شفق نيوز/ دعت منظمة "فير اوبزرفر" الدولية، العراق الى تفكيك الفساد من اسبابه الجذرية بعدما تنامى خلال العقدين الماضيين الى مستوى لم يعد بالإمكان السيطرة عليه، في كل جانب من جوانب المجتمع العراقي تقريبا.
وذكّر تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، للمنظمة غير الحكومية والتي لها مقرات في واشنطن ولندن وجنيف، بأنه في 12 نيسان/ أبريل 2023، أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي وبرنامج الامم المتحدة الانمائي عن تجديد تعاونهما من اجل منع الفساد والقضاء عليه في العراق، وهو التزام تم ترسيخه من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم تستهدف تقوية ثقافة الشفافية والمساءلة والسلوك الاخلاقي في كل من المجالين العام والخاص.
بيئة الفساد
واعتبر التقرير ان الفساد في الحكومة العراقية مشكلة متفشية ومتجذرة، تسببت في اعاقة تطور البلاد وتنميتها طوال عقود، مضيفا ان فهم اسباب هذا الفساد يتطلب دراسة دقيقة للعوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تساهم فيها.
ورأى التقرير ان عدم الاستقرار في العراق كان طوال العقدين الماضيين احد الاسباب الرئيسية للفساد في البلد، بعدما ادى انهيار النظام الاستبدادي الطويل الامد في العام 2003 الى نشوء فترة من عدم اليقين، حيث ان الفصائل السياسية والجماعات الطائفية المتنافسة سارعت الى تعبئة هذا الفراغ، في حين ان صراعات القوى الطائفية ادت لاحقا الى خلق اجواء انعدام الثقة في نزاعهم على السلطة.
وتابع التقرير ان الفساد تنامى في هذه البيئة، حيث صار السعي وراء اكتساب السلطة والنفوذ متداخلا مع المكاسب الشخصية اذ ان الافراد سعوا الى استغلال مواقعهم السياسية بهدف تحقيق مكاسب مالية، وتطور النفوذ السياسي بتحوله الى وسيلة من اجل تكديس الثروات، وتأمين العقود المربحة والسيطرة على الموارد.
واضاف التقرير ان مثل هذه البيئة شجعت المسؤولين على استغلال مناصبهم لانتزاع الرشاوى والاختلاس والتلاعب بالاموال العامة بهدف تحقيق مكاسب شخصية، مشيرا في هذا السياق كمثال الى "سرقة القرن" التي تضمنت تورط مسؤولين حكوميين سابقين في سرقة 2.5 مليار دولار من الاموال العامة.
الاستقرار السياسي
ولفت التقرير الى ان عدم الاستقرار السياسي ادى الى تقويض فعالية المؤسسات لمكافحة الفساد، موضحا ان القضاء ووكالات تطبيق القانون والهيئات التنظيمية واجهت في احيان كثيرة التدخل والتلاعب والترهيب في مناخ سياسي غير مستقر، ما عرقل قدرتهم على ملاحقة الفاسدين قضائيا ومحاسبتهم.
والى جانب ذلك، ذكر التقرير ان عدم الاستقرار السياسي أثر سلبا على استمرارية وفعالية اليات الحكم، مبينا ان التغييرات المتكررة في القيادة والهيكل الحكومي تؤدي الى عرقلة تنفيذ سياسات مكافحة الفساد والاصلاحات.
وتابع ان تفشي ظاهرة المحسوبية في الحكومة العراقية ساهم في انتشار الفساد، اذ انه في كثير من الاحيان، يتم شغل المناصب النافذة على اساس العلاقات الشخصية بدلا من الكفاءات، وهو ما يعزز فرص ازدهار الفساد.
ضعف الرقابة
ولفت التقرير الى وجود اوجه قصور في اليات مكافحة الفساد والتي من بينها التدقيق في الحسابات المالية العامة ومراقبة العقود العامة وعمليات الشراء، وتطبيق قواعد السلوك للموظفين في القطاع العام.
واضاف انه في ظل الرقابة غير الكافية يصبح بإمكان الافراد الفاسدين ان يستغلوا الثغرات والتورط في انشطة احتيالية في ظل عدم مواجهتهم للتدقيق في نشاطاتهم.
وبحسب التقرير ايضا، فإن افتقار العراق للامن، يؤدي الى عرقلة الجهود لمكافحة الفساد بشكل مؤثر، مشيرا الى ان استمرار الارهاب والتمرد والنزاعات المسلحة تسبب في تحويل الموارد والاهتمام والارادة السياسية بعيدا عن مبادرات مكافحة الفساد.
واشار الى ان السلطات تمنح الاولوية للمخاوف الامنية على مواجهة الفساد، ما يعزز بالتالي البيئة المؤاتية للفساد بلا رقابة.
النفط والفساد
وتحت عنوان النفط والمعاناة الاقتصادية للمواطنين، ذكر التقرير ان العوامل الاقتصادية تساهم في الفساد في العراق، اذ ان اقتصاد البلد يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، ما يؤدي الى تركز الثروة والسلطة.
ولفت الى ان سوء الادارة واختلاس عائدات النفط تتسبب في ظهور فساد في مجالات مثل المشتريات العامة والعقود وتخصيص الموارد.
وتابع التقرير ان الافتقار الى التنويع الاقتصادي والاعتماد الزائد على عائدات الهيدروكربونات، لا يحدان فقط من امكانات النمو الاقتصادي والتنمية، وانما يساهم ايضا من احتمالية انتشار الفساد.
ونبه الى ان التركيز على صناعة واحدة يترك القطاعات الاخرى عرضة للفساد وفي حالة تخلف، مضيفا انه عندما يتم اقتطاع جزء كبير من ثروة الدولة من مصدر واحد، فإنه بالإمكان التلاعب بالنظام واستغلاله لمصلحتهم الخاصة.
وبالاضافة الى ذلك، ذكر التقرير ان عدم وجود اقتصاد قوي ومتنوع يزيد من احتمالية انخراط الافراد في سلوك فاسد.
الثقة بالحكومة
وحذر التقرير من ان عدم تطبيق القانون بشكل فعال، يؤدي الى حماية المسؤولين الفاسدين وتأكل ثقة الجمهور في الحكومة ومؤسساتها، مضيفا انه عندما يشعر المواطنون بأنهم لا يستطيعون الوثوق بحكومتهم، فأنهم يشعرون بخيبة امل ويشعرون انهم منفصلون عن العملية الديمقراطية، وهو ما يقوض العقد الاجتماعي للحكومة مع مواطنيها، ويعرقل الجهود المبذولة لتعزيز الحكم الرشيد والمحاسبة.
وفي السياق نفسه، قال التقرير انه في ظل عدم وجود مجتمع مدني قادر ونشط، فإن مشاركة المواطنين والمساءلة تتعرضان للعرقلة لان المجتمع المدني القوي يفترض ان يعمل بمثابة رقيب يحاسب الحكومة.
واضاف ان المجتمع المدني في العراق يواجه قمعا منتظما ونقصا في الموارد ومساحة محدودة للمشاركة.
ورأى التقرير انه من دون جمهور نشط يطالب بالمساءلة والشفافية، سيكون بإمكان الفساد الازدهار بلا رادع.
الحراك الشعبي
واعرب التقرير عن الاسف لان المواطنين العراقيين يخشون التحدث علانية ضد الفساد، خصوصا بعد اعتقال مواطنين وتعذيبهم وقتلهم اثناء وبعد تظاهرات تشرين الاول/ اكتوبر 2019.
وختم التقرير بالقول انه بشكل عام، فإن الفساد كان هو التحدي الاكبر للعراق، وعواقبه بعيدة المدى.
واضاف ان الفساد يقوض ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية ويضعف ثقة الجمهور في الحكومة، وهو يعزز ثقافة الافلات من العقاب ويضعف سيادة القانون.
كما ان الفساد يتسبب في تحويل الاموال بعيدا عن البرامج الانسانية الاساسية والخدمات العامة وتطوير البنية التحتية، ويؤدي الى تقويض الاحتمالات الاقتصادية ويعرقل الاستثمار الاجنبي.
والى جانب ذلك، قال التقرير في خلاصته ان الفساد يمس الاستقرار السياسي من خلال تقويض شرعية الحكومة ومفاقمة التوترات الطائفية وتعزيز السخط والاضطرابات العامة.
ولهذا، يخلص التقرير الى القول ان مكافحة الفساد تمثل مشكلة معقدة بالتأكيد، وان هناك حاجة الى معالجة الاسباب والاسس الكامنة وراء الفساد من اجل تحقيق تقدم كبير، ولهذا فمن الضروري التحقيق في الاسباب الجذرية للفساد وسن اصلاحات لها معنى.