شفق نيوز/ يشهد المجتمع الايزيدي مستوى جديدا من الانفتاح على محيطه بعد سنوات طويلة من الانعزال النسبي والتقاليد المحافظة. والان، بعد مرور سبعة أعوام على الكارثة الانسانية التي ألحقها تنظيم داعش بالاقلية الايزيدية في العراق، يتغير الايزيديون عموما بانفتاحهم اكثر على العالم، وتستفيد المرأة تحديدا من هذا التغيير.
جاء ذلك في تقرير لموقع "دوتشيه فيله" الالماني ترجمته وكالة شفق نيوز، حول تحول المجتمع الايزيدي نحو مزيد من الانفتاح. ونقل التقرير عن مرشد السياح في معبد لالش لقمان سليمان قوله لمجموعة من السياح الاتين من مختلف انحاء العراق ومن ايطاليا، "نحن نثمن زيارتكم حقا".
واشار التقرير الى انه بالنسبة لهذه الاقلية العرقية والدينية، فان لالش هو بمثابة الفاتيكان للكاثوليك او مكة بالنسبة الى المسلمين، ويعتقد ان كل ايزيدي يفترض ان يأتي الى هذا المكان مرة واحدة على الاقل خلال حياته، لكن في هذه الايام، يتوافد المزيد من الزوار من خارج المنطقة اليها.
ونقل التقرير عن سليمان قوله "من المهم ان ياتي الناس الى هنا ويستمعوا الى الايزيديين، ويجب الا تستمتع الى اشخاص اخرين قد يتحدثون عنا بشكل مغلوط".
ولفت التقرير الى ان سليمان كان يشير الى تحيزات قائمة منذ مدة طويلة ضد المجتمع الايزيدي، من بينها ان معتقداتهم وطقوسهم الدينية سرية، وان التقاليد والقواعد يتم نقلها شفهيا والممنوع على الغرباء الاطلاع على، وهي حال جعلت الاقلية الايزيدية مستهدفة من جانب الاغلبية المسلمة.
كما لفت التقرير الى ان العقيدة الايزيدية توصف بانها "ثنائية" لانهم يؤمنون بان الخير والشر جزء من الالوهية نفسها. ويعتبر بعض العراقيين الايزيديين بانهم من "عبدة الشيطان"، وبعض العراقيين لا يتناولون طعاما محضرا من ايزيديين.
واعتبر التقرير ان الاقلية الايزيدية تغيرت الى الابد بسبب الهجوم الوحشي لداعش عليها. والى ان تم طرد المتطرفين من شمال العراق في العام 2017 ، كان الالاف من الايزيديين قد تعرضوا للقتل او الخطف، في اعتداءات وصفتها العديد من الهيئات الدولية بانها ابادة جماعية، فيما لا يزال حوالي 240 الف شخص يعيشون في مخيمات للنازحين، والعديد منهم فقراء بشكل كبير.
وتابع ان المجتمع الايزيدي "قد تغير ايضا في بعض النواحي التي ربما لم تكن متوقعة تماما".
ونقل التقرير عن رئيس اكاديمية سنجار مراد اسماعيل، "لقد تغير المجتمع الايزيدي نحو مزيد من الانفتاح"، مضيفا انه "ليس لدى المجتمع الايزيدي ما يخفيه ولكني اعتقد ان كثيرين اعتقدوا في الماضي، انه من الافضل عدم مناقشة الهوية او الايمان. واعتقد ايضا ان العالم اليوم اكثر حماسة ودعما للايزيديين، مما يشجعهم على ان يكونوا اكثر انفتاحا".
ومن جهته، قال سليمان لزواره في المعبد ان احد التغييرات الملحوظة قد طرأ على حقوق المراة الايزيدية، موضحا انه "قبل مجيء جماعة داعش، لم تكن للمرأة حرية في مغادرة قريتها من ولي امرها".
واضاف سليمان وهو يبتسم مشيرا الى السماء فوق التلال المحيطة بالمعبد القديم القائم منذ اربعة الاف عام، انه "بعد زمن داعش، اصبح الناس اكثر انفتاحا. يمكن للنساء ان يغادرن قراهن وركوب طائرة الى اوروبا ، اذا اردن ذلك".
ونقل التقرير عن الناشطة والصحافية الايزيدية من سنجار نافين سيموكي قولها انه "في الماضي، لم يكن المجتمع ليتقبل ذلك، ولكن بعد نزوح العديد من الايزيديين، انتهى بهم الامر في اجزاء مختلفة من العراق واكتشفوا اساليب مختلفة للقيام بالامور".
وكانت لتلك التجربة تأثيرها، بحسب ما قاله احد السكان المحليين في شمال العراق، والذي عمل مع الايزيديين في مخيم للنازحين. واوضح قائلا "تصور انك اتيت من مجتمع زراعي منعزل ومن دون موارد كثيرة، حيث لم يتعلم الكثير من الناس بمستوى المدرسة الابتدائية. ثم بعد ذلك تتعرض للتهجير، وانت في مخيم، وهناك كل هذه المنظمات غير الحكومية التي تدير برامج تتعلق بالتعليم حول حقوق المراة.
ومن جهتها، تعرب سيموكي عن اندهاشها من حقيقة ان هناك الان معاهد لتعليم قيادة السيارات للنساء في المدينة، وتشير الى نساء اخريات يدرسن في الجامعات وتشيد بأميرة عطو، وهي شابة ايزيدية شاركت في مسابقة ملكة جمال العراق لعام 2021.
وتحدث التقرير ايضا عن نساء ايزيديات انخرطن في شبكات الناجين المحلية وقيامهن بأمور لم تكن يفعلنها من قبل، مثل السفر الى المدن لمقابلة سياسيين رجال لمناقشة قضايا العدالة والتعويض.
وبسبب مقتل اقاربهن الذكور، اصبحت العديد من النساء الايزيديات معيلات لاسرهن، كما يشير المدير التنفيذي ل"مبادرة نادية"، عابد شمدين.
ولفت التقرير الى ان هذه المنظمة غير الربحية التي اسستها نادية مراد، الناجية الايزيدية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، من مساعدة النساء الايزيديات في انشاء اعمالهن التجارية الصغيرة، واعادة بناء المنازل والوصول الى التعليم.
ونقل التقرير عن شمدين قوله ان هذه "المشاريع لها تاثير ايجابي عميق على النساء الايزيديات"، مشيرا الى ان النساء الايزيديات تولين زمام المبادرة بدرجة كبيرة في ايصال الصوت محليا وعالميا بالنيابة عن المجتمع الايزيدي.
اما اسماعيل، من اكاديمية سنجار، فقد اشار الى ان النساء الايزيديات يستفدن ايضا من تحسين فرص الحصول على التعليم والعمل، موضحا ان هناك عدد اكبر من النساء العاملات وبعضهن يمتلكن اعمالا تجارية صغيرة او يتولين ادارة منظمات غير حكومية، وهو ما له تأثير جديد بالنسبة للايزيديين في العراق.
وفي العام 2011، بعد تزايد حالات الانتحار بين الشابات الايزيديات، اجرى باحثون من المنظمة الدولية للهجرة مقابلات لتحديد سبب حدوث ذلك، وخلصوا الى ان "تهميش المراة" هو السبب، الى جانب العزلة، والزواج المدبر، والبطالة بين الاناث والتوترات المجتمعية والطائفية.
وبرغم ذلك، قال اعضاء في المجتمع الايزيدي ان الكثير لا يزال يتعين القيام به بالرغم من التغييرات الاخيرة. وقالت ناشطة سابقة في مخيمات النزوح، انه لا يزال هناك فرق كبير بين طريقة معاملة الناجين الايزيديات والنساء الاخريات في المجتمع.
واوضحت ان "البعض مرحب بهم من قبل عائلاتهم والبعض الاخر لم يرحب بهم. على الرغم من ان المجتمع لا يحب الحديث عن الامر بهذه الطريقة"، مضيفة انه "بمجرد منح الناس الفرص، من الصعب جدا اخذهم بعيدا مرة اخرى".
وأيد اسماعيل ذلك قائلا بالتاكيد ما زال هناك بعض الخلاف الاجتماعي، وسوف يستغرق الامر وقتا وتعليما، لكنني اعتقد من جوانب كثيرة ان الايزيديات كن قدوة يحتذى به خلال الابادة الجماعية وبعدها. لقد كن في صدارة كل ما حدث واصبحن رموزا للناس".