12 من اكثر 17 دولة تعاني من نقص المياه في العالم وفقاً لمعهد الموارد العالمية.
ويرى التقرير، أن التوقعات مثيرة للقلق حيث أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن ندرة المياه ستكلف دول الشرق الاوسط ما بين 6 % و 14 % من الناتج المحلي الاجمالي بحلول العام 2050، وذلك في ظل الاثار المرتبطة بالمياه على الزراعة والصحة ومداخيل الناس.
وتحدث التقرير عن "تداعيات خطيرة على المدى القريب على الاستقرار الوطني والاقليمي، بما في ذلك الاضطرابات الجيوسياسية"، لافتاً على سبيل المثال إلى أن تركيا تسيطر على اكثر من 90 % من المياه التي تصب في نهر الفرات ، و 44 % منها في نهر دجلة، وهي تواجه اتهامات باستخدام المياه كسلاح في الصراعات المنخرطة كما في سوريا.
وأوضح أن السدود التركية قطعت منذ ديسمبر/كانون الاول 2020، تدفقات نهر الفرات الى الدول المجاورة مثل العراق بنسبة 60 %، مما تسبب ايضاً بنقص الغذاء والطاقة في سوريا، كما تسبب في تفاقم ازمة المياه في العراق، وهو ما قد يؤدي الى خسارة ما لا يقل عن سبعة ملايين شخص قدرتهم على الوصول الى المياه.
وفي سياق مواز، فأن السدود القائمة على منابع مائية في ايران، تسببت في تقليص روافد نهر دجلة ، مما ادى الى وقف التدفق المائي في ديالى حيث فقدت بحيرة حمرين، التي تعتبر المصدر الرئيسي لمياه المحافظة المتاخمة لايران، اي ما يقارب الـ 70 % من مياهها ، وهو ما ادى الى وقوع كارثة انسانية وبيئية في المحافظة العراقية.
إلا أن التقرير الامريكي أوضح أن ظاهرة التغيير المناخي تشكل تهديداً لكل دولة في المنطقة، مذكرة بأن جماعات الاغاثة سبق لها أن حذرت من أن أكثر من 12 مليون شخص في العراق وسوريا يواجهون خطر فقدان المياه والغذاء والكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الامطار، في حين أن ظاهرة التصحر تصيب مناطق ممتدة ما بين العراق وسوريا والاردن وايران،.
وازدادت كلفة المياه على سبيل المثال في الاردن، وفق التقرير، بنسبة 30٪ خلال العقد الماضي بسبب نقص المياه الجوفية، فيما الخطر يهدد أيضاً دول الشرق الاوسط الاكثر ثراء.
وتابع، أنه من خارج الدول الهشة مائياً في المنطقة، هناك دولة الامارات العربية التي تتمتع باعلى معدل استهلاك للفرد من المياه في العالم، لكنها تجازف باستنفاد موارد المياه العذبة خلال الاعوام الخمسين المقبلة، وذلك بسبب التزايد السكاني وزيادة استخدام المياه المنزلية.
ولفت التقرير إلى أن تغيير المناخ يمكن أن يكون تأثيره مدمر على الامن ونسيج المجتمعات من خلال تفاقم التصدعات الاجتماعية والاقتصادية وتقويض الثقة بالمؤسسات العامة، موضحاً أن الازمات مترابطة بشكل يخلق "تأثير الدومينو" للمشكلات على المستويات المحلية والوطنية والجيوسياسية.
وأوضح أن المخاطر تظهر من خلال وجود مؤسسات ضعيفة للدولة، وتصل الى فكرة وجود مساحات جغرافية غير خاضعة للسلطة، تنمو فيها الجماعات المسلحة المتطرفة والاجرامية، ما يخلق لاحقاً ظاهرة نزوح داخلي للسكان وللاجئين ما سيطال كل بلد في المنطقة.
وذكر التقرير بأن هناك براهين منذ فترة طويلة على الروابط بين ازمات المناخ والاضطرابات الاجتماعية الناتجة عن الهجرة المناخية، مشيراً الى ان الحرب الاهلية في سوريا كان الجفاف من بين اسبابها حيث استمر طوال خمسة اعوام منذ العام 2007، وفاقم ظاهرة الفقر ومهد الطريق لهجرة الناس الى الى اطراف المدن الرئيسية في البلد، والتي كانت بالفعل تحت ضغط النمو السكاني، وتسبب تدفق النازحين بالضغط على البنية التحتية المتعبة، والى ظهور مظالم عميقة الجذور كانت سببا رئيسيا في اندلاع انتفاضة العام 2011.
وحذر التقرير من ان الجماعات المسلحة والارهابية تتغذى على فشل الدولة والهجرة المتفلتة والمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، مشيرا الى ان تضافر ارتفاع التكاليف والادارة السية والكثافة السكانية، في خلق اوضاع من الصعب على السكان المحليين تحملها، معتبرا ان ذلك تجسد في احتجاجات واضطرابات على مستوى المنطقة، بما في ذلك التظاهرات التي هزت النخب الحاكمة من ايران الى لبنان.
كما حذر التقرير من ان "التوترات الجيوسياسية، على غرار الخلاف بين العراق وتركيا وايران حول اقامة السدود التي تقيد تدفقات المياه، بالاضافة الى السياسات التي تستخدم امدادات المياه كسلاح ، تزيد من احتمالات نشوب صراع.
بالاضافة الى ذلك، اظهرت الجماعات المسلحة مثل داعش قدرتها على "عسكرة الموارد المائية" من خلال سيطرتها على البنية التحتية للمياه في سوريا والعراق وذلك بهدف اكتساب الشرعية او معاقبة الاعداء والمجتمعات الخاضعة لسيطرة التنظيم، واحيانا من اجل فرض ضرائب على خدمات المياه الموفرة، مذكّراً بأن داعش سيطر في مرحلة ما من الحرب على سد الطبقة ، الذي يؤمن 20 % من الكهرباء في سوريا ويزود خمسة ملايين شخص بالمياه.
وختم التقرير بالاشارة إلى أن بعض الجماعات مثل الميليشيات في العراق او الميليشيات في سوريا، قامت بخلق مزايا جغرافية وفرض سيطرة على امدادات المياه على حساب جماعات اخرى، وانشاء ظروف سياسية وامنية ملائمة لمصالحها.
وبينما تتزايد الصراعات داخل الدول على الموارد النادرة بشكل متزايد، بحسب التقرير، فان واحدا من كل اربعة صراعات داخلية سيندلع بسبب تغير المناخ، ولهذا فانه يتحتم على الحكومات اعادة التفكير في كيفية تعاملها مع تغير المناخ، ويجب على على الحكومات في الشرق الاوسط اعادة تعديل كيفية اتخاذ القرارات بشان التهديدات المرتبطة بالمناخ.
وختم بالقول إن قضية تغير المناخ ستعاني بصعوبة قبل ان تشق طريقها الى قمة جداول الاعمال الوطنية للحكومات، الى ان يتم توصيف هذه القضية على انها مثيرة للنزاع وتتسبب بمضاعفة للمخاطر حيث قد "يخلق احتمالية اندللاع اضطراب من شانها ان تفرض معاناة لا توصف على منطقة غارقة بالفعل في الازمات الاجتماعية والاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية والتطرف العنيف والارهاب".