شفق نيوز/ انتقد "معهد واشنطن" تراجع اللامركزية في السلطة وغلبة المركزية في العراق، ما يسبب تصدعا في الدولة، فيما حث على توسيع الروابط بين حكومة إقليم كوردستان وبغداد.
وتحت عنوان "متلازمة المركزية وتصدع الدولة في العراق"، اعتبر المعهد الأمريكي، في تقرير له ترجمته وكالة شفق نيوز، أن كان من الممكن أن تكون اللامركزية في السلطة أفضل وسيلة لتجنب العودة إلى متلازمة الاستبداد والفساد كما كان عليه الحال في عهد صدام حسين، لكن بدلاً من ذلك فضلت بغداد السلطة المركزية - بينما أحدثت في الوقت نفسه تصدعاً في الدولة من خلال المحسوبية الطائفية والمنافسة.
المركزية واللامركزية
وأضاف التقرير الأمريكي، أن "كان من الممكن أن تكون لا مركزية السلطة والنفوذ في العراق ما بعد صدام حسين، بمثابة ترياق ضد نظامه المستبد والوحشي، غير أنه تم التراجع عن اللامركزية باستمرار لصالح المركزية، وبدأت قوة وجاذبية الفيدرالية ومجالس المحافظات المنتخبة تتضاءل أمام المزيد من السلطة في بغداد".
وتحدث التقرير، عن مفارقة تتمثل في النفوذ والسلطة في بغداد تتوزع بين الأحزاب والفصائل العرقية والطائفية، حيث أصبحت معظم الجماعات السياسية العراقية ترى في اللامركزية الجغرافية تهديداً لوحدة الأراضي العراقية، وفقاً للمعهد الأمريكي.
بؤرة فساد
وأوضح أن "في ظل غياب أي جماعة سياسية أو عرقية طائفية واحدة قادرة على ممارسة ما يكفي من النفوذ للسيطرة على البقية، أدّت مركزية السلطة إلى تحويل بغداد لبؤرة فساد وشبكات المحسوبية التي تتنافس على السلطة وامتيازات الدولة.
ومن الناحية التقليدية، فإن "الدولة القوية تكون هي الأساس المنطقي لدعم المركزية، لكن من المفارقات أن إضعاف الدولة هو الهدف المشترك بين الأحزاب الحاكمة في العراق"، خصوصاً أن تمركز القوة والثروة في الدولة الضعيفة هو الذي سمح بالفساد والسرقة الجماعيين اللذين انتشرا في العراق، وفقاً لتقرير المعهد الأمريكي.
وفي ظل اقتراب الذكرى العشرين لتغيير النظام في العراق، أشار التقرير، إلى أن "كثيرين يتساءلون عما إذا كان العراق ما يزال دولة ديمقراطية"، لافتاً إلى أن "اللامركزية كانت ضمانة جزئية للتحول الديمقراطي، وحماية ضد عودة ظهور الطغاة أمثال صدام حسين".
تشكيل أقاليم
وعلى غرار الديمقراطية، فمن شأن اللامركزية أن تضمن اعترافاً أكبر بالتنوع العرقي والطائفي والجغرافي في العراق، إذ كرّس دستور العام 2005 اللامركزية في شكل فيدرالية ومجالس محافظات منتخبة تملك صلاحيات تنفيذية كبيرة، بحسب "معهد واشنطن".
وكذلك الميثاق الوطني، فقد حدد المعايير لتشكيل المزيد من الأقاليم وأعطى صلاحية إصدار القوانين التي من شأنها تنظيم العلاقة بين الأقاليم والحكومة الاتحادية، يقول التقرير الأمريكي.
لكن على أرض الواقع، مالت التوجهات نحو إعادة ترسيخ مركزية السلطة والنفوذ بيد الحكومة الاتحادية، فبرغم المقترحات الأولية لتشكيل أقاليم جديدة، ما يزال إقليم كوردستان العراق، الإقليم الاتحادي الوحيد في البلاد.
وبالاضافة إلى ذلك، فإن المرة الأخيرة التي أجرى فيها العراق وإقليم كوردستان انتخابات لمجالس المحافظات كانت في عامَي 2013 و2014 على التوالي، حتى أنه في العام 2019، قام مجلس النواب العراقي بحل مجالس المحافظات.
تقاسم المناصب
ولهذا، اعتبر التقرير أن "اللامركزية الجغرافية والإدارية فقدت بريقها السياسي لصالح دولة قوية ذات سلطة مركزية، وازدهر بدلاً منها الإقطاع العرقي والطائفي في الدولة متخذاً شكل سياسة المحسوبية، حيث تقوم الكتل السياسية التي تصل إلى مجلس النواب بتقاسم مؤسسات الدولة وأصولها".
ونوه التقرير الأمريكي، إلى أن "الحكومة العراقية تركز السلطة والثروة في بغداد بعيداً عن الأقاليم والمحافظات، لكن بغداد نفسها مقسمة بشكل لا مركزي بين الأحزاب التي تشكل الحكومة"، مضيفا أن "مثل هذه السياسات العرقية والطائفية أصبحت جانباً صامداً من نظام الحكم في فترة ما بعد صدام، حيث تخلت السياسة العراقية عملياً عن اللامركزية لصالح حكومة مركزية ضعيفة من الداخل".
وذكر التقرير، أن "الحكم اللامركزي كان غريباً إلى حد ما على العراق، لانه منذ نشأته كدولة، حكم إلى حد كبير من قبل حكومة مركزية، سواء كانت ملكية أو عسكرية أو ديكتاتورية حزب واحد، بينما كان الحكم الذاتي الممنوح للكورد في العام 1970 قصير الأمد، ولم يكن هناك مجال كبير لتخفيف مركزية القيادة والسيطرة في ظل الأيديولوجية الاشتراكية العربية لحزب البعث، وحتى أقل من ذلك في ظل العسكرة التي سادت خلال حرب العراق التي استمرت ثماني سنوات مع إيران".
حكم إقليم كوردستان
ورأى التقرير الأمريكي، أن "تشكيل حكومة إقليم كوردستان في العام 1992 ليس لأن بغداد نقلت السلطة إلى المحافظات الكوردية الشمالية، بل لأن صدام فقد السيطرة عليها في أعقاب حرب الخليج الأولى".
ونبه التقرير، بأن "نظام الحكم الفيدرالي يعتبر أمراً شاذاً في المنطقة، لانه برغم الاختلافات الكبيرة، تتّبع جميع الدول المجاورة للعراق نظاماً مركزياً، وإلى جانب ذلك، كانت إيران وتركيا متشككتان في الفيدرالية الكوردية في العراق خشية أن تقدم نموذجاً للأقليات الكوردية في بلديهما.
ولفت إلى أن "التزام الفصائل السياسية الكوردية بالفيدرالية لم يكن ثابتاً على الإطلاق"، موضحاً أن "الكورد تذبذبوا عبر طيف اللامركزية، من الحكم الذاتي إلى الاستقلال الكامل".
السنّة والفيدرالية
وزاد التقرير الأمريكي: "عندما كانت أحزاب المعارضة الشيعية في المنفى، تبنّت مفهوم الفيدرالية كنظامها المتصوّر للحكم في العراق في مرحلة ما بعد صدام، ولكنها ما لبثت أن تخلت عنه بمجرد وصولها إلى السلطة".
وتابع: "على النقيض من ذلك، كانت الجماعات السنية أول من عارض الفيدرالية، لكنها رأت فيها في النهاية ضمانة ضد تعدي الميليشيات على أراضيها".
ونوه التقرير، إلى أن "العراق يعود إلى المركزية بوتيرة بطيئة بل ثابتة، وبدلاً من أن يكون (إقليم كوردستان) الأول من بين عدة أقاليم يتم إقامتها ضمن دولة العراق الاتحادية، إلّا أنه ما يزال الإقليم الوحيد في البلاد، حيث أن غالبا ما رفضت الأحزاب السنية الفيدرالية وساوتها بالانشقاق، وعندما كانت الأحزاب الشيعية العراقية الرئيسية في جبهة المعارضة، وبعد ذلك في أولى مراحل حكمها بعد صدام، تتبنى الفيدرالية إلا أنها سرعان ما تخلت عنها حالما أصبحت راسخة في السلطة، وأصبحت المقترحات، مثل (إقليم البصرة)، خارج الحسابات السياسية".
الأحزاب الشيعية
وأشر التقرير الأمريكي، انتصار الاحزاب الشيعية في الصراع العرقي والطائفي، إذ أثارت هذه القوة وهذه الثروة شهيتها للحكم المركزي، خصوصاً بعد هزيمة داعش، وزيادة الصادرات النفطية.
ولفت إلى أن "هذه الحوافز السياسية، تفسر جزئياً، سبب عدم قيام مجالس النواب العراقية بإقرار القوانين المطلوبة وبناء المؤسسات اللازمة لترسيخ الفيدرالية، مثل (المجلس الاتحادي) و(المحكمة الاتحادية العليا) و(قانون النفط والغاز الوطني).
انفصال كوردستان
ورأى تقرير "معهد واشنطن" الأمريكي، أن "كوردستان صمدت بدور الإقليم بسبب أنه من الصعب على الحكومة العراقية ابتلاعها، حيث أرست حكومة الإقليم، وقائع راسخة على الأرض، مثل قوات البيشمركة وقطاع الطاقة".
وبرغم ذلك، أشار التقرير إلى أن "الأحزاب الكوردية العراقية ورغم كونها من المؤيدين الرئيسيين للفيدرالية، إلّا أنها تخلصت من اللامركزية أيضاً، كما لم يفعل الممثلون الكورد في الدولة العراقية الكثير للدفع باتجاه التشريع اللازم الذي من شأنه أن يمنح الفيدرالية ديمومة أكبر".
وبين التقرير الأمريكي، أن "السلطة والثروة الكوردية أدت إلى زيادة التطلعات الكوردية لإقامة دولة"، مشيرا بذلك الى استفتاء الاستقلال في العام 2017.
واعتبر أن "الروابط بين حكومة الإقليم وبغداد لم تكن قوية بما يكفي للحفاظ على حياة سعيدة لكلا الجانبين، ولم تكن ضعيفة بما يكفي ليكون الانفصال ممكناً، لكن الاستفتاء الكوردي برر شكوك العرب في أن الفيدرالية كانت كلمة سر للانفصال طوال الوقت.
تفكك السلطة
وذكر التقرير أن "الحكومة المركزية التي تتركز في قبضتها السلطة والثروة ولكنها تنقسم أيضاً بين عشرات الكيانات السياسية النافذة، هي حكومة ضعيفة بطبيعتها ولا يمكن التنبؤ بها وتفتقر إلى الاستقرار".
ولفت التقرير الأمريكي، إلى "فشل هذا النظام في حماية السيادة العراقية، ودرء الإرهاب، وتوفير الازدهار، موضحاً أن "هذا العجز في الحكم نابع من الدولة العراقية المركزية بل الضعيفة التي تستنزفها جميع الأحزاب الموجودة في السلطة من أجل مصالحها الضيقة".
ونوه التقرير إلى أن "شبكة المحسوبيات آخذة في التوسع بدلاً من التوحد، حيث ان العائلات السياسية والزعماء أصبحوا يتفوقون على المكاتب السياسية ونفوذها السابق"، لافتاً إلى أن "الحكام المتنافسين لا يستطيعون الاستيلاء على الدولة بأكملها أو على جزء جغرافي منها، فهم يكتفون بالاستحواذ على الجهات الحكومية والاستفادة من مواردها".
انتخابات مجالس المحافظات
ورأى التقرير الأمريكي، أن "الحكومة العراقية الجديدة قد تضغط من اجل إجراء انتخابات لمجالس المحافظات لمجرد تجنب إجراء انتخابات وطنية، مضيفا انه سيكون من الصعب إعادة تشكيل مجالس المحافظات نظراً إلى فسادها وافتقارها إلى الكفاءة في الأداء، وهو ما استحث الذعر العام الذي أدى إلى حلّها في المقام الأول.
ورجح التقرير أن "الطريق المضمون أكثر للمضي قدماً في العلاقات بين حكومة الإقليم وبغداد، هو إعادة العمل على الفيدرالية، أي البنى الأساسية التشريعية والمؤسساتية والإدارية اللازمة لقيام هذا النظام الاتحادي".
وخلص تقرير "معهد واشنطن" إلى القول إن "إعادة بث الحياة إلى اللامركزية التي من شأنها تعزيز حكومة تكون أكثر خضوعاً للمساءلة، قد تتطلب استثمارات جادة في قدرة الحكم المحلي وتوسيع الروابط بين أربيل بغداد.