شفق نيوز / تحفل قصته بكثير من الشجاعة والمثابرة والأمل، رغم السنوات الصعبة التي عاشتها مدينة الموصل، "موصل سبيس" وبعملية البحث البسيطة عبر محرك "غوغل" عن كلمة "موصل"، ستظهر العديد من صور الدمار، لكن اضافة كلمة "سبيس" في خانة البحث، ستظهر صور عديدة لشباب يعملون من أجل مستقبلهم ومستقبل مدينتهم الموصل.
وبحسب الموقع الرسمي لـ"موصل سبيس" على الانترنت، فانه أول مجتمع شبابي في مدينة الموصل يهتم بالتعليم، التكنولوجيا، الابتكار وريادة الأعمال، وهو بمثابة مكان عمل جماعي ويقدم مجموعة من البرامج التدريبية وبرامج تطوير الاعمال، وأنشئت من قبل صالح محمود.
وذكرت مجلة "بايونير بوست" البريطانية في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز، أن "قصة (موصل سبيس) تعود إلى سنوات عدة، وكان صالح محمود ما يزال طالبا يدرس هندسة الكهرباء والاتصالات، ويشعر بالملل من أسلوب التعليم المعتمد في الجامعة".
ونقلت المجلة، عن صالح محمود قوله إن "التعليم في بعض الجامعات العراقية ميؤوس منه، وبسبب حماسته للتعلم، ظهرت لديه فكرة البدء بانشاء ناد ليجمع شبان يفكرون مثله ويقومون بشراء قطع الكترونية كالمتحكمات الدقيقة واجهزة الاستشعار والمشغلات، وان يتعلموا صناعتها".
ومع وصول الدفعة الثانية من المشتريات الالكترونية في آب 2014، كان تنظيم داعش قد احتل الموصل، وهرب محمود، بينما ظل صديقه زيد في المدينة، وتلقى هو شحنة الأجهزة المشتراة، وفقا للمجلة البريطانية.
ولمدة ثلاثة أعوام، لم يتمكن الناس داخل مدينة الموصل، من الحصول على التعليم الملائم، ففي البداية توقفت الحكومة عن الاعتراف بالجامعة في الموصل، وبعد مرور سنة، أغلقت المدارس والجامعات.
ومن أجل مساعدتهم على التعلم، اقترح محمود، وفقا للمجلة، على الذين طلبوا مشورته، "قراءة كتب محددة واقترح عليهم استعارة اجهزة الكترونية من زيد ليقوموا بالتدرب عليها"، قائلا لهم "عليكم ان تستغلوا هذا الوقت بطريقة جيدة، فأنتم فعليا داخل سجن".
ولم يتمكن محمود من الالتحاق بالجامعة طوال عام، لكنه ذهب الى الجامعة البديلة للموصل والتي أقيمت من أجل الطلاب الهاربين من المدينة ليستقروا في كركوك.
ومع بعض الافكار الملهمة والقليل من ماله الخاص من برنامج الابتكار من اجل التنمية، وهو برنامج يركز على الاختراع والاعمال، يدعمه برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، لفتت المجلة البريطانية، إلى أن "محمود بتوسيع (موصل سبيس)، وتمكن من تنظيم ورشة عمل كبيرة في العام 2016، ضمت 200 شخص من الجامعة، وشكل مجموعات عمل تضم 15 شخصا شاركوا بأجهزة إلكترونية اشتروها، وحاولوا صناعة شي ما معا".
ونوهت المجلة إلى أن "السنة الأخيرة لداعش في الموصل، لم يعد هناك خدمة انترنت متوفرة، وفقد محمود الاتصال بصديقه زيد"، وقال "لم أكن اعرف ما اذا كان زيد حيا في ذلك الوقت".
وفي نهاية المطاف، التحق زيد بالجامعة البديلة في كركوك، وتمكن من التواصل مجددا مع محمود، وكانت فكرة "موصل سبيس" ما زالت حية بالنسبة اليهما، ولهذا بدآ بتطويرها بمساعدة صديق ثالث، وكان المهم بالنسبة اليهم هو العودة الى الموصل وايجاد مكان تتوفر فيها المساحة المطلوبة للمشروع، بحسب المجلة.
وتمكنوا هؤلاء، وفقا للمجلة، من "استئجار مكان متاح عندما بدأوا بإدارة مشاريع تابعة لمنظمات غير حكومية مثل كاريتاس التابعة لجمهورية تشيكيا من خلال اصلاح اجهزة طبية تضررت خلال الحرب، كما بالعمل لاحقا مع وكالة (GIZ) الألمانية للتنمية".
وفي السنوات اللاحقة، تمكن "موصل سبيس"، وفقا للمجلة البريطانية، من "توسيع قدرات المؤسسة، وبحلول تشرين الثاني من العام الماضي، كان لديهم مركز للتصنيع، وهي مساحة مشتركة للعمل المشترك، وقاعة للتدريب وقاعة للاجتماع، كما انهم صاروا يقدمون برامج تدريبية".
وعن هذه النجاحات، قال محمود "اردنا ان نعزز هذه الثقافة الجديدة للناس الذين كانوا تحت سيطرة داعش لثلاثة أعوام"، لافتا إلى أن "جزءا من التمويل يأتي من برامج التدريب المدفوعة، وأن تحقيق الاستدامة المالية صعب في ظل محدودية القطاع الخاص في الموصل".
وتابع: "إذا لم تتمكن المؤسسة من تحقيق الاستدامة المالية، فإن (موصل سبيس) ستستمر في الاعتماد على المتطوعين".
ويريد محمود وغيره من قادة المشروع ان يتسلم الجيل الجديد القيادة، مستدركا بالقول "إنه ليس مشروعي لوحدي، انه مؤسسة غير ربحية تستهدف بناء مستقبل أفضل لي ولمدينتي".
ومن خلال العمل في "موصل سبيس"، فان المتطوعين يكتسبون الخبرة المفيدة فيما يشاهدون في تطوير المجتمع، حتى وإن كانت الفرص غير جذابة، لكنهم تعلموا كل ما يلزم للبدء بمبادرات جديدة ثم تطويرها"، وفق ما قاله محمود.
وخلال فترة فيروس كورونا، أظهرت "موصل سبيس" انه بالامكان ابتكار شيء في العراق، وفي ظل النقص الكبير في المستلزمات الطبية، انتج العاملون في "موصل سبيس" واقيات طبية للوجه، وأجهزة الكترونية لغسل اليدين من دون لمسها، وهم يعلمون حاليا على تصنيع آلات لانتاج الأوكسجين، بحسب المجلة.
وفي ختام التقرير، نوهت المجلة البريطانية، إلى التفاؤل بالمستقل الذي كان واضحا على محمود وزملائه، برغم كل التحديات التي تواجههم
ونقلت عن محمود قوله إن "النموذج الذي أؤمن به، هو الاستثمار في جيل الشباب، وفي مهاراتهم، ومنحهم كل المستلزمات التي يحتاجونها ليصنعوا شيئا، ربما سيفشلون، لكن في المستقبل سينجحون".