شفق نيوز/ تسعى النساء في العراق، إلى الاعتماد على أنفسهن في جوانب الحياة المختلفة، وخاصة في قطاع العمل، ليساعدن عائلاتهن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وسط دعوات لتمكينهن اقتصادياً واجتماعياً وقانونياً وسياسياً وقيادياً أيضاً.
وفي جنوب البلاد، يظهر تحول كبير حيث بدأ سوق العمل باستقطاب النساء إليه، في ظاهرة تعد نادرة.
وتروي خبيرة التجميل، هدى الزبيدي، من مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، تجربتها الناجحة في سوق العمل وما تطمح إلى تحقيقه في المستقبل بالقول، "منذ حوالي عام تقريبا، بدأت عمل ماسكات طبيعية (مقشرات بشرة)، للاستخدام الشخصي، كون مستحضرات التجميل التجارية كانت تهيّج بشرتي، لذلك عملت ماسكات وصابون من المواد الطبيعية، مكوّنة من (الشوفان وماء الورد والحليب)".
وتضيف الزبيدي في حديثها لوكالة شفق نيوز، "ما ساعد فكرتي على الانتشار، هن صديقاتي ومتابعات حساباتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت بدايتها طرح سؤال عليهن حول تجربتهن مع الماسكات الطبيعية، وتفاعلت النساء بسرعة، ورأيتهن يفضّلن المنتج الطبيعي على التجاري، عندها قررت العمل على هذا المشروع، واشتركت بدورات وحصلت من خلالها على شهادات لممارسة المهنة".
وتشير الزبيدي إلى أنها "لم تواجه صعوبات في عملها الذي تمارسه في ورشة داخل منزلها"، قائلة "كان الجميع يساندني وخاصة عائلتي وصديقاتي".
وتطمح الزبيدي أن "يكون لها كوزمتك خاصا بها مستقبلا".
وترى الناشطة النسوية، رونق علاء، عمل النساء داخل المنزل و"الأونلاين" (وظائف العمل الحر والأعمال التي يتم إنجازها عن بعد)، له فوائد إيجابية، كونه يساعد النساء في إنشاء مصدر رزق لهن.
وتدعو علاء خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، وزارة العمل ومنظمات المجتمع المدني، إلى أن "تكون جادة في تقديم ورش لتطوير عمل المرأة، وتوفير القروض لهن"، مؤكدة أن "عمل المرأة مهم لدعم عوائلهن ماديا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وكلما كان الوضع الاقتصادي جيدا كان المجتمع آمنا".
وتشكّل نسبة النساء العراقيات العاملات في القطاع الخاص، حوالي 29 بالمئة من المجموع الكلي للعاملين في القطاع، بحسب ورقة بحثية لمركز النهرين للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن نسبة النساء في المجتمع العراقي تقارب 49 بالمئة من إجمالي السكان، إلا أن فرصهن في سوق العمل لازالت ضئيلة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء العراقيات العاملات حدود 15 بالمئة من حوالي العشرين مليون امرأة عراقية، بينما تقع 85 بالمئة منهن ضحايا عوامل موضوعية تحجم دورهن في المجتمع عموما وسوق العمل تحديدا.
وفي الجانب المقابل، فإن نسبة مشاركة النساء العراقيات في مؤسسات الدولة تمثل نصف العدد الكلي، وفق ما رصدته إدارة التدريب في المركز الوطني لوزارة التخطيط، بحسب آخر إحصائية لها.
وفي هذا الشأن تقول عضو مجلس النواب العراقي، ابتسام الهلالي، إن "المرأة ثلاث أرباع المجتمع، وليست نصفه، وهي أساس بناء المجتمع، ومتى ما كانت المرأة صالحة كانت الأسرة والمجتمع صالحان".
وتذكر الهلالي التي هي عضو في لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية لوكالة شفق نيوز، "اشتركنا بدورات حول القوانين التشريعية التي تهمّ المرأة، وخاصة قانون العنف الأسري، وقانون الطفولة، وقانون تمكين المرأة اقتصاديا، حتى تستطيع أن تعيل نفسها".
وبحسب دراسة قدمها الجهاز المركزي للإحصاء، فإن 20 بالمئة من النساء العراقيات قد تعرضن للتعنيف الأسري، بينما تحصي المفوضية العليا لحقوق الإنسان حوالي خمسة آلاف حالة تعنيف للنساء في العام الماضي، وهو ما يعتبره متخصصون سببا رئيسا يضاف إلى جملة عوامل أخرى تعرقل تمكين النساء ودخولهن سوق العمل في العراق.
وتضيف الهلالي، أن "المرأة مظلومة، وحتى وزارة المرأة في الحكومة العراقية تم حذفها، فلا يوجد اهتمام بالمرأة، ولذلك نحاول تشكيل مجلس وطني للمرأة، كما هناك لجنة تمكين المرأة في رئاسة الوزراء، ويتم التواصل معها من أجل تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا وقياديا أيضا".
وتتابع الهلالي، "هناك جلستان مقررتان لمجلس النواب يومي السبت والاثنين المقبلين، تتضمنان قوانين تخص المرأة، وسيتم الطلب فيهما بأن تكون هناك وزارة للمرأة أو هيئة مستقلة خاصة بالمرأة، كما نحاول أن نمكّن المرأة بمشاريع بسيطة، من خلال منح قروض لهن بحوالي 8 ملايين دينار من وزارة العمل، لكن ما يعيق ذلك هو شرط الكفيل، وهناك حراك لإزالة هذا الشرط".
وكان رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، قرّر في عام 2015، إلغاء عدد من الوزارات، من بينها وزارة الدولة لشؤون المرأة، لتقليل نفقات الدولة من جرّاء تدنّي أسعار النفط والأزمة الماليّة التي عصفت بالبلاد في تلك الفترة.
وغالبا ما تكون المرأة خلف الواجهة بعيدا عن المناصب العليا والدرجات الخاصة في الحكومة، إذ تظهر بيانات صادرة من وزارة التخطيط العراقية لعام 2018، على سبيل المثال، وجود امرأة واحدة في منصب مدير عام، مقابل كل تسعة رجال، والنسبة ذاتها تتكرر لمنصب معاون مدير عام.
وحتى في التمثيل الحكومي، تراجعت نسبة المشاركة السياسية للمرأة في العراق من تسلم نساء ست وزارات في الحكومة المؤقتة التي تشكلت برئاسة إياد علاوي في 2005، إلى حقيبة واحدة في حكومة مصطفى الكاظمي الأخيرة 2020-2022، وقبلها لم تتسلم امرأة أي حقيبة في حكومة عبد المهدي 2018 - 2020.
وفي هذا الجانب تذكر رئيسة جمعية الرحمة الإنسانية، فاتن الحلفي، أن "هناك حاجة فعلية لتدريب النساء على القضايا الملحّة التي تخص قضايا وحقوق المرأة، وخاصة التمكين السياسي والقانوني والاقتصادي".
وتوضح الحلفي، التي هي عضو مجلس مفوضية حقوق الانسان السابق أيضا، لوكالة شفق نيوز، أن "أي بلد عندما يضعف وضعه الاقتصادي وينخفض مستواه المعاشي، فإن الجرائم تكثر فيه، حتى على مستوى النساء، لكن عندما تتمكن النساء اقتصاديا تصبح غير محتاجة لأي جهة، وبذلك تستقر العائلة باستقرار الوضع الاقتصادي".
وتواصل حديثها، أن "جمعية الرحمة، تعمل على تدريب النساء اقتصاديا، أما التأهيل الاقتصادي فهذا يحتاج إلى تدخل حكومي لتوفير الأموال اللازمة لذلك، وتسعى الجمعية إلى التواصل مع الجهات التنفيذية في الحكومة بهذا الخصوص".
وعن عدد المتدربات اللواتي تلقين تأهيلا مهنيا، تقول الحلفي، أنه "تم تدريب أكثر من 3600 امرأة، ومن مستويات مختلفة، على استخدام الحاسوب والخياطة وغيرها، وافتتح البعض منهن مشاريع صغيرة، مثل مكاتب استنساخ وما شاكل لك".
ويؤكد تقرير للبنك الدولي صدر عام 2020، أن مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تعتبر منخفضة، بحيث تشكل أقل من 15 في المئة فقط.
وقال البنك في التقرير، إن "هناك أقل من 15 في المئة من النساء يشاركن في سوق العمل في كل من العراق والأردن، و26 في المئة فقط في لبنان، مبينا أن "هذه النسب تعد من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم".
بينما تشير دراسة أعدتها وحدة إحصاءات النوع الاجتماعي التابعة للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، أن توزيع النساء حسب قطاعات العمل لا يبدو متوازناً، فيظهر أن هناك قطاعات تنشط فيها النساء على حساب قطاعات أخرى.
فالقطاع العام والحكومي هي أكثر القطاعات الجاذبة لمشاركة المرأة، حيث كانت النسبة حوالي 78 في المئة مقارنة بباقي القطاعات، التي لم تشكل سوى 21 في المئة في القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن أغلب النساء العاملات في القطاع الخاص هنَّ من النساء الريفيات.
أما بيئة العمل عند النساء العاملات، وفقا للدراسة، فهي أقل خطورة عند المقارنة مع عمل الرجال، فقد أظهرت النتائج أن أكثر من 82 في المئة من النساء يعملن في بيئة عمل غير خطرة بالمقابل هناك 46 في المئة من الذكور يعملون أيضا في أجواء عمل مماثلة.
وبحسب الأرقام والبيانات التي أصدرتها منظمة العمل الدولية، العام الماضي، حول المساواة بين الجنسين، بلغ معدل مشاركة المرأة العربية في سوق العمل 18.4 في المئة، وهو المعدل الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48 في المئة.