شفق نيوز/ رغم تحذيرات أمريكية مستمرة منذ اندلاع الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل في غزة، قبل 6 أشهر، يجد الإسرائيليون أنفسهم في نفس "المستنقع العراقي" الذي وجد الأمريكيون أنفسهم فيه بفعل أخطائهم التي ارتكبوها بحرب العراق عام 2003.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حاولت منذ البداية تحذير اسرائيل من الوقوع في نفس الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن في العراق، لكن وبعد مرور 188 يوماً على الحرب في غزة، لا خطة لما بعد الحرب، إذ أصبحت تل أبيب تواجه مستنقعاً شبيهاً بالمستنقع العراقي.
المستنقع العراقي
واستعاد التقرير الأمريكي اللحظات الأولى منذ وقوع ما وصف بانه "11 أيلول الاسرائيلي" عندما قام الرئيس باين بزيارة الى اسرائيل بعد كارثة 7 اكتوبر/تشرين الأول، وبدأت إدارته بتحذير حكومة بنيامين نتنياهو من ارتكاب نفس الاخطاء التي وقعت فيها الولايات المتحدة ذلك بعد أحداث "11 سبتمبر/أيلول 2001".
وأوضح التقرير، أن الموقف الأمريكي كان يتمثل بدعوة نتنياهو الى عدم التورط في مستنقع لا نهاية له ولا مخرج منه، والا يخلق المزيد من الارهابيين باستخدام التكتيكات الوحشية، والا يقوم الاسرائيليون بما فعله الامريكيون بغزو العراق واحتلاله".
وأشار التقرير الأمريكي، الى انه بعد مرور 6 شهور، فان النصيحة الامريكية لم يتم الاخذ بها "من الواضح أن اسرائيل التي ما تزال منهمكة بالغضب، تنجرف إلى مستنقع يشبه العراق في غزة".
وتابع التقرير انه مثلما جرى مع حزب البعث خلال عهد صدام حسين، فان جزءا كبيرا من قيادات حماس يتم تدميره تدريجيا، مضيفا ان المسؤولين الامريكيين يقولون ان التكتيكات الاسرائيلية كانت اكثر فعالية مما كانوا يعتقدون، خاصة في اختراق شبكة الانفاق باقل قدر من الخسائر الاسرائيلية.
حرب بلا خطة
كما لفت التقرير، إلى أن "اسرائيل لم تبدأ حتى بالتفكير في مخرج قابل للحياة، مثلما كان الحال في العراق، التمرد يتصاعد، وجيل جديد من المسلحين يظهر، وهو ما يمكن أن يصيب اسرائيل بالارتباك لسنوات".
وأوضح التقرير الأمريكي، أنه وبرغم الانتقادات العلنية لحملة الارض المحروقة التي تشنها اسرائيل، الا انه اكثر ما يثير انزعاج المسؤولين الامريكيين من الكارثة الانسانية المستمرة، هو الفشل الكامل لاسرائيل في التفكير في ما ستفعله في غزة في اليوم التالي للحرب.
غضب أمريكي
ونقل التقرير عن مسؤول كبير في ادارة بايدن قوله انه "اذا كان هناك احباط شديد تجاه الطرف الاسرائيلي، فانه يتمثل بعدم وجود اي خطة تتمتع بالمصداقية للمرحلة الرابعة"، في اشارة الى مرحلة ما بعد الحرب عندما يتم تشكيل نوعا من سلطة الحكم في غزة، مشيرا بذلك الى ان (المرحلة الاولى كانت تتمثل بالقصف الجوي بعد 7 اكتوبر، والمرحلة الثانية بالغزو البري، والمرحلة الثالثة هي تطهير المنطقة).
وتحدث التقرير تحديدا عن فكرة ان الحكومة الاسرائيلية لم تتخطَ اقتراح تنظيم العشائر المحلية من اجل ادارة الامور في قطاع غزة، وهي ترفض بالكامل فكرة قيام السلطة الفلسطينية "المعاد تشكيلها" بالسيطرة على القطاع، كما نقل التقرير عن المسؤول الامريكي قوله انه حتى زعيم المعارضة الاكثر اعتدالا، بيني غانتس، وهو الخليفة الارجح لنتنياهو كرئيس للوزراء، لا يريد اشراك السلطة الفلسطينية.
وتابع التقرير ان الاسرائيليين، الذين ما زالوا يعانون من الصدمة من وقوع هجوم 7 اكتوبر/تشرين الاول، لا يناقشون ايا من الاقتراحات المتعلقة بمستقبل السلطة في غزة، مضيفا انه وفقا لمسؤولي ادارة بايدن ومراقبين اخرينفان احدى المشكلات تتمثل في انه بعد أهوال هجوم حماس، فانه حتى الاسرائليين المعتدلين ليس بامكانهم تقبلفكرة تسليم الفلسطينيين دولة او حتى كيانا مستقلا، ولا يستطيع نتنياهو الاحتفاظ بائتلافه اليميني الهش متماسكا ما لم يستمر في معارضة فكرة الدولة الفلسطينيةبقوة.
وفي الوقت نفسه، قال التقرير الامريكي ان الامريكيين انفسهم لم يساعدوا كثيرا في ارسال الاشارات الخاصة بهم، موضحا انه بينما انتقد بايدن في الاسابيع الاخيرة نتنياهو بشكل علني فيما يتعلق بالكارثة الانسانية، فانه في الوقت نفسه لم يدفع باتجاه الحل السياسي بطريقة واضحة.
سلاح وتمرد
ونقل التقرير عن الباحث في منتدى السياسة الاسرائيلية في واشنطن مايكل كوبلو اشارته الى الفشل في توزيع المساعدات، والى الفوضى والعنف الذي تمارسه العصابات المسلحة، وفي بعض الحالات اطلاق النار بين مقاتلي حماس العائدين ومسلحي السلطة الفلسطينية او حركة فتح، والذي ظهر في مناطق شمال غزة وفي منطقة خان يونس مع انسحاب القوات الاسرائيلية، مما ادى الى تفاقم الازمة التي بداها الحصار الاسرائيلي، وبحسب كوبلو فانه "لم تعد هناك مؤسسات عاملة، ولم يتم وضع خطة لاستبدال اي منها".
وبحسب التقرير فإن غالبية مسؤولي الأمن الاسرائيليين يدركون ان حكومتهم لا تتسم بالواقعية فيما يتعلق بالازمة الانسانية وقدرتها على احتوائها، ولا فيما يتعلق بفكرة الحكم في مرحلة ما بعد الحرب.
ونقل التقرير عن نمرود نوفيك، الذي كان مستشارا بارزا لرئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، قوله إن مسؤولي الامن الاسرائيليين "يدركون بوضوح حقيقة انه من غير الممكن التوقع من العشائر المحلية ولا مسؤولي البلديات ان يقوموا بمفردهم بالمهمات الشاقة المتمثلة في حكم واعادة تاهيل القطاع".
وأضاف أن مثل هذه المهام "تستدعي دعما خارجيا هائلا، وبرغم ذلك فان الاطراف الخارجية، وبالدرجة الاولى اللاعبين الاقليميين الرئيسيين (مثل السعودية ودول الخليج)، ترفض المشاركة (بما يتجاوز المساعدات الانسانية قصيرة المدى) ما لم يتم ذلك بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية".
ومع ذلك، رأى التقرير، أن اسرائيل نادراً ما قامت بالتحرك نحو حل سياسي للقضية الفلسطينية من دون ضغوط مكثفة من جانب واشنطن، وأن التوترات الحالية بين الولايات المتحدة واسرائيل، ربما تكون الاسوأ منذ عهد جورج بوش الأب قبل اكثر من ثلاثة عقود، بالتالي فإن كل الدلائل تشير إلى "مستنقع طويل ودموي في المستقبل".
ترجمة: وكالة شفق نيوز