شفق نيوز/ كشف تحليل أمريكي، يوم الأربعاء، عن ضرورة نقل العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة والتي تعود إلى قرن كامل، من صيغة "النفط مقابل الامن" إلى الشراكة الاقتصادية، مشيراً إلى أن الاستثمارات الصينية في المملكة العربية تعادل مشاريع واشنطن والاتحاد الأوروبي مجتمعة.
وقال معهد "واشنطن" الأمريكي في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، إن "السعوديين والامريكيين حفروا معاً بئر الدمام رقم 7، في العام 1938 عندما تم اكتشاف النفط بكميات تجارية للمرة الاولى في شرق السعودية بعد 6 محاولات فاشلة".
شراكة اقتصادية سعودية امريكية
وأضاف انه "في الوقت الذي جرت عملية التنقيب هذه في إطار شراكة اقتصادية بين السعودية والقطاع الخاص الامريكي في البداية، الا انها وضعت الاساس لشراكة أمنية بين البلدين لا تقوم على مبيعات الأسلحة فحسب، بل على تضحيات الجانبين معا، حيث تصدّت السعودية والولايات المتحدة للسوفييت في أفغانستان وكبحت طموحات صدام حسين في ضم دولة الكويت المجاورة".
الا ان التقرير الامريكي استدرك بالقول انه "في عصر التغييرات الجذرية ووسط الجهود التي تبذلها السعودية لتنويع اقتصادها، سيفوّت البلدان فرصا مفيدة إن لم يوسعا حدود هذه الشراكة الثنائية لتتجاوز نموذج النفط مقابل الأمن".
وأشار الى ان "العلاقات بين الرياض وواشنطن منيت بانتكاسات عدة خلال السنوات الأخيرة نظراً لما اظهرته الولايات المتحدة من عدم اهتمام بالشرق الأوسط".
وتابع التقرير ان "مصالح عمالقة الأعمال الصينيين في المدن السعودية تذكر الكثيرين بعزم الشركات الامريكية على البحث عن النفط في الصحراء السعودية منذ ما يقارب 100 عام، في حين يبدو الان أكثر فأكثر أن الصين أحد الرابحين في هذه الديناميكية المتغيرة".
الاستثمار الصيني الضخم
وأوضح التقرير انه على ساحل المملكة الجنوبي، فإن "الاستثمار الصيني الضخم في منطقة جازان يسلط الضوء على التأثيرات المعاكسة لاهتمام بكين المتزايد في منطقة الشرق الأوسط".
وبين أن "انخراط الصين مؤخراً في المفاوضات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، قد يكون سببه جزئياً مصالح الصين الاقتصادية المتنامية في مناطق السعودية التي قد تستفيد من المزيد من الاستقرار والهدوء على طول الحدود بين السعودية واليمن".
وبعدما أشار التقرير الى "الانخراط الاقتصادي الصيني المتنامي في المملكة، والمؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية الخاصة التي استضافتها السعودية والصين".
لفت الى ان "التجارة الثنائية بين العامين 2014 و2021 ازدادت بنسبة 24% تقريبا، وارتفعت قيمتها من 70 مليار دولار الى 87.3 مليار دولار في العام 2021، في حين انها في العام 2022 بلغت 106 مليارات دولار، في زيادة بنسبة 21% خلال سنة واحدة".
وذكر التقرير انه "خلافا للرأي السعودي القائل ان الولايات المتحدة لا تستثمر بشكل كافٍ في رؤية التحول الاقتصادي في المملكة السعودية، فإن الاستثمارات الصينية المتزايدة في المملكة تلقى الترحيب، الأمر الذي يدفع الصين إلى الابتعاد عن نهج المنفعة المجانية التي تعتمدها منذ وقت طويل، ويتجلى ذلك بوضوح في استثمارات بكين الكبيرة والمتنامية في المدن السعودية".
حالة منطقة جازان
وذكر التقرير ان "منطقة جازان الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر الاحمر تعتبر خير مثال على هذا التحول، وتضع الاتجاهات الاوسع نطاقا في العلاقات بين الصين والسعودية، مثل الوساطة الصينية الاخيرة بين الرياض وطهران، في إطارها الصحيح".
واوضح ان "منطقة جازان تشكل هدفاً رئيسياً للحوثيين نظراً لموقعها بالقرب من الحدود اليمنية، ولكنها تواصل عملها بشكل طبيعي، مثل غيرها من المدن السعودية، بينما تحارب المملكة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن".
واضاف ان "الحوثيين هاجموا المدينة لغاية الآن عدة مرات، بما في ذلك هجوم العام الماضي الذي استهدف منشآت (أرامكو)"، مضيفا ان "أرباب الأعمال لن يرفضوا المزيد من الاستقرار".
وتابع التقرير ان "منطقة جازان بفضل موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر تتضمن مشاريع كبيرة مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ تسهّل التجارة وتعزز الاتصال بين القارتين الآسيوية والأفريقية".
وأضاف انه "برغم ان جازان هي ثاني أصغر منطقة بين المناطق الإدارية الـ13 في المملكة، الا انها تحتل مركز الصدارة في ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية الصينية في السعودية حتى قبل إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن (رؤية السعودية 2030) لجذب الاستثمارات الأجنبية".
الصناعات الأساسية والتحويلية
وفي هذا السياق، اشار التقرير الى ان شركة الألمنيوم الصينية المحدودة المدعومة من الدولة، أستثمرت مبلغ 1.2 مليار دولار لإنشاء مصهر ألمنيوم في مدينة جازان الاقتصادية، وهو استثمار جاء بعد ثلاث سنوات من زيارة الملك الراحل عبد الله إلى المنطقة حيث أفاد بأن جازان تأخرت تنموياً عن اللحاق بركب المدن السعودية الأخرى، ووعد بالتغيير من وسط ملعب مكتظ بالجماهير وأعلن عن إطلاق المدينة الاقتصادية المعروفة حاليًا باسم (مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية).
وبذلك أصبحت "مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، التي تفوق مساحتها 106 كيلومترات مربعة كما كان مخططاً، عماد الاستثمارات الصينية، بما في ذلك استثمار تفوق قيمته 21.3 مليار دولار لوصل شبكة طريق الحرير الصيني بأكثر من 100 سلسلة توريد محلية، بالإضافة إلى 570 مشروع تحت الإنشاء"، وفقا للتقرير.
ولفت الى ان "آلاف العمال الصينين تدفقوا إلى المنطقة للعمل ضمن منطقة التنمية الخاصة بالمشاريع الصينية الممتدة على مساحة 19كلم تقريبا، وخصوصا في مجال الفولاذ والبتروكيمياويات والسيليكون وخدمات السفن".
وبين أن "اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين تعتبر ان هذه المنطقة واحدة من المناطق الصناعية الكبرى العشرين في العالم التي تتمتع بقدرة دولية مثبتة، وتشكل إحدى المناطق الصناعية التسع التي تم إنشاؤها في دول عربية".
جازان وعودة العلاقات السعودية الايرانية
وذكّر التقرير بأنه "بعد مرور أكثر من عشر سنوات، ما زالت المشاريع الصينية تشهد نموا في (مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية)، حيث انه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأت شركة الصين لهندسة الموانئ (تشاينا هاربور) للانشاء ببناء نظام لتبريد مياه البحر داعم لمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، بعد منافسة مع مقدمي عطاءات محليين وأجانب".
وبحسب التقرير، فإن "الصين ترى أن العلاقة الاقتصادية مع جازان تسلط الضوء على فوائد استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، بما يشمل حماية مصالحها في المدن السعودية من خلال الحدّ من خطر الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي قد يشنها حلفاء إيران في اليمن".
واشار الى ان "جازان تعرضت لثلاث هجمات على الأقل في العام الماضي، من ضمنها الهجوم بطائرة مسيرة على منشأة (آرامكو)، الا انه منذ التوصل إلى الاتفاق، لم يشن الحوثيون أي هجمات على جازان أو المدن السعودية الأخرى".
واوضح ان "هذا الهدوء النسبي قد يعزى جزئياً إلى الجهود التي بذلتها السعودية مؤخرا لإحضار الأطراف اليمنية المتحاربة إلى طاولة المفاوضات في إطار سياسة تصفير المشاكل التي انتهجتها والتي أنهت القطيعة مع إيران التي دامت سبع سنوات".
الدور العراقي
وتابع التقرير ان "مصالح الصين في جازان قد تبدد الحجج التي تقلل من أهمية الدور الصيني في المصالحة بين السعودية وإيران"، مضيفا ان "العراق وعُمان والكويت لعبوا دوراً في تيسير محادثات الخصمين الإقليميين، إلا أن التقارير الإعلامية الصادرة قبل الاتفاق تشير إلى أن مبادرة الرئيس شي جين بينغ اتسمت بأهمية حاسمة في منع انهيار المحادثات".
واعتبر التقرير انه "في حال تم التقيد باتفاق بكين واستمر الضغط الإيراني على الحوثيين للكف عن مهاجمة السعودية، فإن الفرص ستتزايد أمام منطقة جازان".
الاستثمارات الصينية والامريكية
ووفقاً لمسؤول كبير في هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة، فإن "الصين تظهر اهتماماً كبيراً في جني ثمار المناطق الاقتصادية الجديدة".
وفي مقارنة بين الاستثمارات الأمريكية والصينية، قال المسؤول الكبير أن "المناطق الاقتصادية الخاصة ترحب بالمستثمرين من البلدان كافة في سعي إلى سدّ أي ثغرات اقتصادية قائمة"، مشيراً إلى "وجود قطاعات لا يمكن فيها الاستغناء عن الشركات الأمريكية، والى ان المناطق الاقتصادية الخاصة تقدم للمستثمرين الأجانب حوافز ضريبية على مدى 20 عاما وفرصة التملك بنسبة 100%".
ولفت التقرير الى انه "يقع في جوار منطقة جازان الاقتصادية الخاصة مرفأ مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية الذي بنته شركة الصين لهندسة الموانئ (تشاينا هاربور للإنشاء) وتشغله شركتا (هوتشيسون بورتس) و(تشاينا هاربور)".
وبين ان "هذا المرفأ يضطلع بأهمية كبرى لمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية والمنطقة الاقتصادية الجديدة، إذ يشكل بنية تحتية حيوية للشركات التي تسعى إلى ترسيخ وجودها هناك، إذ يمثل ثالث أكبر ميناء في السعودية، وييسّر مرور 13 إلى 15% من التجارة العالمية".
الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي
الى ذلك، اوضح التقرير ان "العلاقات بين السعودية والصين تمتلك القدرة على التطور بطرق مختلفة لا تقتصر على الاستثمار وحده"، مشيرا الى ان "تقارير غير رسمية في العام 2021 تفيد بأن الصين تساعد الرياض في بناء صواريخها الباليستية، كما تعتبر الصين من مقدمي العطاءات المحتملين في برنامج المملكة النووي".
وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير أن "السعودية ما تزال ملتزمة أيضا بتعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة"، مضيفا انه "تتوفر فرص كثيرة لتنمية علاقات لا تقوم على صيغة النفط مقابل الأمن الحالية فحسب".
وتابع ان "رسائل من مسؤولين سعوديين عبرت بوضوح عن تفضيلهم مشاركة الولايات المتحدة على حساب الدول الأخرى"، مشيرا بشكل محدد الى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الشهر الماضي عندما قال إن "المملكة تفضل أن تكون الولايات المتحدة من مقدمي العطاءات لبرنامجها النووي المدني".
وفي السياق نفسه، تحدثت السفيرة السعودية في الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر، في مهرجان أسبن للأفكار في حزيران/ يونيو الماضي، قائلةً أيضاً إن الولايات المتحدة تشكل دائماً المحطة الأولى، كما أكدت أن المملكة ستعطي الأولوية دائمًا للمشاركة مع الولايات المتحدة، في إطار أي موضوع.
السعودية وبايدن
الا ان التقرير قال انه "برغم هذه الرسائل، فإنه يمكن اعتبار العلاقة المتوترة بين إدارة بايدن والسعودية عاملاً يدفع المملكة إلى تعزيز التعاون مع الصين"، مبينا انه "عندما ناقش ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العلاقة مع إدارة بايدن، وصف السعودية بأنها مركز مليء بالإمكانات والفرص، بينما أشار إلى أن التقاعس الأمريكي عن الإقرار بذلك سيمهد الطريق أمام الشرق ليغتنم الفرصة".
وفي المقابل، قال التقرير انه "تكاثر حديث المسؤولين السعوديين مؤخرا عن التزامهم بتوسيع التعاون مع الصين".
وفي معرض الرد على سؤال حول انعكاسات هذه العلاقة المتنامية على علاقات السعودية مع الولايات المتحدة، أكد وزير الاستثمار خالد الفالح أن "المملكة لا ترى أن علاقتها مع الولايات المتحدة تأتي على حساب الدول الأخرى".
ونقل التقرير عن الفالح قوله لمعهد "ميلكن" إنه من "المهين اعتبار دول مهمة على أنها بيادق على رقعة الشطرنج"، مؤكدا أن "تجارة السعودية مع الصين تفوق التجارة الثنائية مجتمعة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
ثم طرح الفالح السؤال التالي "هل تتوقعون منا أن نخاطر بها ليشعر بلد معيّن أننا بصفّه؟".
وختم التقرير بالقول انه "من الطرف الصيني، فإن بكين تعمل بلا شك على استعراض قوتها في المنطقة من خلال الاستثمارات"، مضيفا انه "إذا كان ثمة درس يمكن استخلاصه من عملية التنقيب على النفط التي تشاركت فيها السعودية والولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، فهو أن المصالح الاقتصادية تستدعي أكثر من الاستثمارات، وأن هذا الاتجاه لا يظهر أي علامات على التباطؤ، خصوصا من دون زيادة المنافسة والمشاركة الاقتصادية الامريكية".
ترجمة: وكالة شفق نيوز