شفق نيوز- بغداد/ بيروت/ غزة/ صنعاء
بين ضغوط دولية متصاعدة ودعوات متكررة لحصر السلاح بيد الدولة، يتجدد الجدل في الشرق الأوسط حول مستقبل الفصائل المسلحة، في العراق ولبنان وغزة واليمن، لاسيما وأن هذه المطالبات تأتي في ظل الحرب المفتوحة في غزة والتوتر في البحر الأحمر والضغوط الأميركية على بغداد وبيروت، مقابل تمسك فصائل "محور المقاومة" بسلاحها بوصفه ضمانة وجودية.
وفي هذا السياق، يقدم عميد كلية الدراسات في الجامعة الإسلامية في لبنان، غازي قانصو، قراءة أكاديمية مقارنة، اعتمدت أربعة معايير أساسية لتقييم قابلية القوى المسلحة لنزع السلاح أو مواجهتها للولايات المتحدة، أبرزها طبيعة الاشتباك مع واشنطن والقدرة العسكرية الذاتية والارتباط ببنية دولة وإمكانية دمج السلاح في تسوية سياسية.
وبحسب هذا التقييم، تصدر الحوثيون (جماعة أنصار الله في اليمن) قائمة القوى الأكثر عناداً، كونهم خاضوا مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة في البحر الأحمر وباب المندب، ولم يتراجعوا رغم الضربات الأميركية – البريطانية، فضلاً عن سيطرتهم على أرض وعاصمة، وتحولهم من حركة تمرد إلى فاعل سيادي مسلح، وهو ما يجعل مسألة نزع سلاحهم شبه مستحيلة.
وفي المرتبة الثانية، وضع قانصو خلال حديثه لوكالة شفق نيوز حزب الله في لبنان، واصفاً إياه بـ"العنيد استراتيجياً والحذر تكتيكياً"، إذ لا يواجه واشنطن مباشرة لكنه يبني معادلة ردع ضد إسرائيل.
ويرى قانصو أن سلاح حزب الله مرتبط مباشرة بوجود التهديد الإسرائيلي، وأن أي نزع له يعني انهيار معادلة الردع، مع الإشارة إلى وجود هامش نظري لحلول وسطية مشروطة بضمانات نهائية ودور راعٍ للدولة اللبنانية.
أما حماس، فيعتبرها قانصو "عنيدة وجودياً لا سياسياً" تجاه الولايات المتحدة، إذ لا تواجه واشنطن مباشرة لكنها تقاتل إسرائيل المدعومة أميركياً.
ورغم أن سلاح حماس غير قابل للنزع كلياً لغياب الدولة الحامية والبديل السياسي، إلا أن قدرتها على فرض شروط على واشنطن تبقى محدودة، بحسب قانصو.
وفي المرتبة الأخيرة، جاءت الفصائل المسلحة في العراق، بوصفها الأقل عناداً والأكثر قابلية للضغط، نظراً لارتباطها الجزئي بالحكومة، وعلاقتها التي تسمح بضبط الإيقاع إقليمياً، وفق قانصو، الذي يرى أن سلاح هذه الفصائل غير قابل للتسليم الكامل، لكنه قابل لإعادة الهيكلة والضبط ضمن إطار الدولة.
في هذا الصدد، ذكر رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حركة حماس، علي بركة، لوكالة شفق نيوز، أن "الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم حتى الآن ببنود اتفاق شرم الشيخ المتعلّق بالتهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي تم إبرامه في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي".
وأوضح بركة، أن "الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يواصل عدوانه على قطاع غزة، الأمر الذي يجعل المطالبة بنزع سلاح المقاومة أو التخلي عنه أمراً غير منطقي"، مؤكدا أن حركة حماس "من المستحيل أن تتخلّى عن سلاحها في ظل استمرار الاحتلال والعدوان"، مشدداً على أن "سلاح المقاومة سيبقى قائماً إلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة كاملة".
وأضاف أن "الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة تحرر وطني، وأصل الصراع في فلسطين يتمثل بالاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عام 1948"، لافتاً إلى أنه "من حق الشعب الفلسطيني المشروع الدفاع عن أرضه ووطنه في مواجهة الاحتلال"، مشدّداً على أن "خيار المقاومة هو مسار وطني تاريخي شقّته الفصائل الفلسطينية منذ عقود، وتواصل حركة حماس هذا الطريق ضمن مشروع المقاومة الوطنية".
الموقف العراقي
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي سعيد البدري أن الولايات المتحدة هي الطرف الضاغط في هذا الملف، لكنها "غير موثوق بها"، كونها لم تقدم، بحسب وصفه، رؤية منصفة تضمن حماية شعوب المنطقة، بل تواصل دعم الكيان الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً.
ويعتقد البدري خلال حديثه لوكالة شفق نيوز أن الفصائل المسلحة لن تقدم على تسليم سلاحها، بل قد تذهب إلى المواجهة إذا فُرض عليها ذلك، في ظل قناعة راسخة لديها بأن السلاح هو وسيلة الدفاع الأخيرة في مواجهة مشاريع الهيمنة الإسرائيلية – الأميركية في المنطقة.
صراع وجودي
من جهته، يذهب الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي (حشد) في اليمن، سفيان العماري، إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن المنطقة تتجه بسرعة نحو تصعيد مصيري ووجودي.
ويقول العماري، لوكالة شفق نيوز، إن الولايات المتحدة ترى أن مستقبل نفوذها على المحك، فيما يعتبر اليمين الإسرائيلي أن التصعيد المستمر هو مفتاح بقائه في السلطة.
ويشير العماري إلى أن غياب الأفق السياسي، في ظل الشلل الدولي والأزمات المتلاحقة كالحرب الأوكرانية والتوتر مع إيران، يجعل المواجهة أكثر عمقاً وألماً، لكنها قد تكون أقصر زمناً بسبب كلفتها العالية على الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة والغذاء وسلاسل التوريد.
نزع السلاح "مستبعد"
بدوره، يؤكد منسق العلاقات والتواصل للأحزاب السياسية المناهضة للعدوان في اليمن، الدكتور عارف العامري، أن ترك سلاح فصائل المقاومة في هذه المرحلة "أمر مستبعد"، لأن التهديدات لا تزال قائمة، ولأن العدو – على حد وصفه – يواصل التسلح بدعم غربي وعربي.
ويرى العامري خلال حديثه لوكالة شفق نيوز أن الدعوات إلى نزع سلاح المقاومة تفتقر إلى أي ضمانات حقيقية، وتقوم على ازدواجية معايير، محذراً من أن أي محاولة لفرض هذا الخيار ستبوء بالفشل، وقد تقود إلى مواجهات حاسمة، جزئية أو شاملة، في أكثر من ساحة.
مقاربة مضادة
في المقابل، يطرح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حيفا، البروفيسور حسين الديك، رؤية مغايرة، معتبراً أن هناك قراراً أميركياً – أوروبياً – عربياً بعدم السماح بوجود ما يُعرف بـ"الفاعلين غير الدوليين" في الشرق الأوسط.
ويقول الديك لوكالة شفق نيوز، إن المسار المفضل يبدأ بتفاهمات سياسية داخلية، لكن في حال فشلها، فإن القوة العسكرية الإسرائيلية أو الأميركية ستُفرض لإنهاء ظاهرة السلاح خارج إطار الدولة.
ويستشهد الديك في الختام بما جرى في الضفة الغربية، والضغوط المتواصلة في غزة ولبنان، إضافة إلى المساعي الدبلوماسية في العراق، حيث يرى أن عودة بغداد إلى "الحاضنة العربية" لا يمكن أن تتم بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.