شفق نيوز/ بينما يستمر تقدم
فصائل المعارضة المسلحة داخل الأراضي السورية، يخيّم ركود في الأسواق المحلية
العراقية، وسط ترقب شعبي لاتجاهات الأحداث المتطورة وتبعات ما سيجري في ظل مخاوف
متصاعدة من تأثر العراق بالصراع الدائر في سوريا.
وينشغل العراقيون في الوقت
الحاضر بالبحث عن طرق وخيارات جديدة للتكيف مع الظروف الراهنة وما فرضته مستجدات
الأحداث المشتعلة في سوريا، في ظل توقعات أن يكون لها تبعات على الاقتصاد العراقي.
ويظهر هذا في حالة الركود التي
تشهدها الأسواق المحلية العراقية منذ بداية إعلان المعارضة السورية "عملية
ردع العدوان" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وفي هذا الصدد، قالت المواطنة
أم أحمد من بابل، إن "العراقيين مرت عليهم حروب وظروف اقتصادية صعبة، لذلك
مثلت الأحداث في سوريا جرس إنذار لهم بأخذ الاحتياطات اللازمة تحسباً لما ستؤول
إليه الأمور، لأن الوضع الأمني مرتبط بالوضع الاقتصادي والسياسي".
وعن الإجراءات التي اتخذتها
السيدة، أوضحت لوكالة شفق نيوز، أنه "تم شراء المواد الجافة والتقليل من شراء
الحاجيات غير اللازمة، في ظل مخاوف من ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء المواد
الغذائية، إذا ما تطورت الأحداث في سوريا أكثر وتأثر بها العراق بشكل أو
بآخر".
وهذا ما أكد عليه أيضاً رئيس
مجلس الأعمال العراقي السوري، حسن الشيخ زيني، بأن "هناك حالة كساد في الأسواق
العراقية وتراجع في الشراء من قبل المواطنين خوفاً من الحرب، وبات الشراء يقتصر
على الحاجيات الأساسية".
وأضاف زيني، لوكالة شفق نيوز،
أن "العراق في حال مسك حدوده ولم يشارك بالحرب السورية فإنه لن يواجه أي
مشكلة، لكن حتى في هذه الحالة قد تكون هناك تداعيات في المستقبل إذا ما تغيّر
النظام في سوريا، حيث إن التداعيات قد تجر إلى العراق، وقد يحدث فيه تغييراً
سياسياً أيضاً".
لكن زيني، وهو نائب رئيس غرفة
تجارة بغداد سابقاً، رأى أن "سوريا لن تؤثر على الاقتصاد العراقي بقدر
التأثير السياسي، لأن الاقتصاد العراقي قوي، وهناك إمكانيات مادية وثروات وبنى
تحتية، وأن الخطط الحكومية تسير بالاتجاه الصحيح".
وعن احتمالية التأثر بنقل
البضائع، بين أن "هناك خطوطاً للتجار تمر عبر سوريا وهي قليلة، وهذه يمكن
تحوليها إلى بلدان أخرى ومن ثم تأتي إلى العراق، رغم أن المجموعات المسلحة التي
تسيطر على مناطق في سوريا لا تمنع تصدير البضائع من حلب".
وأشار إلى أن "هناك تجربة
سابقة عند سيطرة داعش على الجهة الغربية في العراق، حيث كانت البضائع تصل من
الأردن وتركيا إلى العراق، لذلك هناك بدائل ومنافذ كثيرة، وبالتالي لا يوجد تأثير
على الاقتصاد العراقي في هذا الجانب".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي،
أحمد عبد ربه، إن "كل أزمة تحصل قد تؤثر على العراق خصوصاً إذا ما كانت في
دولة مجاورة، لكن العراق اليوم قادراً على تأمين أمنه الغذائي عبر توفير السلال
الغذائية، كما هناك خزين استراتيجي من المواد الغذائية في البلاد، وهناك تقدم في
تحقيق الاكتفاء الذاتي".
وأوضح عبد ربه، لوكالة شفق
نيوز، "كما أن الأحداث الراهنة في سوريا لن تؤثر على صادرات النفط، فهي تمر
عبر البصرة جنوبي البلاد، وحتى تصدير كركوك هو يتم عبر تركيا وكوردستان، لكن قد
تؤثر الأحداث على طبيعة الاستثمار وحجمه في العراق".
ودعا عبد ربه، الحكومة العراقية
إلى أهمية "اعطاء تطمينات للمستثمرين ولرجال الأعمال بأن الوضع مسيطر عليه،
وما حصل عام 2014 لا يمكن أن يتكرر في أي حال من الأحوال".
ويخشى العراق من عودة سيناريو
أواسط العام 2014 عندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق تُقدر بثلث مساحة
البلاد على خلفية امتداد الصراع في سوريا بين النظام والفصائل المعارضة.
بدوره، ذكر أستاذ الاقتصاد
الدولي، نوار السعدي، أن "التأثيرات الاقتصادية المتوقعة على العراق نتيجة
الأحداث الأخيرة في سوريا، هي ترتبط بعوامل متعددة تشمل التجارة، النقل، سوق
العمل، والتداعيات الجيوسياسية".
وشرح السعدي خلال حديثه للوكالة،
أن "العلاقات العراقية - السورية تتسم بترابط كبير، العراق يعتمد على سوريا
كمعبر تجاري وإقليمي مهم. يعني أن التصعيد العسكري والاضطرابات في سوريا ستؤدي إلى
تعطيل الطرق البرية والممرات الحدودية بين البلدين، مما ينعكس سلباً على واردات
العراق وصادراته".
وبين أن "هذا التعطل سيزيد
من تكلفة نقل البضائع ويؤثر على توافر السلع الأساسية التي تدخل السوق العراقية
عبر سوريا، خاصة تلك المتعلقة بالمنتجات الزراعية والمواد الغذائية التي يعتمد
عليها المستهلك العراقي".
"تاريخياً،
استخدم العراق الأراضي السورية لتصدير النفط عبر ميناء طرطوس، لكن الأحداث الأخيرة
أضافت تحديات جديدة لتفعيل هذه الخطوط" يقول السعدي.
ورأى السعدي، أن "العراق
يواجه الآن زيادة في تكاليف النقل إذا اضطر للبحث عن مسارات بديلة، مثل استخدام
موانئ جنوبية أو عبر دول أخرى، ما يزيد من الضغط المالي على الاقتصاد العراقي الذي
يعاني بالفعل من تحديات في التنويع الاقتصادي واعتماده الكبير على إيرادات
النفط".
ولفت إلى أن "التأثيرات لا
تتوقف عند التجارة فقط، فهناك ضغط إضافي على الخدمات العامة والبنية التحتية سيكون
بسبب تدفق اللاجئين السوريين إلى العراق، هذه التدفقات تضعف القدرة الاستيعابية
للاقتصاد العراقي، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات البطالة والاعتماد الكبير على
القطاع الحكومي في توفير الوظائف، كما أن الأحداث الأمنية المتصاعدة على الحدود قد
تفتح الباب لتسلل الجماعات المسلحة، مما قد يهدد الاستقرار الاقتصادي
والاجتماعي".
وتابع: "أما من الناحية
المالية، يواجه العراق تحديات تتعلق بتقلبات سعر الصرف نتيجة للتغيرات الإقليمية،
خصوصاً في ظل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والتي تؤثر على حركة الأموال
والتحويلات التجارية بين البلدين".
وأشار إلى أن "هذه
التحديات قد تعمق أزمات السوق العراقية، خاصة مع وجود فجوة كبيرة بين السعر الرسمي
للدولار وسعره في السوق الموازية، مما يزيد من تكاليف الاستيراد ويؤثر على القدرة
الشرائية للمواطنين".
وللتعامل مع هذه التداعيات، شدد
السعدي، على ضرورة أن "يحافظ العراق على التوازن وأن لا يتدخل بشكل مباشر في
الصراع ومسك الحدود بشكل كبير، بالإضافة إلى التركيز على تعزيز علاقاته التجارية
مع الدول الأخرى، وخاصة دول الجوار، لتقليل اعتماده على الطرق البرية عبر سوريا".
وخلص إلى القول: "كما
يتطلب الوضع سياسات حكومية تدعم القطاع الخاص وتطور البنية التحتية للنقل
والتخزين، مما يمكن الاقتصاد العراقي من امتصاص الصدمات الخارجية بشكل أفضل".
ومن المقرر أن تشهد العاصمة
العراقية بغداد، غداً الجمعة، اجتماعاً ثلاثياً "عراقي - سوري –
إيراني"، لبحث تداعيات الأحداث الأمنية المتسارعة في السوريا، وتأثيراتها على
المنطقة ككل.
وقال مصدر مطلع، في تصريح سابق
لوكالة شفق نيوز، إن "الاجتماع سيضم كلاً من وزير خارجية ايران، ووزير خارجية
سوريا، مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، وسيشهد بحث تداعيات الأحداث الأمنية
في سوريا وتأثيرها على المنطقة".
وأضاف المصدر، أن
"الاجتماع سيشهد كذلك، مناقشة وساطة العراق لعقد اجتماع دولي في بغداد خلال
الفترة المقبلة، لحل المشكلة السورية عبر الأطر السياسية والدبلوماسية".
وكان ائتلاف إدارة الدولة، الذي
يضم القوى السياسية المشكلة للحكومة العراقية، قد أعلن عن مبادرة عراقية لدعوة دول
الجوار، والدول المعنية بالأزمة السورية إلى اجتماع عاجل في بغداد.
يذكر أن فصائل مسلحة سورية،
بقيادة هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقاً"، أطلقت، في 27 نوفمبر
(تشرين الثاني)، عملية اسمتها "ردع العدوان"، واجتاحت قرى وبلدات
بمحافظتي حلب وإدلب التي تسيطر عليهما الحكومة السورية.
وفي أواخر عام 2016 استعادت
قوات الجيش السوري بدعم من روسيا وإيران وفصائل موالية مسلحة في المنطقة، مدينة
حلب بأكملها، ووافق مقاتلو المعارضة على الانسحاب بعد أشهر من القصف والحصار في
معركة قلبت دفة الأمور ضد المعارضة.